توقيت القاهرة المحلي 08:32:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا... ثورة سجناء النظام ضد حراسه

  مصر اليوم -

أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه

بقلم : إميل أمين

في مقابلته الأخيرة مع وكالة «أسوشييتد برس»، قال الرئيس بايدن، إن «الأميركيين محبطون حقاً»، بعد سنوات من الجائحة والانقسام السياسي، وقد جاء قرار المحكمة الأميركية العليا بإلغاء قانون الإجهاض، لينقل الأميركيين من مستوى الأزمات إلى دائرة الصراعات، إن لم يكن الأسوأ لم يأتِ بعد، متمثلاً في المواجهات الأهلية، وصيحات تفكيك الاتحاد، وعلى غير المصدق أن يراجع أصوات من الحزب الجمهوري، تطالب بانفصال ولاية تكساس.
هل أميركا في أزمة مصيرية تتجاوز التضخم على خطورته، والكساد رغم بشاعته، وما خلفته جائحة فيروس «كوفيد»؟
المؤكد أن هناك خطوطاً حمراء تجاوزتها الأزمة الأميركية، وبات التماس القابل للاشتعال جاهزاً بين من يسميهم المؤرخ الأميركي الكبير، هوارد زن، حراس النظام، الذين لا يتعدون الـ1 في المائة من سكان البلاد من جماعات الواسب، أي البيض البروتستانت الأنغلوساكسون، وبين سجناء النظام الذين يبلغون نحو 99 في المائة من تعداد الأميركيين.
تبدو أميركا اليوم في حالة من التشارع الآيديولوجي، والتصارع الدوغمائي، بشكل ينذر بخطر رهيب قائم وقادم، وما يزيد من المخاوف التناقض الكامن في البنية التكتونية للسلطات الأميركية الثلاث؛ فقد رأينا محكمة عليا توجهها يغلب عليه الطابع اليميني المحافظ، وربما قريباً يضحى متشدداً إلى أقصى حد ومد، في حين الأغلبية في الكونغرس تميل لجهة اليسار، أما البيت الأبيض فيعرج بين الجانبين، ومن غير قدرة خلاقة على قيادة المشهد الداخلي، ناهيك عن الخارجي؛ ما يجعل أميركا تتساءل صباح مساء كل يوم عن المنقذ.
في رؤيته للتاريخ الشعبي للولايات المتحدة، يخبرنا هوارد زن، أنه عبر التاريخ الطويل، ظل العداء العميق بين التسعة والتسعين والواحد في المائة، وهو العداء الذي حاولت حكومات الولايات المتحدة والصفوة الغنية المتحالفة معها – من الآباء المؤسسين إلى الآن – منع حدوثه.
أكثر ما كان يخشاه الرئيس الأميركي الرابع، جيمس ماديسون (1809 - 1817)، والمنتمي في ذلك الوقت إلى الحزب الجمهوري الديمقراطي، قبل أن يحدث الانفصال بينهما، هو الشقاق بين صفوف الأميركيين أنفسهم، وقد كان غالب أمله أن يستطيع الدستور الجديد التحكم في ذلك؛ ولذا قام هو ورفاقه بوضع عبارات في مقدمة الدستور من قبيل «نحن الشعب...»، متظاهراً بأن الحكومة الجديدة تقف بجانب الجميع، وكان يأمل أن تُقبل هذه الخرافة بوصفها حقيقة، وأن تضمن تحقيق الهدوء الداخلي.
اليوم، وبعد نحو مائتي عام من رحيل ماديسون، يتصاعد التوتر مرة جديدة، ولا تفلح كل الرموز اللفظية من عينة الالتفاف حول العَلَم، والديمقراطية فوق جبل، ومقتضيات الدفاع القومي، وحماية المصالح الوطنية، وصيانة الأمن الداخلي... لا تفلح في مداواة الخلل الهيكلي في التكوين المجتمعي الأميركي... لماذا؟
يمكن للجواب أن يمضي على مسارين:
الأول: موصول بأدوات الدولة الأميركية، الظاهر منها والخفي، وكلاهما يكاد يشهر إخفاقه، فالدولة الأميركية العميقة التي تنبأ بها جورج أورويل في رائعته «1984» من خلال الأخ الأكبر الذي يسيطر على أفراد المجتمع عبر شاشات التلفاز، لم تعد فاعلة، وباتت وسائط التواصل المجتمعي قادرة على تشكيل وعي مغاير ونشوء وارتقاء جماعات وسط سجناء النظام، لا تخضع لسيطرة حراس النظام.
كما أن الدولة التي تستخدم التقنية الحيوية لتشريح المجتمع والسيطرة عليه، كما في رواية الكاتب والفيلسوف الإنجليزي، آلدوس هكسلي، فشلت في مواجهة تغيرات العقود الأخيرة، لا سيما في ظل ما يسميه فرانسيس فوكاياما الانهيار البيئي والفيروسات الخارجة عن مركز الصدارة.
ترى هل تقترب الولايات المتحدة من مرحلة الديستوبيا، أي المدينة الفاسدة؟
المتابعون لاستطلاعات الرأي الأخيرة على بعد أربعة أشهر من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، حيث جميع التوقعات تؤشر إلى هزيمة واضحة للديمقراطيين ونصر مؤزر للجمهوريين، وكبروفة لانتخابات الرئاسة 2024، يدركون أن هناك حالة رفض تتصاعد في أعلى عليين للرموز التقليدية للحزبين، سواء كان بايدن ممثلاً عن الديمقراطيين، والذي يتحدث هو والبعض من فريقه عن ترشحه مرة أخرى للرئاسة القادمة، أو ترمب إذا عاد مرة جديدة كوجه جمهوري، سيما أنه بات، كما يقال في الأدبيات الغربية، كـ«صانع الملوك» في انتخابات الولايات عبر دعمه مرشحي الحزب الجمهوري للكونغرس... لماذا هذا؟
الجواب واضح جداً؛ إذ تشعر طبقة سجناء النظام، بأنها غير مؤمنة، لا سيما أن حراس النظام وبطريقة ينقصها التعقل، مدفوعة برغبة جامحة في تحقيق الربح فقط، وبناء ناطحات سحاب لشركات التأمين، في الوقت الذي تحتضر فيه المدن وتتهالك البنية التحتية للبلاد.
أكثر من ذلك، أنه في حين تنفق أميركا نحو مائة مليار دولار على برنامج الصاروخ الفضائي أرتيميس، يفتقد الرضع في الداخل للحليب، والصبيان لملاعب الكرة، وتبدو الرأسمالية المتوحشة وكأنها لم تقدم شيئاً للطبقة الأميركية الفقيرة، وحالياً تواجه الفشل مع الطبقة المتوسطة.
يوماً تلو الآخر وفي ضوء التفاقم المتزايد للمشاكل، أدبية ومادية، يضحى الشعب الأميركي مستعداً للمطالبة، ليس فقط بقوانين إصلاحية أو بإعادة تنظيم لأوراق اللعب، كما الحال مع فكرة مراجعة هيكلية المحكمة العليا وتعيين قضاتها، بل بتغيير جذري جديد، لا أحد يمكن أن يتنبأ بسقفه.
جرت العادة في أوقات الشدة والأزمات، أن يتطلع الأميركيون إلى شخص ما يأتي لإنقاذهم، تمثل هذا الشخص في الآباء المؤسسين في أثناء فترة الثورة، وفي لنكولن في زمن العبودية، وروزفلت إبان الأزمة الاقتصادية، وفي كارتر أوان أزمة فيتنام وفضيحة ووترغيت.
من قادر على إنقاذ أميركا اليوم من المواجهة الدموية القادمة لا محالة بين حراس النظام الأميركي وسجنائه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon