توقيت القاهرة المحلي 16:47:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من شليزنجر إلى كاغان... زمن تفكيك أميركا

  مصر اليوم -

من شليزنجر إلى كاغان زمن تفكيك أميركا

بقلم : إميل أمين

في العام 1991، أصدر المؤرّخ الأميركي الكبير آرثر شليزنجر كتابه الشهير المعنون Disuniting of America أو تفكيك أميركا، والرجل هو مَنْ هو في التاريخ الأميركي المعاصر؛ فقد كان مستشاراً للرئيس كيندي، ولعدد من الإدارات الأميركيّة. وقد تمحورت أعماله حول الليبراليّة الأميركيّة في القرن العشرين بشكل عامّ.
صدر كتاب شليزنجر في توقيت مواكب لسقوط الاتّحاد السوفياتي وإطلاق الرئيس الأميركي بوش الأب صيحة النظام العالمي الجديد بقيادة وهيمنة منفردة للولايات المتّحدة؛ الأمر الذي كان يستوجب منه أن يُنظر إلى أميركا، نظرة متساوقة مع رؤى اليمين المتشدّد، التي ترى في أميركا المثال الناصع للمدينة فوق جبل.
على أنّ صفحات كتاب الرجل تصدمنا بما فيها من واقع حال ومآل الولايات غير المتّحدة الأميركيّة من وجهة نظره، وبما يفيد استنتاجاً بأنّ مصير أميركا هو التفكيك كما الحال مع الاتحاد السوفياتيّ، وهو أمر كان يُرَى منظوراً غير عقلاني قبل ثلاثة عقود.
تبدو عينُ الناقد الاجتماعي والمؤرّخ أوسع بخطوات في رؤيتها من المحلّل السياسي الذي يتعاطى مع الحاضر وحسب، ومن غير أي استشراف مستقبليّ. وعليه، فقد رأى شليزنجر مستقبل أميركا المُفكَّكة وغير المتّحدة.
ذهب شليزنجر إلى الوراء، حيث بدايات النشوء والارتقاء للولايات المتّحدة، حين كان جزءٌ كبير من حيويّة المجتمع الأميركي راجعة إلى قدرة هذا المجتمع على استيعاب وهضم عناصر بشريّة من أصول مختلفة. وكانت هذه العمليّة المجدِّدة للشباب والمنشِّطة تجعل من الولايات المتّحدة بوتقة انصهار Melting Pot يحدث فيها انصهارٌ ومَزْج مثير وفريد. لكنّ هذه العمليّة تكاد تتوقف لاعتبارات كثيرة، ربّما في مقدّمها البيانات الأخيرة الصادرة عن آخر تعداد جرى في 2020، حيث تراجع تعداد سكان أميركا الواسب، أي البيض البروتستانت الأنغلوساكسون، من 69 في المائة بحسب التعداد الذي أُجرِي عامَ 2000 إلى 58 في المائة في تعداد 2020؛ ما يعني تناقص نسبة السكان البيض بـ11 في المائة.
بعد شليزنجر بثلاثة عقود جاء فرنسيس فوكوياما في مؤلَّفه المعنون «الهويّة: الحاجة إلى الكرامة وسياسات الاستياء»، ليشير إلى حالة الصراع القائمة بين أنصار نظريّة بوتقة الانصهار، وأصحاب الرايات الجاكسونِيّة الفاقعة والأصوات الزاعقة الداعين إلى الحفاظ على الهويّات؛ ما أدّى بالولايات المتّحدة لأنْ تتحوّل تدريجيّاً إلى مجموعات كتل إنسانيّة كأنّها جزر معزولة. بعضها أميركيون من دول أفريقية، والبعض الآخر كتل من جذور لاتينِيّة،، ثمّ كتل آسيويّة طامحة للعب دور استراتيجِيّ.
من شليزنجر مروراً بفوكوياما نصل إلى روبرت كاغان.
يطول الحديث عن هويّة كاغان، غير أنّه باختصار غير مخلٍّ، أميركي من عُتاة المحافظين الجدد، باحث وناقد للسياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة، ومن كبار دعاة التدخّل الليبراليّ، ومن القلّة التي نظرت لمشروع القرن الأميركي الجديد، عطفاً على كونه زميلاً بارزاً في معهد بروكنغز وعضواً في مجلس العلاقات الخارجيّة.
مؤخَّراً، أفردتْ الصحافة الأميركيّة مساحة واسعة لكاغان وتنبّؤاته لقادم أيّام أميركا، حيث ما يذهب إليه لا يبشّر بأي خير، بل يدفع في طريق تأكيد ما استشرفه يوهان غالتونغ، عالم الاجتماع النرويجي ومؤسّس علم دراسات السلام والصراعات الدوليّة، ناهيك عن توقّعات زبيغنيو بريجنسكي، وجميعها تصبّ في الوصول إلى النقطة أوميغا في التاريخ الأميركي المعاصر، ومن بعدها تبدو مرحلة التفكيك أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة.
باختصار غير مخلٍّ، يستشرف كاغان صراعاً شديداً خلال السنوات الثلاث المقبلة، صراعاً ستصل ذروته عام 2024 مع الانتخابات الرئاسيّة القادمة، حيث شبح دونالد ترمب يخيف الجميع، وربّما يقود إلى أكبر أزمة سياسيّة ودستوريّة في الداخل منذ الحرب الأهليّة، مع احتمال وقوع حوادث عنف جماعي وانهيار للسلطة الفيدراليّة وتقسيم البلد لجيوب متحاربة تتباين ولاءاتُها بين جمهوريين وديمقراطيين.
في قراءته، يصرح كاغان بأنّ الانشغالات السياسيّة الآنيّة، وتسونامي «كوفيد - 19»، ويمكن أن نضيف الأزمة الخانقة لسقف الديون الأميركيّة، عطفاً على الصراعات الجيوسياسيّة العالميّة، ودخول أميركا في أحلاف جديدة تبدأ من عند اتفاقيّة «أوكوس»، وتمضي نحو رباعيّة «كواد»، جميعها قد تثير الغبار على حقيقة الكارثة المحدّقة بالنسيج المجتمعي الأميركي والواقفة خلف الباب.
لم تنتهِ الانتخابات الرئاسِيّة الأميركيّة بفوز جوزيف بايدن؛ فهو فوز رفضه أكثر من سبعين مليون أميركيّ، ولهذا فإنّ الآمال التي تمّ تعليقها على مقدرة بايدن في لمّ الشمل الأميركي تتبخّر يوما تلو الآخر، لا سيما أن استطلاعات الرأي تشير إلى فرص ترمب في العودة إلى البيت الأبيض رئيساً مرّة أخرى، في حين تبدو حظوظُ الديمقراطيين قليلة.
يعمل ترمب جاهداً ومعه قسم كبير من قيادات الحزب الجمهوري على تسويق تنبّؤات تحقّق ذاتها بذاتها، مفادُها فوزه المقطوع به في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، وأنّ أي نتيجة مغايرة سوف تُقابَل بعنف لا يُحَدّ ولا يمد؛ ما يعني أنّ المسرح الأميركي بات مهيَّأ للفوضى، لا سيّما في ظلّ تناحُر حزبي ممزوج بعنصرِيّات وعرقيات لطالما تطلّعت إلى شهوة الانتقام من الآخر، وساعتها سيكون التساؤل: هل يتمّ استدعاء الحرس الوطني، أم سيعمد بايدن إلى نشر وحدات فيدرالِيّة كما فعل أندرو جاكسون خلال أزمة الأبطال عام 1832 التي كانت مقدّمة للحرب الأهليّة؟
الولايات غير المتّحدة الأميركية سيناريو مخيف لبقِيّة العالم وليس للأميركيين فقط، غير أنه سيناريو محتمَل في كلّ الأحوال. فانظر ماذا ترى؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من شليزنجر إلى كاغان زمن تفكيك أميركا من شليزنجر إلى كاغان زمن تفكيك أميركا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon