توقيت القاهرة المحلي 10:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القارة الأفريقية و«القابلية للانقلابات»

  مصر اليوم -

القارة الأفريقية و«القابلية للانقلابات»

بقلم:إميل أمين

هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية؛ أن تشهد بقاع عدة في القارة الأفريقية، بدءاً من منطقة الساحل والصحراء، وصولاً إلى دول الغرب منها، تغيرات سياسية عنيفة، تجلَّت في صورة انقلابات عسكرية، بدءاً من مالي عام 2021، وصولاً إلى النيجر ثم الغابون، في الأيام والأسابيع القليلة المنصرمة؟

المؤكد أن هناك تفسيرات عدة لما يحدث في تلك الدول التي تعيش حالة ما بعد الكولونيالية الغربية، والأوروبية - الفرنسية منها بنوع خاص، تدفعنا لفهم أبعاد المشهد، حيث فشلت تلك الأنظمة في بلوغ قدر من الوعي السياسي والوطني يدعم ويزخم عملية بناء الدولة العصرية بثوبها الحداثي.

والثابت أن الأخطاء المتراكمة قادت، من دون أدنى شك، إلى مرحلة الفورات الانقلابية، لا سيما في ظل حالة الانسداد السياسي التاريخي الداخلي، وعدم القدرة على بلورة نظم ديمقراطية وطنية، ما دفع عدداً من الشعوب الأفريقية في طريق إزاحة أنظمة وُصمت بالفساد، وفتحت الأبواب أمام الأجنبي للاستفادة من خيرات البلاد وتسخير العباد، وعلى المشكّك بذلك أن يراجع خطاب رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، وهي تكيل الاتهامات للرئيس الفرنسي، شارحة باستفاضة كيف أن فرنسا هي أحد أهم أسباب الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا، وذلك من خلال سرقة ثروات الأفارقة الطبيعية، واستغلال شعوبهم.

هل هي إذن لحظة وعي مفصلية في تاريخ شعوب القارة الأفريقية؟

يمكن أن يكون الأمر كذلك، قولاً وفعلاً، لا سيما أن النظرة الفوقية الإمبريالية الأوروبية، التي تمثلت في قول منسق سياسات الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عن أن «أوروبا الحديقة الغنّاء، والأحراش خارجها»، لا تزال قائمة في نفوس كثير من القيادات الأوروبية.

جزء أصيل من انقلابات القارة الأفريقية منبعها نظرة الاستعلاء الفرنسية لمواطني الدول الأفريقية التي رحل عنها الفرنسيون كاحتلال عسكري، لكنهم ما انفكوا يمارسون الهيمنة الاقتصادية من جهة، والنظر لأصحاب الأرض الأصيلين والأصليين، نظرة متدنية وبفوقية.

تبدو مشاعر الأفارقة الساعية للخلاص من الإرث الفرنكوفوني حقيقية، لا سيما في ظل مشاهد تقطع بأن الحكومة الفرنسية، بأذرعها العسكرية والاقتصادية، ونفوذها الأوروبي، وحضورها الأممي، تقف إلى جانب الأنظمة الأفريقية غير الديمقراطية، التي سعت طويلاً في إطار تزوير إرادة الشعوب السمراء في الانتخابات الرئاسية، وربما كانت انتخابات الغابون تحديداً المثال الصارخ في هذا الإطار، وهو ما أقرَّت به بروكسل بعد نحو يوم واحد مما حدث في الغابون.

يعتبر بعض المراقبين أن أفريقيا تكاد تكون في مواجهة استحقاقات الجولة الثانية من جولات التحرر الوطني، حيث لا تزال الإرادة مكبلة، ولهذا قد تبدو «انقلابات شعبوية»، أو عسكرية تدعمها الشعوب المقهورة، والدليل خروج الآلاف في النيجر دعماً للمجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، معبرين عن استيائهم من الحكومة هناك رغم أنها مُنتخَبة ديمقراطياً... هل هناك تضاد في المشهد؟

قطعاً لا، ولو وصل بعض هؤلاء الحكام عبر الصناديق الانتخابية، إلا أن ولاءاتهم ظلَّت لحكومات أجنبية، ناهيك من أنهم لم يقوموا بعمل جاد لتحسين أحوال مواطنيهم.

يدفع تحليل المشهد الأفريقي عند البعض في طريق العودة لحديث المؤامرة، باعتبار أن الأمر برمّته لا يتجاوز حبكة درامية استخبارية خارجية، هدفها الرئيسي جعل القارة الأفريقية ساحة حرب بالوكالة، وميدان ضرب نار للأقطاب الدولية القائمة والقادمة.

شيء ما من هذا الحديث حكماً له نصيب من الصحة، وذلك أن التاريخ إن لم يكن مؤامرة برمته، فإن المؤامرة حاضرة في أضابيره، عبر تسميات أكثر لطفاً أو قبولاً، من نوعية القول باستراتيجيات الأمن القومي.

الذين قُدّر لهم مطالعة استراتيجية الأمن القومي الأميركي الأخيرة، وهي أول استراتيجية في عهد الرئيس بايدن، وقد صدرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يجزمون بأن ما يحدث في القارة السمراء يكاد يكون نوعاً من أنواع تلاعب الأيدي الخفية بمصائر وأقدار الشعوب الأفريقية.

يخطر لنا هنا التساؤل وعن غير حسن نية: لماذا هذا الانفلاش الانقلابي في هذه الأوقات تحديداً؟ وهل للأمر علاقة ما بالحرب الروسية - الأوكرانية من جهة، أو بالمشاريع الأممية التاريخية الصينية من نوعية «طريق الحرير»، أو ربما تكون هناك رؤية ما للعم سام يرث من خلالها النفوذ الأوروبي، ويحتل مربعات القوة القديمة للقارة التي غربت عنها الشمس؟

يمكن أن يكون كل ما تقدم صحيحاً، بدرجة أو بأخرى، إذ لا مجال للطهرانيات في عالم السياسة والمؤامرات.

حين عقدت القمة الروسية - الأفريقية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، في مدينة سان بطرسبورغ الروسية التاريخية الشهيرة، صدرت غالبية (إن لم يكن كل) الصحف الأوروبية بعامة، والفرنسية بخاصة، تحمل عناوين تستخدم لغة مؤامراتية استخبارية، من نوعية «الرهانات الروسية الخفية» و«الغزل على الأوتار الإنسانية»، عطفاً على «استغلال الحاجات الإنسانية»، والأخيرة إشارة لا تخطئها العين لأزمة الحبوب الروسية - الأوكرانية وعلاقتها بقارة عرف الجوع طريقه إليها، وضربت المجاعة بطون الملايين من أبنائها.

ما فعله الروس مع أفريقيا لا يمكن تفسيره إلا من خلال مفهوم الصراع الجيوسياسي الواسع، وربما من باب تأديب أوروبا، ورأس حربتها فرنسا بنوع خاص، جراء مواقفها من موسكو ومشاركتها في فرض عقوبات اقتصادية عليها.

نجحت روسيا جهراً وسراً في التلاعب بموازين العديد من الدول الأفريقية، لا شك في ذلك، عبر أكثر من موطئ قدم، عن طريق صادرات السلاح تارة، ومن خلال أنشطة جماعة «فاغنر» تارة ثانية.

أما الصين، الغريم الرئيسي للولايات المتحدة، فلم يعد سراً أنها تواجه واشنطن وبروكسل عبر نظرية «توازن الردع النقدي»، لا عن طريق الميكانيزمات العسكرية التقليدية.

ما يجري في أفريقيا مسرحية جديدة ضمن «موسم جيوبولتيكي عالمي جديد»، وربما سعياً في طريق عالم مغاير.

دول أفريقيا حاضرة ولديها «قابلية للانقلابات»، من جراء المظلوميات التاريخية الغربية التي تعرضت لها في القرن الماضي...

الخلاصة... لا يمكن للمرء أن يحتل وينجو ببراءة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القارة الأفريقية و«القابلية للانقلابات» القارة الأفريقية و«القابلية للانقلابات»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon