توقيت القاهرة المحلي 22:47:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«غلاسكو»... آيديولوجيا إيكولوجية شمولية

  مصر اليوم -

«غلاسكو» آيديولوجيا إيكولوجية شمولية

بقلم : إميل أمين

في مؤلفه الشهير «غداً من سيحكم العالم؟»، يتساءل الأكاديمي والمفكر الفرنسي الشهير جاك آتالي، عما سيؤول إليه حال العالم بعد حالة البلبلة والفوضى التي تسبق الانهيار العالمي، وهل ستظهر حكومة عالمية كونية تسوس شؤون البشر؟
آتالي يتوقع أننا سنشهد عودة الأمم والديكتاتوريات المنغلقة على أقاليمها؛ بادعاء حماية ثقافتها أو الطموح لحكم العالم، ومع هذا النوع من الطموح تظهر نوعيتان من الآيديولوجيات ذات احتمالية شمولية؛ آيديولوجيا البيئة، وآيديولوجيا التدين.
هل كان مؤتمر «غلاسكو»، أو «كوب 26» مقدمة لآيديولوجيا إيكولوجية شمولية من الدول الصناعية الكبرى، وأداة للسيطرة على مقدرات العالم النامي بنوع خاص؟
الحقيقة أن مسوّدة البيان الختامي التي طالعناها، والتي - غالب الظن - لن تتغير صورتها النهائية بشكل كبير، تفتح الباب للأسئلة بأكثر مما تروي الغليل بالإجابات، بل أكثر من ذلك، تجعل اليقين بالماورائيات أخطر بكثير من حديث الموجودات والمناقشات.
يكفي المرء أن يطالع ما ورد بشأن اتفاق بين الصين والولايات المتحدة لتعزيز التعاون المناخي، ذلك أن الصيغة تبدو كارثية، وتدعو للشك في أن قصة المؤتمر برمتها ليست إلا مدخلاً لتقسيم النفوذ العالمي بينهما من منطلق آيديولوجي شمولي.
فات الذين سطروا البيان أن الصين، وفي الأيام الأولى من أعمال قمة «غلاسكو»، زادت، وبشكل علني ورسمي، استخدامها من الكربون بنسبة تصل إلى 25 في المائة من معدل العام الماضي، ما يعني أن أحاديث مواجهة ومجابهة الاحتباس الحراري ليست سوى حرث في الماء، لا سيما أن لوبي الفحم الكربوني العامل في الولايات المتحدة لا يألو جهداً في السير عكس التيار، مستخدماً أدواته التقليدية في التحكُّم في أصوات أعضاء الكونغرس من شيوخ ونواب، عبر منح أو منع التبرعات السخية، التي من دونها لا طريق إلى إعادة تمويل حملاتهم وانتخابهم.
خلل ما بدا واضحاً في ثنايا «غلاسكو»، حيث رصد المرء أن علماء المناخ جاءوا في الصف الثاني ضمن وفود بلادهم، فيما السياسيون والمصرفيون تقدموا الصفوف، الأمر الذي جعل الأصوات المشككة تتعالى متسائلة عما إذا كان القصد هو استنقاذ الكرة الأرضية من الاحتباس الحراري، أم بالفعل محاولة رسم خريطة اقتصادية لعالم ما بعد «بريتون وودز»، بآلياته التي تقادمت، وفي مقدمها «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي».
المتابعة المعمقة لحوارات «غلاسكو» تجعل المرء يعيد قراءة مشهد الاحتباس الحراري، وهل الإنسانية بالمطلق السبب وراءه، أم أن الجيوفيزيائي الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش (1879 - 1958) كان على حق، حين أشار قبل سبعة عقود تقريباً إلى أن ارتفاع حرارة الأرض سببه تغير مدار الأرض، وانحراف ميلها، وتقدم الاعتدالين، وبقية التفسيرات الفيزيائية الخاصة بجيولوجيا الهندسة الشمسية.
بدا للمرء وكأن الهدف الرئيسي من القمة قطع الطريق على الطاقة الأحفورية، رغم أن جميع البيانات وخاصة بيانات «أوبك» تؤكد استمرار الطلب وتزايده حتى 2040، ومن غير أن تقدم جميع أحاديث الطاقة الأخرى بديلاً مقبولاً أو معقولاً، الأمر الذي يطرح قضية التلاعب بأسواق الطاقة على الصعيد العالمي، ومن يريد لسوقها القديمة التراجع إلى حد الاختباء ثم الاختفاء، ومن ثم ظهور بدائل كثر الحديث عنها، وفشلت في مواجهة تبعات جائحة «كوفيد - 19»، الأمر الذي تسبب في موجة تضخم وارتفاع أسعار قائمة ومقبلة.
استهداف الطاقة في صورتها الحالية أمر غير مبرر عقلاً أو عدلاً، وهو أمر تصدت له دول عدة، في قمتها ألمانيا، تلك التي رفضت بيان إنهاء بيع السيارات العاملة بالمحروقات، الذي أعلنت عنه بعض من الدول وشركات كبرى لتصنيع السيارات، وعدد واضح من المستثمرين، الذين يعتزمون تحديد موعد لإنهاء بيع السيارات التي تدار بالبنزين والديزل، وتصنيع مركبات خالية من الانبعاثات عام 2040.
الموقف الألماني المتقدم يقطع بأن هناك خللاً ما في توجهات الكبار الذين يسعون علناً لتبريد الكوكب، ومن غير أدنى توازن بين متطلبات التنمية المستدامة لكثير من الأمم والشعوب حول قارات الأرض الست.
أحسن كثيراً جداً وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، حين أشار في كلمته التي ألقاها خلال فعاليات المؤتمر، إلى أن الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ يجب ألا تقوض أمن الطاقة العالمي، أو تتجنب أي مصدر معين للطاقة، وأنه من الحتمي أن نقر بتنوع الحلول المناخية وأهمية خفض الانبعاثات، حسب المنصوص عليه في «اتفاق باريس»، من دون أي انحياز، مع أو ضد أي مصدر للطاقة.
ولعل غياب الرئيسين الروسي والصيني عن فعاليات «غلاسكو»، يلفت الانتباه إلى رفض مبطن للتوجهات الغربية المغالى فيها تجاه مسارات ومساقات الطاقة العالمية، لا سيما أن الذين يرفعون اللافتات الفاقعة، ويصيحون بأصوات زاعقة، ويذرفون العبرات الثخينة على الراحل، كوكب الأرض، هم الذين، وعلى جانب آخر، يتسارعون في سباق أقل ما يوصف بالجنون تجاه الإحياء النووي، وتتفتق أذهانهم عن عالم الصواريخ المجنحة، والغواصات الكهرومغناطيسية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى يتلاعبون بمقدّرات الصناديق السيادية للنفط، التي تتجاوز بضعة تريليونات من الدولارات، ودفعها في دروب صناعات طاقوية أخرى، إن جاز التعبير.
الازدواجية الأخلاقية المعتادة من الدوائر الغربية تابعها العالم النامي، من خلال الإشارة في البيان الختامي إلى الحاجة لتخصيص 100 مليار دولار سنوياً للمعذبين في الأرض، وهو التعهُّد عينه الذي صدر منذ عشر سنوات ولم يبارح موضع وموقع الكلام، فيما مسودة «غلاسكو» لم تحتوِ على أي تفاصيل، وغالب الأمر لن تحتوي.
الخلاصة... الكبار في «غلاسكو» ذهبوا لتأمين مصالحهم وتغيير شكل العالم والهيمنة عليه من خلال أدلجة إيكولوجية شمولية... مرحباً بكم في عالم توتاليتاري معاصر تحت غطاء التدهور المناخي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«غلاسكو» آيديولوجيا إيكولوجية شمولية «غلاسكو» آيديولوجيا إيكولوجية شمولية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 02:55 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
  مصر اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 07:55 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل
  مصر اليوم - نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل

GMT 17:31 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير من مخاطر استخدام ChatGPT-4o في عمليات الاحتيال المالي
  مصر اليوم - تحذير من مخاطر استخدام ChatGPT-4o في عمليات الاحتيال المالي

GMT 21:27 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

محمد صلاح خارج سباق المنافسة على جائزة أفضل لاعب أفريقي

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 06:22 2024 الجمعة ,09 آب / أغسطس

عمرو أديب يحذر من فيلم سبايدر مان الجديد

GMT 11:18 2019 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

اهمية تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر

GMT 22:37 2019 الإثنين ,18 آذار/ مارس

" ابو العروسة " والعودة للزمن الجميل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon