توقيت القاهرة المحلي 10:00:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بوشكين.. صديق العرب والمسلمين

  مصر اليوم -

بوشكين صديق العرب والمسلمين

بقلم - إميل أمين

بعد مرور نحو عام تقريبا على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ذكرى وفاة شاعر روسيا الكبير ألكسندر بوشكين، يبدو أن هناك من يحاول إخراج الرجل من الجغرافيا، ومحو اسمه من التاريخ.

وسط ضجيج المعارك العسكرية، يقود الأوكراني ذو النزعة اليمينية، "فاديم بوزديناكوف"، حملة لإزالة ما يرى أنه آثار أو معالم ثقافية، تعود إلى روسيا القيصرية، أو الاتحاد السوفيتي، سواء كانت عناصر زخرفية، أو تماثيل في الميادين.

والمعروف أنه خلال الأشهر الماضية، أزالت السلطات الأوكرانية النُصب التذكارية لكتاب روس كبار، مثل ماكسيم غوركي، وميخائيل بولغاكوف، وعلماء مثل ميخائيل لومونوسوف.

منطلق دعوة إزالة تماثيل بوشكين، من كافة ميادين أوكرانيا، لا يخلو من طابع الانتقام والثار السياسي، لا سيما في ظل حالة الحرب القائمة، وتعكس رفض الأوكرانيين، اعتبار الروس، أنهم شعب واحد، له نفس التاريخ ونفس الأبطال، كما يصرح دوما الرئيس بوتين.

هل بوشكين رمز إمبراطوري روسي، أم أنه شمس الشعر في تلك البلاد القارسة برودتها، والذي أضاء بأشعته لا على الروس فحسب، وإنما على عموم العالم ولا يزال؟

المعروف أنه ومنذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهناك سعي لتشكيل وعي خاص عن تاريخ أوكرانيا لدى فئات الشعب، وإعادة بناء رؤيتها لماضيها وثقافتها.

يعتقد الكثيرون أن الأدب والأدباء، الشعر والشعراء، هم سفراء للإنسانية، وبهذا فإنهم يسمون فوق أي محاصصات عرقية، فالشاعر والأديب، قيمة تتجاوز الحدود والجغرافيا، وهذا ما يميز بوشكين بنوع خاص، ويجعله خارج نطاق المعارك ذات الحس القومي.

في شهر فبراير شباط من كل عام يحتفل الروس، بذكرى رحيل بوشكين، المولود في السادس من يونيو من عام 1799.

نشأ بوشكين، والذي سيعرف لاحقا بلقب" شمس الشعر الروسي"، وصاحب "بداية البدايات"، في أسرة من النبلاء، كانت تعيش حياة الترف، والده شاعر بارز، ما ساهم في إنماء موهبته الشعرية.

أما والدته، فهي " تاديشد أوسيبافنا" التي تعود لجذور حبشية، حيث كانت حفيدة لـ"إبراهيم جانيبال" الضابط الإفريقي المقرب من القيصر بطرس الأول، وقد ورث بوشكين سمار البشرة، وبعض الملامح الإفريقية كالشفتين الغليظتين، والشعر الأجعد من والدته.

يعتبر الروس بوشكين من أهم شعرائهم وأعظمهم، لاسيما أنه أبدع في وصف حال الشعب الروسي المتشظي بين جماعتين حاكمتين في البلاد، القيصر من ناحية، والنبلاء من ناحية أخرى، وجاء هو ليعبر عن طبقات الشعب الرافضة للبرجوازية القيصرية، ومطالبا بحرية مواطنيه، ومعتبرا أن الشعب هو المرجع الأول والأخير للسلطة.

يعن لنا في العالم العربي أن نرسم علامة استفهام كبيرة عن صلة بوشكين بالعرب والمسلمين، لاسيما أن زمانه عرف باسم "العصر الذهبي للشعر الروسي"، وقد كان عصرا للتقارب بين الأدب الروسي من جهة، والآداب العربية والشرقية من جهة أخرى.

عام 1820، قام القيصر الروسي بطرس الأول، بنفي بوشكين إلى القوقاز جنوبا، بسبب غضبه من الأشعار التي ستدفع لاحقا الجماهير، وبعد خمسة أعوام تحديدا، للخروج على القيصر.

غير أن بوشكين، استطاع أن يجعل من "الليمون اللاذع"، "شرابا حلو المذاق".. كيف ذلك؟

الشاهد أن بوشكين وجد نفسه قريبا من مسلمي القوقاز، وانخرط في عالمهم الذي كان بعيدا عن روحانيته وآدابه، وعلومه وثقافته.

وباحتكاكه مع المسلمين هناك، صباح مساء، كل يوم، شاهد بوشكين المسلمين في صلواتهم، قيامهم وقعودهم، صومهم وإفطارهم، صلوات النهار والليل.

قرأ بوشكين القرآن باللغتين الروسية والفرنسية، وقد كتب وقتها رسالة لأخيه قال فيها: "إنني مشغول بكلمات القرآن".

ولكن بوشكين لم يكتف بالقراءة فقط، بل طلب أن يسمع ترتيل القرآن الكريم وباللغة العربية، إذ أسرته شاعريته العفوية وموسيقاه.

ترك المد الروحي للإسلام بصمة كبيرة في إنتاج بوشكين، لا سيما مجموعته الشعرية، "قبسات من القرآن"، هناك حيث القصائد التسع التي تؤكد شفافية روحه، وتماسه مع الفيوض الروحية عند الآخرين، من غير تفرقة أو محاصصة مذهبية.

ومن الشق الروحي للإسلام، انتقل بوشكين إلى الأدب العربي، وقد وجد في شباكه لؤلوة "ألف ليلة وليلة"، تلك التي فتحت عقله ومشاهداته على عالم آخر ومنطقة جغرافية دافئة بعيدة عن ثلوج روسيا، وقد كانت ترجمات هذه القطعة الأدبية الفريدة قد وصلت روسيا، من خلال الترجمات التي ظهرت في نهاية القرن الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر.

في قصيدته، "المحاكاة الثانية"، يستلهم بوشكين روح، "سورة الأحزاب"، من القرآن الكريم، والتي تتمحور حول "العفة والحشمة والخطيئة"، متخذا من هذه الآيات مثالا يقتدى به، فيتناول شؤون الحفاظ على القلب، ونقاوة العين.

يذكر الناقد السوفيتي براجينسكي، في كتابه "ملاحظات في التركيبة الشرقية في الشعر الغنائي عند بوشكين"، أن القرآن أصبح مصدر شاعرنا الروسي، لا سيما حين تعوزه التعبيرات عن الأفكار البطولية والشجاعة الصلبة والنضال المنكر للذات.

كان تأثير بوشكين واضحا في حركة الديسمبريين، حين قام ضباط من الجيش الروسي في 14 ديسمبر 1825 ، على رأس نحو 3000 جندي في حركة احتجاج ضط تولي القيصر نيقولا الأول العرش، بعد تنحي أخيه الأكبر قسطنطين.

منذ بدايات عام 2022، أزال الأوكرانيون، نحو 28 نصبا تذكاريا لبوشكين، والبقية تأتي.

ويبقى التساؤل قبل الانصراف: "هل يمكن للأدب والشعر الخالدين، وللرموز الأدبية والشعرية التي لا تمحى من العقول والصدور، أن يقعا فريسة للخصومات السياسية المتغيرة بطبيعتها؟

قد لا يهمنا كثيرا ما الذي يفكر فيه الأوكرانيون تجاه بوشكين، لكن ما يتوجب علينا في العالم العربي، وبخاصة الجماعة الثقافية والإعلإمية فعله، هو إلقاء المزيد من الضوء على تراث هذا الشاعر العظيم، عساه يبدد العديد من غيوم الأحادية والقومية التي صبغت حاضرات أيامنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوشكين صديق العرب والمسلمين بوشكين صديق العرب والمسلمين



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon