توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أعاصير فلوريدا وتقرير البنتاغون المناخي

  مصر اليوم -

أعاصير فلوريدا وتقرير البنتاغون المناخي

بقلم:إميل أمين

خلال أسبوعين تعرّضتْ ولاية فلوريدا الأميركيّة الساحليّة الشهيرة إلى إعصارين كبيرين مدمّرين، ولولا لطف القدير وتحوُّل إعصار ميلتون الأخير إلى الدرجة الأولى، بعد أن كان متوقَّعًا له أن يضرب بقوْة إعصار من الدرجة الخامسة، لربما ما باتت هناك بقايا لولاية أميركيّة بأكملها.

وقت كتابة هذه السطور، كان الإعصار لا يزال يضرب بقوّة والخسائر في البشر والممتلكات غير واضحة، لكن حكمًا ستكون النتيجة كارثيّةً.

ولعلّ علامة الاستفهام الأولى التي تَرِد على أذهان الأميركيّين أوّل الأمر وبقيّة العالم تاليًا: "ترى هل من علاقة بين ارتفاع معدّلات هذه الأعاصير وأحوال التطوّرات المناخيّة التي تلك بالكرة الأرضية في العقود الأخيرة؟
ربّما يقودنا السؤال المتقدّم إلى تصريحات حاسمة وحازمة للأمين العامّ للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، الرجل الذي من جرّاء صراحته وصدقه، بات غير محبوب ولا مقبول في واشنطن، عاصمة القرار العالميّ من غير تزيّد.
منذ فترة وغوتيريش يرتفع صوته منذرًا ومحذّرًا من أن الكوكب الأزرق قد انتقل من مرحلة الاحتباس الحراريّ إلى درجة الغليان، وأنّ الآمال في التوصّل إلى آليّة حقيقيّة لتقليل درجة حرارة الأرض بمقدار درجة ونصف، تتبخّر من جرّاء حالة التغاضي الخطيرة من كبريات الدول التي تتسبّب في ارتفاع معدّلات الغازات الدفيئة.

لقد بات من المقطوع به أنّ كافّة المؤتمرات الدوليّة الخاصّة بمكافحة التغيّر المناخيّ، والمقرّرات التي يخرج بها المجتعمون، تذهب سُدًى، من جرّاء براغماتيّة قصيرة النظر، لا تأخذ بعين الاعتبار المَهالك القادمة دون أدنى شكّ.
في مقدِّم الدول التي تضرب بتلك المقرَّرات عرض الحائط، الولايات المتّحدة الأميركيّة، والتي انسحبت لعدّة سنوات من اتفاقيّة كيوتو للمناخ، وبجانبها الصين التي رفعتْ درجة استخدامها للفحم بنسبة 35% خلال انعقاد مؤتمر جلاسكو للمناخ عام 2021.

يبدو الصراع على تسنُّم القطبيّة العالمية، يمرّ من خلال مفاهيم اقتصاديّة مجرّدة، من نوعيّة الناتج القوميّ الأعلى، ورؤى رأسماليّة قاصرة، لا تعرف لا دروبًا سوى مراكمة الأرباح، أمّا ما تجري به مقادير الطبيعة فلم يعُدْ أمرًا له أهمّيّة في الحال أو الاستقبال.

استشعرتْ الخليقةُ خلال الصيف الماضي درجات حرارة غير طبيعية، وهناك من يتحدّث عن كونها الأعلى في منذ بدايات القرن العشرين، وهناك مراصد مناخيّة تقطع بأنّ الشتاء القادم سيكون بدوره أشدَّ قسوةً على البشريّة من مئات السنين، ما يعني أنّ الأنظمة الإيكولوجيّة للأرض باتتْ تئنُّ وتتألّم، وربّما لم يِعُدْ أمامها سوى الثورة على الخليقة برُمَّتِها.

مع ارتفاع درجات الحرارة كان من الطبيعيّ أن تشهد الأقطاب الجليديّة لا سيّما الشمالي حالةً من ذوبان مساحات واسعة منه، ولم تتمكّنْ تلك الأقطاب في الشتاء الماضي من تعويض ما فقدتْه قبل ذلك بعدّة أعوام.
ولعلّه من نافلة القول إنّ ذوبان الثلوج يعني بداية ارتفاع مستويات سطح البحر، ما يجعل المحيطات تمتصّ مزيدًا من الحرارة، ومن ثمّ ترتفع درجات حرارتها، الأمر الذي يرفع من معدّلات الأعاصير الكبيرة التي تحدث بمعدّل "مرّة في القرن" لتصبح مرّةً كلَّ 10 سنوات.

كيف نفسّر إذن حدوث إعصارين قاتلين في أسبوعين في ولاية فلوريدا؟
السؤال لا يزال علماء المحيطات والمناخ يبحثون عن جواب له، وربّما هم في هذه الآونة مهمومون ومحمومون بتَبِعات زحف البحر والمحيطات على المدن الساحليّة، حيث ترتفع خطورة ضرب تلك السواحل بأعاصير كارثيّة بمعدّلات كبيرة، والأمر لم يَعُدْ قاصرًا على الساحل الشرقيّ للبلاد حيث المحيط الأطلسيّ، بل يمتدّ كذلك إلى أقصى الغرب الأميركيّ، حيث ولاية كاليفورنيا، والتي تبدو قاب قوسين أو أدنى من أعاصير مصحوبة بزلزال تاريخيّ مدمِّر، وقد بدأتْ علائمُه تتَّضح ومن أسفٍ شديد، من خلال تشقّقات واضحة وكبيرة في أراضٍ واسعة في مختلف مقاطعات ومدن الولاية.

هل آفة الولايات المتّحدة خاصّة، وبقية العالم من ورائها، هي النسيان؟
المثير والخطير أنّ هناك تقارير مثيرة وخطيرة في الداخل الأميركيّ، تنذر وتحذّر من أكلاف التغيرات المناخيّة، وكيف يمكنها أن تضحي مَهْلَكة للنوع البشريّ بشكل عامّ، بغير تمييز، ومن دون محاصصة طبقيّة، بين عالم متقدّم أوّل، وعالم نامٍ ثالث، وما بينهما.

في أواخر العام 2009، افتتحت وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة مركزًا جديدًا مخصَّصًا لتقييم التهديدات المناخيّة بعد أن أدرك القائمون على الوكالة مآلات ما سيحدث في الداخل عبر تقرير مهمّ للغاية وصل إلى أيديهم من وحدة أبحاث علميّة سرّيّة خاضعة للبنتاغون، وغالبًا هي وكالة "داربا"، الخاصّة بالبحوث العلميّة والتطوير العسكريّ، وهي من أكثر الوكالات الأميركيّة سرّيّة، ويقال إنّها الموقع والموضع لتنسيق الجهود حول الفضاء والكواكب، والتواصل مع الكائنات الخارجيّة، وهي قصّةٌ تستحقّ أن تُحكى بشكل منفصل.

تقرير البنتاغون المشار إليه يحمل عنوان "سيناريو تبدّل مناخيّ مفاجئ ومعانيه الضمنيّة بالنسبة للأمن القوميّ الأميركيّ".

التقرير الخطير والذي لم يصلْنا منه سوى القليل جدًّا، فيما الكثير غاطس في قاع المحيط مثل جبل الثلج، لا يرتكز على توقّعات صادرة عن دراسات مناخيّة، بل على حدث معروف وقع في مرحلة ما قبل التاريخ، حيث شهدتْ الأرض حالةً مثيرة ما بين مناطق أصابتها الثلوج، وأخرى ارتفعت درجة حرارتها بشكلٍ مخيف.

لم يكن هذا الحدث فريدًا من نوعه، بل كان الحدث الأخير والأصغر حجمًا بين التبدّلات المناخيّة القويّة والعديدة التي تمّ اكتشافها من خلال لُبّ الجليد في منطقة جرينلاند.

تقرير البنتاغون يشير – وإن لم يكشف بتفصيلات – إلى سيناريوهات مناخيّة محتمَلة في حاضرات أيّامنا، من جرّاء الأزمات الإيكولوجيّة المتلاحقة.

يصف التقرير حروبًا ومجاعات وأمراضًا وتدفقًا للاجئين وانهيارًا سكانيًّا بشريًّا وحربًا أهليّة في الصين، وكذا يتكلم بوضوح عن تحصينات دفاعيّة في الولايات المتّحدة وأستراليا.

ولعلّهُ من الأكثر إثارةً أن تقرير البنتاغون هذا لم يُشِر بوضوحٍ كافٍ إلى تطوّرات أوضاع المحيطات وتأثير ذلك على جغرافية الولايات الأميركية الساحليّة بنوع خاصٍّ، عطفًا على ولايات الوسط التي سيضربها الجفاف حكمًا، ما يعني أن تسارُع السوء يجري بسرعات غير مسبوقة.

وبالإضافة إلى فداحة الخسائر التي سيتسبّب فيها المناخ العالمي للقارة الأميركية الشمالية، فإنّ الولايات المتحدة تحديدًا سوف تجد نفسها في عالم تبذل فيه أوروبا جهودًا مضنية في الداخل حيث ستندفع أعداد كبيرة من اللاجئين من الجنوب إلى شواطئها.

أمّا القارة الآسيويّة، فستشهد أزمة خطيرة تتعلّق بالغذاء والماء، وسوف تكون الفوضى والنزعات سمات حياتيّة دائمة يحتاج تقرير البنتاغون هذا إلى المزيد من الشرح وتناول جزئياته المختلفة المفزعة، وبالمؤكد أيضًا أن هناك تقارير أخرى مشابهة لم تصل إلى ساحة الإعلام.

هل تنبّه الأميركيّون بعد إعصارين قاتلين إلى المخاطر القاتلة للتغيرات المناخية في الداخل الأميركي بداية، ومن حول العالم تاليًا؟

غالب الظن أن هذا لم يحدث، إذ انصرف جلُّهم عن السعي وراء مقرّرات حقيقيّة لوقف التدهور المناخيّ، وعوضًا عن ذلك اتّخذوا من أعاصير فلوريدا منطلقًا للمزيد من المشاحنات حول التقصير الحكوميّ، وتضمين المشهد ضمن سياق الانتخابات الرئاسيّة المأزومة.

هل من شبه بين أميركا وأسرة البربون؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعاصير فلوريدا وتقرير البنتاغون المناخي أعاصير فلوريدا وتقرير البنتاغون المناخي



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon