هل هي عودة غير محمودة لانتشار الأسلحة النووية مرة أخرى فوق الكوكب الأزرق؟ يبدو أن ذلك كذلك، فبعد عقود من التوقف عن سباق التسلح النووي، ها هي حركة إنفلاشية تعود لتعم المسكونة من جديد، الأمر الذي أظهره التقرير الأخير لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام "سيبري"، والذي نُشر في الثالث عشر من يونيو حزيران الجاري.. ماذا عن التقرير وما دلالته في هذه الأوقات المأزومة على الصعيد العالمي؟
باختصار غير مخل يشير تقرير سيبري إلى أن عدد الأسلحة النووية سيرتفع في العقد المقبل، بعد 35 سنة من التراجع، أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي.
يقول، مات كوردا، أحد المشاركين في إعداد التقرير، إنه قريبا سنصل إلى النقطة التي يمكن أن يبدأ فيها العد العالمي للأسلحة النووية بالارتفاع للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة".
هل معنى ذلك أنه يتوجب على العالم نسيان فكرة ودعوة، نزع السلاح النووي، على مستوى العالم؟
غالب الظن ذلك كذلك، بل أكثر من هذا، أن يتوقع الجميع سعيا متزايدا، بهدف دخول النادي النووي، وأن لا يصبح قاصرا على عدد محدود من الأعضاء، أي وكما أشرنا من قبل، سيضحى النووي متاحا لكل يد، كما يتحتم وجود الطعام لكل فم.
يتساءل المرء ما الذي جعل البشرية تنتكس مرة جديدة على هذا النحو، وتعود أدراجها ثانية، في طريق محفوف بالموت والشتاء النوويين؟
يمكن القطع بداية أن الفشل في التعايش السلمي، لا سيما بين الأقطاب الدولية الكبرى، يعد من الأسباب الرئيسة في هذا السياق، كما أن رؤية الولايات المتحدة الأميركية، والتي لا تستنكف تتصرف على أساس أنها سيدة قيصر، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، بل حاكمة العالم ومدبرته، قد دفعت الكثيرين في طريق السعي للحصول على المزيد من الحماية النووية.
في هذا السياق يمكن للمرء أن يتفهم الكثير من تصرفات القوى الكبرى لا سيما روسيا، تلك التي عادت إلى دائرة الضوء لجهة التسلح مرة جديدة، بعد عقدين تقريبا من الهدوء والاستكانة، لا سيما بعدما تكشف للروس نوايا الجانب الأميركي في شرق آسيا تحديدا.
هل يمكن أن يختلف المشهد النووي في حاضرات أيامنا، عما كان عليه الحال في زمن الحرب العالمية الثانية، حيث استخدم السلاح النووي للمرة الأولى في هيروشيما ونجازاكي؟
بالقطع ذلك كذلك، لا سيما في ظل التطور التكنولوجي الخاص بصناعة الصواريخ الفرط صوتية، وبعض منها قادر على حمل رؤوس نووية، ما يجعل الموت المجنح أسرع وصولا إلى بقية أرجاء العالم في أوقات قياسية، وإحداث أعمق قدر من الخسائر على وجه البسيطة، خسائر لم تعرفها الإنسانية منذ أزمنة سقوط المذنبات على الأرض وإحداثها تفجيرات مشابهة.
يمكن للمرء أن يتفهم تقرير سيبري في ضوء نشوء وارتقاء قوى عظمى أخرى حول البسيطة، في مقدمها الصين، والتي تحدث وزير دفاعها قبل بضعة أيام في مؤتمر "شانغاي لا"، في سنغافورة، مشير إلى أن بلاده سوف تسعى جاهدة لزيادة ترسانتها من الأسلحة النووية، وقد حاول تجميل تصريحاته بالقول إنها ستكون بمثابة صواريخ نووية دفاعية، وهو تعبير في حقيقة الأمر متحايل على الغرض الرئيس من حيازة أي سلاح نووي، فما هو دفاعي، يمكن أن يتحول إلى هجومي في لمحة عين، ومن غير إدخال أي تعديلات عليه.
فكرة النووي الصيني في واقع الأمر سابقة على تصريحات، وي فنغي، وزير الدفاع الصيني، ذلك أن الصين وكما وضحت ذلك منذ العام الماضي الأقمار الإصطناعية الأميركية، تستعد لبناء سور عظيم نووي تحت الأرض، وقد قال بعض الخبراء إن الصوامع تكاد تصل إلى نحو عشرة آلاف صومعة، أي أن الصين تخطط لأن تكون ترسانتها النووية، فائقة ومتجاوزة لما لدى الروس والأميركيين تقريبا.
هل كانت الحرب الروسية على أوكرانيا دافعا رئيسيا في طريق تطلع الدول لحيازة أسلحة نووية؟
غالب الأمر أن ذلك كذلك، لا سيما أن التجربة أثبتت أن الخطأ المؤكد الذي ارتكبه الأوكرانيون في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم، تمثل في التخلي عن الأسلحة النووية التي كانت متجاوز للثلاثة آلاف رأس نووي.
ولعل التساؤل المثير للجدل الذي طرح منذ 24 فبراير شباط المنصرم، أي موعد غزو روسيا لأوكرانيا: "هل كان للقيصر بوتين أن يقدم على ما قام به، لو كانت كييف تمتلك درعا نوويا كفيلا بردع القوة الروسية؟
ما جرى في أوكرانيا يتردد صداه في إيران، والتي أظهر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرا أنها تتلاعب بالعالم، الأمر الذي دفع رافائيل غروسي مدير عام الوكالة إلى التصريح بأن أحلام التوصل إلى اتفاق نووي جديد، تكاد تتبخر وتتلاشى.
الإيرانيون يتطلعون إلى جارهم القديم وعدوهم العتيد، صدام حسين ويتساءلون، هل تم غزو العراق لأنه امتلك سلاحا نوويا بالفعل، أم لأنه لم يكن لديه مثل هذا السلاح الفتاك؟
الجواب واضح، إنهم يفضلون أن يكونوا مرهوبين على أن يكونوا محبوبين، والعهدة على ميكافيلي في نصيحته للأمير الميدتشي لورينزو، في كتابه الذي يراه البعض عمودا رئيسا في بنيان البراغماتية السياسية الأممية.
على أن فكرة إيران نووية، حكما سوف تدفع الآخرين في المنطقة والإقليم إلى توجهات مماثلة، لا سيما أن الردع النووي، هو ما أنقذ العالم في زمن الحرب الباردة من المواجهة النووية.
عطفا على ذلك فإن قطاعات جغرافية كبرى حول العالم، بدورها لن توفر الدخول إلى النادي النووي، وأميركا اللاتينية تحديدا في مقدمة تلك القطاعات الجغرافية.
أما الطامة الكبرى، فموصولة باحتمالات حدوث عمليات اختراق سيبراني لأنظمة التحكم في الأسلحة النووية ومصفوفاتها حول العالم وساعتها تتحول الكرة الأرضية إلى لهيب مشتعل.
هل الأرض في حاجة لمزيد من الرؤوس النووية؟
ربما الحاجة إلى مزيد من أرغفة الخبز لدرء الجوع بصورة أنفع وأرفع.