توقيت القاهرة المحلي 10:28:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القرن الصيني أم زمن التحالفات المرنة؟

  مصر اليوم -

القرن الصيني أم زمن التحالفات المرنة

بقلم:إميل أمين

لم يعد للعالم من حديث خلال الأيام الماضية، إلا سيرة الاختراق الدبلوماسي الكبير، ذاك الذي جرت به المقادير بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر الوساطة الصينية، والتي لطالما كانت بعيدة عن لعب مثل هذا الدور.
يتساءل الكثير من المراقبين «أهو الزمن الصيني، قد حان زمانه، أم أنه أوان القطبية الدولية المتعددة الأطراف والأطياف، والتي بات عليها أن تقبل فكرة التحالفات المرنة، من أجل عالم أكثر أمناً وأماناً، ومن غير انعزالية أو إمبريالية؟».
الشاهد، أن الإنجاز الأخير والمرموق للدبلوماسية الصينية، بات يضعها في منافسة واقعية مع نظيرتها الأميركية، بل لا نغالي إن قلنا إنها باتت تسبقها بخطوات واسعة؛ إذ يتقدم الصينيون بخطى حثيثة؛ ما يرفعهم لمصاف الوسطاء الكبار.
منذ الإعلان عن الاتفاق الأخير، والأقلام الأميركية بنوع خاص، لم تتوقف عن محاولة التحليل والتوصل إلى خلاصات، ومن بين ما لفت الانتباه عبر صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية ذائعة الصيت، القول بأن الأمر، استعلان لمولد «القرن الصيني».
تبدو هنا عقدة القصة، كما يقول كتاب الدراما، فما يشغل واشنطن في حقيقة الحال ليس شكل العلاقة بين الرياض وطهران، ولا مسارتها ومساقاتها، بل كل ما يهمها هو القطبية الدولية الصينية الجديدة، التي استطاعت النجاح فيما أخفقت هي فيه، وهو أمر يهدد فكرة «الاستثنائية الأميركية»، في جانبها الخاص بالقدرة على الوساطة بين الأمم، سيما أن الصين سوف تظهر في أعين العالم صانعة سلام، بينما تتكرس لدى الملايين حول العالم، رؤية عن أميركا البراغماتية بصورة غير مستنيرة، الساعية للدفاع عن موقعها وموضعها كقوة منفردة بمقدرات العالم، حتى ولو كلف الأمر إشعال حروب وتأجيج صراعات، خدمة لمصالحها.
يعنّ لنا أن نتساءل عن تداعيات الوساطة الصينية، وهل هو بالفعل زمن القرن الصيني؟
لا يمكن الجواب بعيداً عن قياس ردات الفعل الأميركية، سيما أن البيت الأبيض كان حذراً إلى حد القلق من التعليق، وكأنهم كانوا يتجنبون الخوض في فرضية تآكل النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط والخليج العربي.
الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي رده على صحافي أميركي سأله عن رأيه في الإعلان السعودي - الإيراني الأخير، أجاب بالقول «كلما كانت العلاقة بين إسرائيل وجيرانها العرب جيدة، كان هذا أفضل للجميع».
الجواب يدفعنا في طريق استنتاجات واسعة تبدأ من عند القدرات الذهنية للرئيس، مروراً بما يُعرف بحالة الإنكار عند الإصابة بمرض عضال، وصولاً إلى الرضا النفسي المبطن لما حدث، والسعي للتجاهل حتى وإن كان منافياً أو مجافياً للواقع.
غير أن البعض الآخر في الداخل الأميركي، أدرك على الفور أن العالم تغير وسيتغير، بعد هذا الاختراق الدبلوماسي الصيني الناجح، فعلى سبيل المثال، تحدث السفير الأميركي السابق لدى مصر وإسرائيل، دانيال كيرتز بالقول «إن الديناميكيات المتغيرة التي يمثلها الاتفاق الذي توسطت فيه الصين، لا تزال تشكل تحدياً لإدارة بايدن التي تفضل التركيز في مكان آخر».
يتساءل المراقبون، ومنهم في الداخل الأميركي «لماذا أخفقنا؟».
ببساطة شديدة؛ لأن واشنطن باتت مهمومة، بل محمومة بالصراع الروسي - الأوكراني، ومصممة على هزيمة سيد الكرملين بأي ثمن؛ الأمر الذي ولّد حلفاً روسياً – صينياً، يتنامى ويشتد عوده؛ ما شغلها عن بقية الملفات الملتهبة عالمياً.
ومن ناحية أخرى، فإن خذلان الحلفاء الموثوقين، وتفضيل اللغة الخشبية، عوضاً عن القوة الناعمة، والتنكر لأصدقاء أثبتوا عبر عقود طوال صدقيتهم وإخلاصهم، جعل أكثر مناطق النفوذ الأميركي، مربعات خالية، وإذا كانت قوانين الطبيعة تمقت الفراغ، فإن جيوسياسيات القرن الحادي والعشرين، بدورها تسعى عن عالم الشراكات لا عالم الفوقيات والإملاءات.
هل يقوّض الاتفاق السعودي - الإيراني نفوذ واشنطن في المنطقة؟
يضحى من المغالاة القول بذلك؛ إذ ستظل للولايات المتحدة الأميركية أدوارها المهمة، وما من عاقل ينفي هذه الفرضية أو يتجاهلها.
غير أنه ومن دون أدنى شك، سوف تجد واشنطن نفسها أمام فاعلين آخرين، يمكنهم القيام بدور بنّاء عبر دبلوماسية أكثر فاعلية، لا تورط نفسها في المنافسات، ولا تشغل ذاتها بالتصارع والتنازع، دبلوماسية لا تنحاز انحيازاً أعمى لطرف بعينه، ولا تغزل على المتناقضات لمكايدة ثالث.
أثبتت الصين، وعلى حد تعبير الباحث الأميركي الجنسية الإيراني الأصل تريتا بارسي، أنها جهة فاعلة قادرة على حل النزاعات، وليس فقط الترويج للصفقات، عسكرية كانت أو تجارية.
تبدو بكين اليوم لاعباً عالمياً، على غرار ما كانته في حقب زمنية سابقة من تاريخ العالم؛ ما يطرح علامة استفهام «هل صعود الصين يستدعي عزل بكين أم كبح التعاون معها؟».
هكذا تساءل المستشار الألماني، أولاف شولتز مؤخراً عبر مجلة «الفورين آفيرز» الأميركية.
بالقراءة المحققة والمدققة لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي الحديثة والأولى في زمن الرئيس بايدن، نرى توصية تقرّ بأن «هناك حاجة إلى التعامل مع البلدان التي لا تتبنى المؤسسات الديمقراطية، لكنها رغم ذلك تعتمد على نظام دولي قائم على القواعد وتدعمه».
هذا الحديث من غير جهد في التفكيك، يقصد به الصين وروسيا بنوع خاص، وبالإقرار بأن ما قامت به الصين مؤخراً أمر يعزز من استقرار احترام قواعد القانون الدولي، وترجيح الوساطات السلمية، على المواجهات العسكرية، يخلص المرء إلى القول إن الصين أضحت عاملاً معززاً لفكرة عالم متعدد الأقطاب، وأنه على واشنطن البحث في آليات الحوار والتعاون، حتى وإن تطلب الأمر مغادرتها لمنطقة «الراحة الديمقراطية»، التي ألفتها، والتعاطي مع بقية العالم، كما هو، لا كما تريده واشنطن.
هل سيكون للأميركيين دالة على الحكمة في المدى المنظور، وبعد الاتفاق السعودي - الإيراني الأخير؟
الجواب يتطلب مزيداً من الوقت لمتابعة ردات الفعل الأميركية، لكن الرسالة التي وصلت ولا شك لسيد البيت الأبيض، تحمل تأكيداً على أن زمن المعسكر الواحد، الأميركي تحديداً، والاصطفاف من حوله قد ولى، وأن هناك حقبة زمنية من التحالفات اللزجة أو المرنة، تتشكل في الرحم الكوني، انتظاراً لبزوغ نظام عالمي جديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القرن الصيني أم زمن التحالفات المرنة القرن الصيني أم زمن التحالفات المرنة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon