توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية

  مصر اليوم -

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية

بقلم - إميل أمين

حين منحت مملكة النرويج عام 2021، رئيس رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الكريم العيسى، جائزة «باني الجسور»، كان ذلك تقديراً لقيامه بعمل استثنائي في تجسير العلاقة بين أتباع الأديان والحضارات، بإسهام رائع ملموس، وبوصفه قوة عالمية رائدة في مضمار الاعتدال ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة، وصوتاً واضحاً ومتميزاً للسلام والتعاون بين الأمم والأديان.

مرة جديدة قبل أن ينصرم شهر مايو (أيار)، كان الشيخ العيسى يؤكد أنه قوة تغيير وتنوير خلّاقة، على رأس رابطة العالم الإسلامي، ودورها الذي يليق بالمملكة العربية السعودية في زمن «رؤية 2030»، التي أرسى دعائمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورسم دروبها عبر الاعتدال والتسامح، ووسم طرقها بالتعايش الإنسانوي الخلاق.

في «نزل سانت مارتا»، في حاضرة الفاتيكان، مقر الإقامة الذي فضله البابا فرنسيس على سكن البابوات في القصر الرسولي، كان اللقاء المتسم بالود والمحبة الأخوية الفياضة بين الحبر الروماني الكاثوليكي، والشيخ العيسى رجل العلم والفقه الكبير، صورة الإسلام السمح.

استقبال فرنسيس للعيسى على هذا النحو، وبعيداً عن البروتوكولات الصارمة للكرسي الرسولي، أمر لا يمكن تفهمه أو استيعابه إلا في سياق التقدير الكبير والصادق، للدور الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي في مكة، والهادف إلى تعزيز أواصر الحوار الفعال والتفاهم الشفاف، عبر هدم جدران العداوات، وبناء مجتمع التعاون الإيجابي بين أتباع الأديان والثقافات.

ما الذي يجمع الرجلين الكبيرين في هذا الزمن الصعب، لا سيما في ظل تعاظم المخاوف من اندلاع حروب عالمية، واتساع رقعة الحروب العِرقية والدينية؟

معلوم أن كل ما له علاقة بالقيم المشتركة والتحالف الحضاري، وهو ما قد يراه البعض شعارات رنانة طنانة، غير أن الواقع العملي يخبرنا بأن تكريم الإنسان، والاعتراف بحقوقه، ونبذ الكراهية والتعصب الديني بين أهل الأديان، وتمهيد الطرق للتعايش السلمي وحسن الجوار، وإحلال ثقافة المحبة والتآخي عوضاً عن التطرف والتمذهب؛ كل هذه وغيرها الكثير تُعد في صميم القيم الإنسانية المشتركة.

العيسى رجل يشار له بالبنان، لا سيما أنه صاحب دعوة للحوار مع الثقافات المختلفة، من أجل التفاهم والتقارب الإنساني، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وصولاً إلى تجاوز حالات التوجس، والدين عنده ليس جزءاً من المشكلة، بل إنه أحد أهم أركان الحل، بحكم تقديره في الوجدان العام.

عطفاً على ذلك، فإنه يؤمن إيماناً عميقاً بدور قادة الأديان في صنع السلام، وعنده أن الإيمان الديني عقيدة، والانتماء الوطني هوية والتزام، والقيام بعمارة الأرض والحفاظ عليها مسؤولية، والإحساس بهذه المسؤولية من واقع إيمان وشعور بالمساءلة أمام الخالق، من أهم محفزات استدعاء المخاطر، وتغليب منطق الحكمة والتسامح المتبادل.

يدعو العيسى إلى ضرورة إدراك أن البشر مختلفون ومتنوعون، وهذه هي الطبيعة الحتمية للحياة التي نشأت بإرادة إلهية، وعلى الساعين في دروب الحقيقة أن يقدموها للآخرين في قالب الإهداء والتلطف والمحبة.

على الجانب الآخر، لا يبدو أن تاريخ حاضرة الفاتيكان، قد عرف بابا بانفتاح البابا فرنسيس على العالمين العربي والإسلامي منذ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965) وحتى يومنا هذا.

فرنسيس الفقير وراء جدران الفاتيكان، لا يكف عن محاولات الانفتاح الجادة والمجدية على المعارف الخلاقة والموصولة بخريطة البشر والحجر، ومن هنا يتفهم المرء تواصله الوجداني مع العالم الإسلامي بما فيه من مثقفين ومفكرين ورجالات دين.

منذ اليوم الأول لحبريته، سعى البابا فرنسيس في طريق تحطيم جدران القلق من الآخر، والخوف من الشخص المغاير دينياً وثقافياً، لا سيما إذا كان من العالم الإسلامي، ما جعل شعبيته تزداد من يوم إلى آخر في المجالين الجغرافي والديموغرافي لمسلمي العالم.

لا يكف البابا فرنسيس عن إطلاق دعوات تعزز من الحوار وثقافته، لا سيما أن البديل الآخر هو المواجهة العنيفة الممزوجة بالألم والمخضبة بالدماء.

قدم البابا فرنسيس نماذج عملية تظهر قناعاته بكرامة الإنسان، هذه القيمة العالية والغالية، من دون تفريق عِرقي أو محاصصة طائفية، الأمر الذي تمثل في الكثير من المواقف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- دفاعه عن مسلمي الروهينغا المضطهدين، فقد قال ذات مرة: «إن إخوة أشقاء لنا في الإنسانية يتعرضون للقتل لا لشيء إلا لإيمانهم وعقيدتهم».

- ترفّعه عن التفريق وقربه من روح التجميع، فقد كان من الممكن له أن يستغل الحوادث الإرهابية التي جرت في أوروبا قبل عدة سنوات، وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء، لكنه رفض المزايدة المفرغة من أي مشاعر دينية وإيمانية حقيقية، والتي تشاغب العنصريات وتياراتها المحدثة.

رفض البابا فرنسيس الربط المطلق بين الإسلام والإرهاب، وشدد على أن جميع الملل والنحل يوجد بها متطرفون ومتشددون، والتاريخ يحوي صفحات مؤلمة، لا بد من القفز فوقها، إن أردنا أن نقيم مجتمعاً عالمياً تصالحياً وتسامحياً.

لعل ما يجمع بين الشيخ العيسى والبابا فرنسيس، رفضهما التطرف والتزمّت القائم على شعوب مغشوشة، وقوميات زائفة، مغالية في التمحور حول الذات، ما يجعل منها قوارض أساسية عانت ولا تزال تعاني منها الأديان والأوطان.

يلعب البابا فرنسيس اليوم، ولا شك، دوراً محورياً ومركزياً، في التحولات والتغيرات الديناميكية الفكرية للقارة العجوز، والتي تمضي وراء رايات التطرف الأيديولوجي والدوغمائي القاتلين، وكأنها لم تستوعب خطايا القرون الوسطى، وكوارث النازية والفاشية، وها هي قاب قوسين أو أدنى من علمانيات جافة وراديكاليات ضارة.

تقع اليوم مسؤولية استنقاذ العالم على عاتق بُناة الجسور، إنها مسؤولية مشتركة من أجل حفظ القيم الإنسانية للأجيال القادمة.

ماذا في جعبة رابطة العالم الإسلامي والشيخ العيسى في المستقبل القريب؟ أغلب الظن الكثير من المبادرات التي تخدم الإنسانية وتنشر الوعي... إنه وقت بُناة الجسور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية زمن بُناة الجسور خدمة للإنسانية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon