توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

واشنطن - بكين.. معادلة صفرية

  مصر اليوم -

واشنطن  بكين معادلة صفرية

بقلم - إميل أمين

وقت كتابة هذه الكلمات كانت الأزمة الأميركية – الصينية، ومن جراء قصة زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى جزيرة تايوان، ماضية قدما في تسارع مثير وربما خطير، وإن ظلت الحقائق غير واضحة بالمطلق، وفي وسط ضبابية المشهد، واحتمالات تعدل الأوضاع وتبدل الطباع، يمكننا القطع بأن هناك واقع حال جديدا ما بين واشنطن وبكين، قد يقود إلى فخ ثيؤسيديدس، أي ذات الفخ الذي أدى إلى نشوب الحرب بين أسبرطة واليونان، قبل الميلاد، ومن جراء الصراع الطبيعي في دورة الأمم والقوى، بين القطب القائم، ومنافسه القادم.

مهما يكن من أمر، فإن أول ما يخلص إليه المرء هو أن المشهد عبارة عن صراع إرادات، ولن يخرج عن سيناريو من اثنين، أن تذهب بيلوسي إلى تايوان بالفعل، وهنا سوف تبدو الإرادة الأميركية قد انتصرت في مواجهة الصين، أو أن تلغي بيلوسي الرحلة برمتها، وتظهر بكين على واشنطن، ما يعني انكسارا واضحا للنفوذ الأميركي.

هل نحن أمام ما يسمى في العلوم الاستراتيجية بحالة Zero sum struggle أي حالة المباريات الصفرية، تلك التي لابد أن يخرج فيها طرف بعينه منتصرا والآخر مهزوما؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك، لا سيما في ضوء ما يجري في الداخل الأميركي.

يلاحظ المراقب للمشهد في واشنطن أنه لم تكن هناك رؤية موحدة بين أركان الإدارة الأميركية، تجاه رحلة تايوان، أو هكذا أراد البعض هناك إيصال رسالة للعالم، في حين أن المسألة برمتها لم تتجاوز لعبة تقسيم الأدوار.

قبل نحو أسبوعين، قال الرئيس بايدن إن قادة البنتاغون قد أقنعوه بخطورة هذه الرحلة، وأن جنرالات الجيش الأميركي يرون خطورة في القيام بها.

غير أنه وفي الساعات الأخيرة تغير هذا الكلام، وخرج المتحدث باسم البيت الأبيض ليؤكد دعم الرئيس لهذه الزيارة، ثم ما لبث أن ظهر وزير الخارجية أنتوني بلينكن مجيبا عن أسئلة الصحافيين بالقول إن رئيس مجلس النواب لها الحق في اختيار قرارها بصفة مستقلة، وكأن مؤسسات أكبر دولة في العالم باتت جزرا منفصلة، تعمل فيها المؤسسة التشريعية المتمثلة في الكونغرس بغرفتيه الأعلى الشيوخ والأدنى النواب، بمعزل أو بعيدة عن السلطة التنفيذية القائمة في البيت الأبيض، وهو حديث يمكن أن يصدقه المرء في سياق جمهوريات الموز، وليس أميركا مالئة الدنيا وشاغلة الناس.

أمر آخر يكاد يقنعنا بأن المشهد الأميركي تمثيلي في الداخل، وأن هناك نوايا مبيتة للصين، ومحاولة مشاغبتها وشغلها عسكريا عبر تايوان، ذلك أنه كيف لجنرالات البنتاغون أن يعترضوا على مثل تلك الزيارة، ثم نرى قطع الأسطول الأميركي الثقيلة، من عينة مجموعة حاملة الطائرات رونالد ريغان، تدخل منطقة بحر الصين الجنوبي، في مشهد يبعث على التوتر ويرجح احتمالات الصدام، ناهيك عن المناورات العسكرية الأميركية في مياه المحيط الهادئ.

لا تبدو المشاهد الأميركية إذن مرتبكة أو عشوائية كما يتراءى للناظر من أول وهلة، بل هناك في الخلفية الاستراتيجية الأميركية رؤية واضحة، إنها وثيقة، القرن الأميركي، السائرة كافة الإدارات، جمهورية كانت أم ديمقراطية على هديها، والتي تبلورت قبل نهاية القرن العشرين ببضع سنوات، وتم تعديلها في العام 2010 أي في زمن باراك أوباما، الذي مثل أكبر منقلب داخلي للأميركيين، عبر التجرؤ الأبوكريفي المنحول على الأمل، من خلال نظرية القيادة من وراء الكواليس، وقد حمل التعديل اسم "استراتيجية الاستدارة نحو آسيا"، وقد شاركت في وضعه والتنظير له هيلاري كلينتون، شريكة أوباما في الكثير من ملفاته الماورائية.

يعن للقارئ أن يتساءل: "لماذا تصمم بيلوسي على مثل هذه الزيارة، وهل تتسق ومحاولات الرئيس بايدن لتهدئة التوترات القائمة بين بكين وواشنطن، وخلفها الكثير من الأسباب الجوهرية قبل الجائحة وما بعدها؟".

بداية يمكن القطع بأن بيلوسي لم تكن يوما حجر زاوية في الحياة السياسية الأميركية، بل حجر عثرة، بمعنى أنها كانت نقطة فراق وليس اتفاق، وبنوع خاص ظهر حضورها السلبي على صعيد الحياة السياسية الأميركية خلال سنوات إدارة الرئيس ترمب.

ولعل المرء يفهم أن تسعى بيلوسي في سياق مكايدة سياسية لو كان ساكن البيت الأبيض من الجمهوريين، أعدائها التاريخيين، لكنه ديمقراطي من الحزب عينه، ولهذا تبدو رواية الخلافات بين مجلس النواب والبيت الأبيض غير مقنعة بالمرة.

تحمل بيلوسي تاريخيا كراهية ومقتا كبيرين للصين والصينيين، وربما هذا ما يجمعها على غير رغبة منها مع الرئيس السابق ترمب، والذي أعطى الجائحة اسما مثيرا.. "الفيروس الصيني"، وقد بررت زيارتها لتايوان بضرورة إظهار الولايات المتحدة الأميركية دعمها لتايوان بوصفها حليفا لها، وعدم التخلي عنها في مواجهة الدعوات الصينية لإعادة الجزيرة إلى أرض الوطن الأم.

تبدو تصريحات بلينكن وعدد من مسؤولي الولايات المتحدة في الساعات القليلة المنصرمة وكأنها راغبة في المواجهة، لا سيما الحديث عن القيام بما يتوجب القيام به، أي زيارة بيلوسي، ومن دون أدنى تغيير للخطط بسبب ردات فعل الصين، أو تهديداتها.

هل واشنطن مصممة على السعي في طريق من اتجاه واحد، ومهما كانت أكلاف هذه الزيارة؟

يدرك القاصي والداني أن زج روسيا في مواجهة مع أوكرانيا، أمر كان يقصد من ورائه فض التحالف الصاعد في أعلى عليين بين بكين وموسكو، ولأن وضع العصا في دواليب العلاقات الثنائية الدبلوماسية بينهما أمر شبه مستحيل، لإدراكهما وحدة العدو الأميركي، لذا يمكن القطع بأن التحرش بالصين قد يبدأ من عند افتعال معارك صغيرة جانبية، بهدف إدخال بكين في دوامات العسكرة والتسلح، وإهمال مشروعاتها الكبرى، من عند طريق الحرير، وصولا إلى عالم البريكس بلس.

لكن ماذا عن ردات الفعل الصينية، وهل أميركا جاهزة لها؟

يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: "إن جاء إلينا صديق نستقبله بالنبيذ الفاخر، لكن حين يأتينا ابن آوي فإننا ننتظره ببندقية الصيد".

هل وصلت الرسالة إلى بيلوسي وشركائها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن  بكين معادلة صفرية واشنطن  بكين معادلة صفرية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon