توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

واشنطن – طهران.. الاسترضاء لا يفيد

  مصر اليوم -

واشنطن – طهران الاسترضاء لا يفيد

بقلم - إميل أمين

لعلّ أحدَ المشاهد المهمّة والمؤثّرة إقليميًّا وعالميًّا، مشهدُ العلاقات الأميركيّة - الإيرانيّة، والتي تبدو ملتبسة على الكثيرين، وتحتاج إلى نوع من أنواع الحفر المُعمَّق تاريخيًّا وجغرافيًّا، أيديولوجيًّا واستراتيجيًّا، لفهم تشابك الخيوط وتداخل الخطوط بين واشنطن وطهران.

ما الذي يدفعنا لإعادة قراءة أبعاد هذه العلاقة مرَّةً جديدة على مشارف نهاية عام وبداية عام جديد؟

حكمًا هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا في هذا المساق، غير أنَّ أمرَيْن بنوعٍ خاصٍّ يؤكِّدان على أنّ سياسات واشنطن الاسترضائيّة تجاه طهران لا تفيد، بل تزيد من الانفلاش الإيرانيّ، وتختصم بصورة جوهريّة من النفوذ الأميركي، مهما حاولت إدارة بايدن إظهار الأمر على خلاف ذلك.

المشهد الأوّل موصول بتصريحات الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة قبل بضعة أيّام، والذي أشارت فيه إلى أنّ طهران تزيد من إنتاج اليورانيوم المُخصَّب بدرجة نقاء 60%، وهي نسبة قريبة من المستوى المطلوب لتصنيع أسلحة نوويّة.

إعلان الوكالة الدوليّة لا يُمثّل في حقيقة الأمر مفاجأة، إذ يعلم القاصي والداني أنّ الملالي يقومون بتسريع برنامجهم النوويّ بشكل مؤكَّد، وهو ما تقطع به أجهزة الاستخبارات الأميركيّة بنوع خاصّ، بل إنّ هناك تقديرات بعينها ترى أنّ بعض اليورانيوم الإيرانيّ المُخصَّب، قد تجاوز الـ 60% بالفعل.

المشهد الثاني موصول بإعلان الإيرانيّين، أن عملية "طوفان الأقصى"، التي قامت بها حماس نهار السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل المنصرم، كانت نوعا من أنواع القصاص الإيراني لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

هنا وعلى الرغم من تراجع الإيرانيّين لاحقًا عن هذا التصريح، إلا أنّه لا يمكن بحال من الأحوال إنكار العلاقة الوثيقة بين حماس وإيران، سواء عبر الدعم اللوجيستي بالأسلحة، أو من خلال التدريب، وهناك من الأدلة ما يفيد بأنّ الأيادي الإيرانيّة حاضرة في غَزَّة بشكل وافر.

عطفًا على المشهدَيْن المتقَدّمَيْن، تبدو عمليات ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر نوعا من أنواع التكتيك الإيرانيّ، والذي يسعى لتعطيل حركة التجارة العالميّة، وسط ذريعة واهية تتحَدّث عن معاقبة السفن الماضية قُدُمًا ناحية إسرائيل بسبب عمليّات الأخيرة في غزّة.

يدرك القاصي والداني أن الحوثيين ليسوا إلا مخالب قطّ في أيدي إيران، يأتمرون بأمرهم، وينفّذون خططهم، ضمن سياق استراتيجي إيراني أوسع، هدفه إظهار السطوة في البحر الأحمر، وربّما عَمَّا قريب في المتوسط، بحسب التصريحات الإيرانية الرسمِيّة عن تعطيل الملاحة فيه بدوره.

منذ أيّامها الأولى في البيت الأبيض، وإدارة الرئيس بايدن، تُظهِر نوعًا واضحًا جدًّا من الاسترضاء الذي يصل حَدَّ الخضوع والخنوع للملالي، وبدا أنّ هناك نِيّةً مبيَّتة لإلغاء كلِّ توجُّهات الرئيس ترامب، وفي مُقَدِّمها إحياء الاتّفاق النوويّ الذي انسحب منه ترامب.

اعتبر الإيرانيّون الأمرَ تراجعًا أميركيًّا عن استخدام الوسائل الأخرى الموجودة على المائدة، ومن هنا رفعوا رهاناتهم لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة الماليّة أوَّل الأمر.

حين وَقَّعَ باراك أوباما مع الإيرانِيِّين الاتّفاق النوويّ سيء السمعة، تمَّ الإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانيّة المُجمَّدة في بنوك أميركا وأوروبا.

تكَرَّرَ الأمرُ مرَّةً أخرى مع إدارة بايدن، تحت ذريعة الإفراج عن رهائن أميركِيّين، وتمَّ الإفراج عن بضعة مليارات أخرى.

هل غاب عن أعين واشنطن، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، والتي تراقب أجهزتها الاستخباريّة سرًّا وجهرًا كافّة أوجه الإنفاق الإيرانيَّة؟

ليس سرًّا أن الإيرانِيّين قد برعوا في تسخير الأموال الطائلة في إحداث تقَدُّمٍ في برنامجهم النوويّ من جهة، والصاروخي من جهةٍ ثانية، والبحريّ من وجه ثالث.

عطفًا على ذلك، فقد تمَّت الاستعانة بما أفرج عنه في دعم "وكلاء الحرب"، من جنوب البحر الأحمر، إلى ساحل المتوسّط عند غزة بنوع خاصّ، وبينهما تعزيز أوضاع ميليشيات الحشد في العراق، ومن لَفَّ لَفَّها في سوريا.

نقطة أخرى قد تبدو غائبة عن الأعين في الوقت الحاضر، وتتمَثَّل بالانتشار الدوجمائيّ الإيرانيّ في قلب إفريقيا، وما يستتبعه حكمًا من انفلاشات إيديولوجيّة تدور في فلك رغبات حكّام إيران في الحال والاستقبال.

يَعِنّ لنا أن نتساءل: "ماذا عن الموقف الأميركيّ بعد فشل آليّات الترضية من غَضّ الطرف عن تقَدُّم البرنامج النوويّ، مرورًا بالمليارات التي تدَفَّقتْ وربَّما لا تزال؟

الشاهد أنّ واشنطن تبدو وكأنّها الطرف المذعن في هذه العلاقة، على الرغم من قدرتها على تغيير الأوضاع وتبديل الطباع إن أرادت لكنّها لا تفعل... لماذا؟

تبدو واشنطن في هذه الأيّام وكأنّها في مأزق يتعَلَّق بالانتخابات الرئاسيّة، وهو عامٌ يصعب فيه جدًّا على أيّ ساكن للبيت الأبيض، أن يأمر بشم عمليّة عسكريّة بعينها تجاه أيّ طرفٍ ترى فيه واشنطن عدوًّا لها.

لكن المشهد في واقعه استبق عام الانتخابات، ما يعني أنّ هناك أمورًا أخرى شاغلت واشنطن، واستغَلَّتْها طهران بشكلٍ فائق البراغماتيّة، ما أدَّى إلى التماهي الأميركيّ مع الإيرانِيّين.

مما لا شكَّ فيه أنّ الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة شَكَّلتْ ولا تزال عائقًا كبيرًا بالنسبة للولايات المُتّحدة، يمنعها من الانخراط في المزيد من المعارك أو الحروب، رغم حديث القوّة العسكريّة الأميركيّة القادرة على خوض أكثر من حرب في أكثر من جبهة مَرّةً واحدة، أو على الأقل هذا ما استنتجَتْه طهران من المشهد الأميركي العالمي، وعزفت عليه بما يعود بالنفع عليها.

من هنا يمكن للقارئ تفَهُّم عدم رغبة إدارة بايدن في القيام بعمليّة عسكريّة شافية وافية، لا تصُدُّ ولا ترُدُّ ضدَّ ميليشيا الحوثيّ، وهو أمر يمكنها فعلُه إن أرادت، وهناك في التاريخ القريب، عمليّات مشابهة من نوعيّة عمليّة "براينغ مانتيس"، ضد القوات البحرية الإيرانيّة في أبريل/نيسان من عام 1988.

هل الاسترضاء الأميركيّ لإيران يُعزِّز من فكرة التوَصُّل إلى اتّفاقٍ نووي مع طهران يَكْفُل للمنطقة الشرق أوسطيّة والخليجيّة نوعًا من الهدوء والاستقرار لزمان وزمانَيْن؟

بالقطع هذا لم ولن يحدث؛ ذلك أنَّ توجُّهات إيران دوجمائيّة مطلقة، وليست إيديولوجيّة نسبيّة تقبل فلسفة المؤامرات.

يعني ذلك أنّه كلَّما قَدَّمت واشنطن استرضاءات، غالت طهران في طلباتها، ومؤخَّرًا بلغ الأمر بالحوثيّين مطالبة واشنطن بالإفراج عن ستّة عشر مليار دولار من أموال إيران المُجمَّدة، حتّى تتوَقَّفَ عمليّة إعاقة الملاحة في البحر الأحمر.

هل من أمر تنساه واشنطن أو تتناساه؟

المُؤكَّد أن حرصها على عدم إغضاب الإيرانِيّين، سيجعل عزلتها تزيد لا سِيّما من قِبَل حلفائها الموثوقين في المنطقة، والذين أثبتت التجربة التاريخيّة أنَّهم كانوا نِعْم العون والسند لها في أزمنة المُلِمّات كما الحال في زمن الحرب الباردة.

وفي كلّ الأحوال، فإنّ واشنطن الحريصة على عدم تفريغ مربّعات نفوذ للصين وروسيا في المنطقة، تجد نفسها ورغمًا عنها في مواجهة هذا الواقع، سِيَّما أنّه لن يكون خيارًا إيرانيًّا فحسب، بل خيارًا لأصدقاء كثيرين، خذلوا كثيرا من مواقف البيت الأبيض.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن – طهران الاسترضاء لا يفيد واشنطن – طهران الاسترضاء لا يفيد



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon