توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصين ..صراعات قطبية في القارة الأوروبية

  مصر اليوم -

الصين صراعات قطبية في القارة الأوروبية

بقلم - إميل أمين

وسط الضجيج والغبار المتصاعدين من الشرق الأوسط، ذاك الذي أصبح الموتُ فيه عادةً، لم ينتبه الكثيرون مِنّا إلى بعض التحرّكات الإستراتيجيّة التي تجري على الخارطة الجغرافية العالمية، ضمن سياقات مباريات شطرنج إدراكيّة، بين القطب القائم المتمثّل في الولايات المتحدة الأميركيّة، والقطب القادم، أي الصين.
التحرّكات التي نحن بصددها تتمثل في مربعَيْ نفوذ دوليَّيْن، يرتبطان تاريخيًّا بصورة جذرية بالولايات المتحدة الأميركية، المربع الأول هو القارة الأوروبية، الشريك العضوي في الناتو، والمرتبطة أيضًا بحبل سُرّيّ تاريخي مع الولايات المتحدة، سواء عن طريق المهاجرين الجدد قبل ثلاثة قرون، أو بالعلاقة مع بريطانيا بنوع خاص، وإن كانت دولة الاستعمار قديمًا.
أمّا المربع الثاني فموصول بالخلفية الجغرافية للولايات المتحدة، ونعني بها قارّة أميركا اللاتينيّة، والتي تُعَدُّ مدارًا ومسارًا للأمن القومي الأميركي.
الأسبوع قبل الماضي، شهدت زيارة استثنائية للرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى فرنسا، تركت أسئلة عديدة وعريضة عمّا يبغيه الرجل من القارة العجوز، وما هي أهدافه العلنيّة والخفيّة منها.
بدا واضحًا أن الصين تسعى إلى إعادة العلاقات مع الأوروبيّين بعد أن تعرضت لخللٍ جسيم خلال الفترة التي أنتشرت فيها جائحة كوفيد-19، فقد ألقى الأوروبيون باللوم على الصين وقيادتها السياسية بسبب التضييق الإعلامي والرسمي على أخبار الفيروس القاتل، والذي ما كان له أن ينتشر ويتسبب في كوارث إنسانية حال صارحت بكين العالم وبشفافية كاملة عن أبعاد انتشاره وتكوينه، وهل تسَرَّب عَرَضًا أم عمدًا.
مهما يكنْ من أمر، فإنّ الصين خسرت الكثير وقتها؛ إذ اعتبر غالبيّة الأوربيّين أن كافة مشروعات الصين القطبية العملاقة، لا سيّما مشروع "الطريق والحزام"، مصابة في عمقها بأخطاء جسيمة، يمكن أن تكرر مآلات كوفيد، بصورة أو بأخرى.
اليوم نرى الرئيس الصيني بينغ في قلب أوروبا، وليس عشوائيًّا كانت الزيارة لفرنسا، والتي تبدو اليوم القلب الأوروبي السياسي النابض، كما أنها الدولة الأكثر مواكبةً، وربما احتكاكًا بالأزمة الروسية – الأوكرانية.
اختار شي جين بينغ الرئيس ماكرون، ليَمُدَّ خطوط التعاون السياسي، ولا يستبعد المرء أن تكون هناك رسائل سرّيّة تم نقلها من بوتين إلى ماكرون، ومن الأخير إلى إدارة الرئيس بايدن، سواء كانت رسائل سلام أو خصام.
الذين تابعوا تصريحات بينغ أدركوا تمام الإدراك أن الرجل وإن كان يعزف على أوتار الوساطة بين روسيا الاتحادية وأوربا كشريك في الناتو، إلا أنه ومن باب خفيّ، استهدف مدركات ومنجزات أخرى، تحتاج إلى زيارة للتاريخ لفهم أبعادها ومساقاتها، ضمن دائرة القول بالتاريخ الذي يكرر نفسه، الأمر الذي نفاه كارل ماركس، وإن تَنَدَّرَ عليه كاتب أميركا الساخر بالقول إن أحداثه ولو لم تَعُدْ نفسها، إلا أن أحداثه تتشابه ... ما هذا الأمر؟
من غير تطويل مُمِلّ أو اختصار مُخِلّ، من الواضح أن الصين بدهائها الكونفوشيسيّ، تسعى جاهدةً في طريق وضع العصا بين الدولايب الأميركية والأوروبية، بمعنى أنها تحاول ولو بطريق التسرُّب البطيء، أن تدخل في شراكات مع أوروبا، تجعلها يومًا ما، في المدى الزمني المتوسّط وليس البعيد، تعيد ومن جديد تفضيل الشراكة مع الصين من الناحية الاقتصادية، عن نظيرتها مع الولايات المتحدة الأميركية.
يبدو الحديث وكأنه واقع بعيد، لكن الحقيقة هي أنَّ غيرَ المتوقع يحدث عادةً في دروب التاريخ، وحال أضفنا إلى الشراكة الاقتصادية نوعًا من أنواع التطمينات للأوروبيين بأن بكين يمكنها أن تكون ضامنًا قويًّا وراشدًا في أن لا يقوم القيصر بوتين بأيّة مغامرة جديدة في أوروبا، من نوعية مغامراته العسكرية المُحبَّبة والمُفضَّلة، فإن أسهم الصين لدى العواصم الأوروبية يمكنها أن تتصاعد بشكل كبير.
هل يمارس بينغ نوعًا من "القراءة في المعكوس" تجاه الخارجية الأميركية وما تقوم به من محاولات جادّة بصورة غير طبيعية لفك عُرَى العلاقة بين بكين وموسكو؟
مؤكَّد أن زيارات وزير الخارجية الأميركي بلينكن المَكّوكية الأخيرة إلى بكين، إنما كان وراءها هدف واضح جدًّا، وهو إضعاف إلى حدِّ إنهاء التحالف الروسي – الصيني الأخير، والذي بات يزعج الولايات المتحدة الأميركية إزعاجًا فائقًا.
هنا يبدو التاريخ وكأنه يعيد نفسه؛ فقبل نحو خمسة عقود، كان وزير الخارجية الأميركي العتيد الراحل هنري كيسنجر، يمارس نفس الدور مع بكين، حتى تترك موسكو وحدها في ميدان رَمْي نار الناتو.
مضى بينغ الى أوروبا، وفي جعبته أوراق عديدة للترغيب في علاقات متميزة مع عموم القارة العجوز، لا سيما من الناحية الاقتصادية، وبخاصة بعد أن بات الأقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية، من حيث الناتج المحليّ الإجماليّ الاسميّ، وإن كان الأول منذ عام 2014 بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وليس سرًّا القول أن الصين مرشَّحة وبجدارة أن يتجاوز اقتصادها الولايات المتحدة لتضحي رقم واحد مع نهايات هذا العقد.
في زيارته لأوروبا، ولو من باب خَفِيٍّ، وضع بينغ الصينيين أمام طرح مزعج بالنسبة لهم، ويتمثل في احتمالات عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر 2024، وهو ما يمكن أن يُشَكِّل هاجسًا لعموم الأوربيّين؛ فالرجل يهدد بتفكيك الناتو، وإنهاء سطوته وأسطورته، وساعتها ربما تجد أوروبا نفسها وحيدة أمام روسيا، وعليه فإن علاقات جيدة مع الصين، قد تشكّل كما أسلفنا حماية ووساطة في ذات الوقت.
أمّا عن توجّهات ترامب الاقتصادية لجهة الأوربيين، فهي ليست إيجابية بحال من الأحوال؛ فهو الرجل الذي مضى في طريق إرغامهم قسرًا على رفع نسبة إسهاماتهم في موازنة الناتو، وبما يزيد عن 2% من الناتج القومي الإجمالي لكل دولة على حدة، ما تسبب في غصة في الحلق الأوروبي، واعتبروا أن نهاية ولايته خبرٌ سارٌّ، فكيف لهم أن يشاهدوه سَيِّدًا متربِّعًا في البيت الأبيض مرة جديدة؟
ربما يكون من المبكر الحديث عن حساب حصاد رحلة شي جين بينغ إلى أوروبا، لكنَّها حكمًا سوف تتضح عمَّا قريب.
أمّا المربع الثاني الذي أشرنا إليه في المقدمة، فيحتاج إلى حديث قائم بذاته، ذلك أنه كما أنّ السياسة الدفاعية الأميركية تحاول حصار الصين من خلال تايوان وجزيرة غوام، والوجود في مياه الإندو باسفيك، وتزويد أستراليا بغوّاصات نووية متقدمة من نوعية "فيرجينيا"، هكذا تمضي الصين بالقرب من الولايات المتحدة، عبر اختراقات اقتصادية لدول أميركا اللاتينية عامة، واستخدام شركاتها الكبرى في دخول المكسيك، لتضحي قاب قوسين أو أدنى من واشنطن.
قبل بضعة أشهر، طفا على سطح الأحداث الدولي نبأ قيام الصين ببناء محطة تنَصُّت في كوبا تهدد الأمن القومي الأميركي عبر قدرتها على الاستماع لكافة ما يجري في الفضاء السيبراني الأميركي .
والشاهد أنه رغم خفوت أصوات القصة، إلا أنها بحال من الأحوال لا تمثل إلا فصلاً من فصول الصراع القائم والقادم بين واشنطن وبكين، ضمن حلقات الصعود لتسنم العالم.
هل بات الدخول في منطقة "فخ ثيوسيديديس" قريبًا جدًّا بين البلدَيْن؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين صراعات قطبية في القارة الأوروبية الصين صراعات قطبية في القارة الأوروبية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon