توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن المبادرة السعودية في القارة الإفريقية

  مصر اليوم -

عن المبادرة السعودية في القارة الإفريقية

بقلم - إميل أمين

عكست القمّة السعوديّة الإفريقيّة، التي شهدتها أرض المملكة الأيّام القليلة الماضية، نهجًا جديدًا تجاه تلك السمراء التي تعرّضتْ وربّما لا تزال تتعَرّض للكثير من الظلم التاريخيّ، رغم ثرائها الواضح، ومواردها الخصبة.

جاءت القمّة لتؤكّد على أنّ رؤية 2030 تمضي بنجاحات عقلانيّة، وبرؤى ودراسات استشرافيّة، تقدر لرجلها قبل الخطو موضعها، مرتكزةً على دبلوماسيّة شابّة واعدة يتسَنّمها وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان، دبلوماسيّة قادرة على ضبط المسافات من الرياض إلى بقِيّة العواصم حول العالم.

تاريخيًّا ارتبطت أراضي شبه الجزيرة السعودية بالقارة الإفريقيّة، بأكثر من ارتباطها بأيّة قارة أخرى حول العالم.
قبل ظهور الإسلام كانت الهجرات متبادلة بين جانبَيْ البحر الأحمر، ولهذا تجد حضورًا عربيًّا قديمًا جدًّا في قلب العديد من الدول الإفريقيّة، بل إنّك تجد قبائل عربيّة لا تزال تحتفظ بأسمائها الأصليّة، رغم حضورها الديموغرافيّ في قلب القارّة.

تاليًا وفي بدايات انتشار الدعوة، يذكر التاريخ هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة، حيث النجاشي الملك المسيحيّ الذي لا يُظلَم عنده أحدٌ، وكيف استجار به المسلمون الأوائل وقد أجارهم بالفعل منقِذًا إيّاهم برفضه تسليمهم للمشركين.

يعني ما تقدم أنّ العلاقات بين السعودية والقارة الإفريقيّة ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل إنّها تعود لقرابة ألفَيْ عام، إن لم تزِدْ عن ذلك.

يعنُّ لنا التساؤل: "هل اهتمام القيادة السعوديّة ممثَّلةً في خادم الحرمين الملك سلمان ووليّ العهد الأمير محمد، هو أمر وليد اليوم، أي نشأ على جانب هذه القمة، أم أنّ هناك جهودًا حقيقيّة لا تُوارَى ولا تُدارَى في هذا السياق؟

لعلّ بعض الأحداث القريبة تاريخيًّا تُبيِّن لنا السياقات التي جرتْ فيها هذه العلاقة في الزمن القريب، فعلى سبيل المثال أسمهت جهود وليّ العهد خلال رئاسة المملكة لمجموعة العشرين عام 2020 في إطلاق مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدَّيْن، ومبادرة إطار العمل المشترك لمعالجة الديون، حيث وَفَّرت المبادرتان سيولة عاجلة لـ 73 دولة من الدول الأشد فقرًا من ضمنها 38 دولة إفريقيّة حصلت على أكثر من 5 مليارات دولار.

لم يتوقَّفْ الأمر عند هذا الحد؛ فقد حرص وليّ العهد على دعم اقتصاد القارة الإفريقية، حيث أطلق صندوقُ الاستثمارات العامّة في المملكة عددًا من المشاريع والأنشطة الاستثماريّة في دول إفريقيا في قطاعات الطاقة والتعدين والاتّصالات والأغذية وغيرها بإجمالي 15 مليار ريال سعوديّ، كما أكَّدَ سموّه على أهمية استمرار البحث عن فرص الاستثمار في القارة الإفريقيّة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

هل مناهج الاستثمار والبناء والنماء السعودية في القارة الإفريقية تتسق أو تتشابه مع ما تقوم به قوى كبرى قُطبيَّة وإقليميّة فوق الأراضي الإفريقية، أم أنّ هناك بالفعل ما هو مختلف في المخبر والمظهر دفعةً واحدة؟
بالنظر إلى الخارطة الجيوسياسيّة للقارة الإفريقية، يمكن القطع بأن هناك مبارزة تجري بقوّة قاهرة، فوق رقعة "السمراء التي أحببتها" بحسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة الراحل الدكتور بطرس غالي.

السباق يجري على محورَيْن إستراتيجِيَّيْن:
الأول: هو الموقع الجغرافيّ، حيث إفريقيا تمثل منتصف العالم، بين الغرب الأميركي، والشرق الآسيويّ، ما يجعل منها نقاط وصل وتواصل حول البسيطة، ومن يتحَكَّمْ في مداخلها ومخارجها، يُصِبْ نجاحًا عظيمًا في عالم القطبيّة المتعددة القادمة.
الثاني: هو الثروات البكر التي تَحْفَل بها أراضي القارة، من نفط ومعادن نادرة مثل الذهب تحديدًا، ناهيك عن المعادن اللازمة لصناعات الذكاء الاصطناعيّ، والذي يمثل مستقبل العالم في الحال والاستقبال، عطفًا على المواد شديدة الندرة المستخدمة في صناعة الأسلحة النوويّة، وفي مقدمها اليورانيوم.

هنا تبدو الأطماع الأجنبيّة واضحة وضوح الشمس في ضحاها، ويبقى التساؤل: "هل هولاء يسعون إلى تنمية البشر قبل الحجر، أم استنفاذ موارد القارة، وتركها في مستنقعات الفقر والجهل والمرض، عطفًا على الصراعات العسكرية والحروب الأهلية التي لا تنفكّ تشتعل في أرجاء القارة من جديد؟

حكمًا تبدو الرؤية البراغماتية غير المستنيرة حاكمة في الكثير من مقدّرات القوى الغربية والشرقية معًا، فالصراع الدائر هناك غير قاصر على فرنسا صاحبة التاريخ الاستعماريّ الإفريقي الطويل، ولا بلجيكا ذات الشأن فيما مضى.

الصراع الضاري اليوم قائم وقادم بين الولايات المتحدة الأميركيّة التي عادت مَرّةً جديدة للقارة عينها، بعد أن فكرت مليًّا وجليًّا في مغادرتها والتفرغ لمواجهة الصين.

غير أنّها وجدت الصين تملأ وبسرعة وإمكانيات هائلة كافة مربعات النفوذ التي أخلتها، ومن هنا بات على واشنطن العودة مرّةً جديدة، مستخدمةً سياسةالعصا والجزرة، أو ذهب المُعِزّ وسيفه، والأمر عينه ينطبق على روسيا.

ما تتطلع إليه السعودية في مخططاتها الإستراتيجية لجهة القارة الإفريقية، نوع من أنواع المعادلة التاريخية، "الجميع فائز"، ومن غير نرجسيّات غير مستنيرة، بمعنى أنّ الكل سيفوز من جَرّاء الشراكات الاقتصادية والتنموية الواسعة المدى والتي لا تضنّ السعودية بأموالها في مشروعاتها.

لا تقتصر النظرة السعودية لإفريقيا على الجانب الاقتصاديّ والماديّ فحسب، بل نجد أياديَ بيضاء تسعى لإفشاء السلام في دروب الخصام.

أثمر دعم وليّ العهد للجهود الدولية والإقليمية الرامية لإرساء دعائم الأمن والاستقرار وحل النزاعات في القارة الإفريقية، في توقيع اتفاقيّة جدة التاريخيّ للسلام بين إثيوبيا وإريتريا واستئناف الحادثات بين طرفَيْ النزاع في السودان بجدة بهدف الوصول لاتّفاق سياسيّ يحقق الأمن والاستقرار، ويثبت الازدهار للسودان وشعبه.

قَدَّمت المملكة أكثر من 45 مليار دولار لدعم المشاريع التنموية والإنسانية في 54 دولة إفريقية، كما بلغت مساعدات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيّة أكثر من 450 مليون دولار في 46 دولة إفريقيّة.
ما الذي تعنيه هذه الأرقام ضمن دائرة العلاقات السعودية – الإفريقية؟

بصراحة مطلقة، تعني أن هناك بُعدًا أخلاقيًّا، وجدانيًّا وإيمانيًّا في علاقة المملكة بدول وشعوب هذه القارة المُترَدِّية أحوالها، وأنّ مفهوم الربح المُجَرَّد من النوازع الإنسانية غير قائم في الروح السعودية الملحقة فوق أراضي مملؤة بالخيرات، ويتكالب عليها الطامعون إلا ما رحم ربُّك.

ما سبق من علاقات إفريقيّة – سعوديّة مرحلةٌ، وما هو آتٍ مرحلةٌ مغايرة، حيث تتطَلَّع المملكة لضَخّ استثمارات جديدة في مختلف القطاعات بما يزيد عن 25 مليار دولار، وتمويل وتأمين 10 مليارات دولار من الصادرات، وتقديم 5 مليارات دولار تمويلاً تنمويًّا إضافيًّا لإفريقيا حتّى عام 2030.

ما تقوم به المملكة ينضوي تحت راية "طرح القضايا المصيريّة التي تبدأ من الذات، وليس من الآخرين"، ولهذا تتراكم نجاحات هذه الدبلوماسيّة في الحِلّ والترحال، أمس واليوم وغدًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المبادرة السعودية في القارة الإفريقية عن المبادرة السعودية في القارة الإفريقية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon