قبل أن ينصرم شهر مايو أيار، نشر موقع "ساينس ألبرت" الأميركي، قراءة عن دراسة منشورة في مجلة "الطبيعة المستدامة، يمكن وصفها بأنها مثيرة وخطيرة.
العلماء القائمون على ما في هذه الورقة العلمية حذروا من أن ظاهرة الاحتباس الحراري ستعرض أكثر من خمس البشرية للحرارة الشديدة، ما يهدد الحياة على سطح الكرة الأرضية بنهاية القرن الحادي والعشرين.
هل هي قصة الاحتباس الحراري التي باتت حديث الساعة؟
يبدو أن الهول الأكبر قادم لا محالة، وبخاصة إذا صدقت التوقعات بارتفاع حرارة سطح الأرض بمقدر 2.7 درجة مئوية خلال العقود السبعة القادمة، ما سيغير من حياة أكثر من ملياري شخص حول البسيطة، أي نحو 22% من سكان الكرة الأرضية وقتها.. هل يعني ذلك أن المناخ سيعيد تشكيل ملامح ومعالم الحضارة البشرية؟
بحسب " تيم لينتون"، من جامعة إكستر البريطانية، والمعد الرئيسي للدراسة، سيمثل الأمر إعادة تشكيل عميقة لصلاحية سطح الكوكب للسكن، ما يمكن أن يؤدي إلى إعادة تنظيم واسعة النطاق للأماكن التي يعيش فيها الناس.
يعن لنا التساؤل هل هذه هي المرة الأولى جيولوجيا، التي سيغير فيها المناخ طبيعة السلوك الإنساني، جغرافيا وديموغرافيا؟
الشاهد أننا عندما ننطق بكلمتي "الاحتباس الحراري"، يطفو على السطح نوع من أنواع الخلاف غير المحسوم حتى الساعة، وما إذا كان البشر قد ظلوا يسهمون في رفع درجة الحرارة فوق الأرض.
يحاجج البعض بأن ما يجري حاليا من احترار هو جزء من الدورة الطبيعية لتغير المناخ الكوكبي التي لا نهاية لها.
إلا أن معظم العلماء واثقون من أن وجود احترار كوكبي بفعل الإنسان هو أمر واقع.
بدا تصاعد درجات الحرار على سطح كوكب الأرض في المئة والخمسين عاما الماضية، بصورة غير مسبوقة في الألف سنة الماضية، وبات جليا أن البشر قد لعبوا دورا حاسما في تلويث مناخ الكوكب، من خلال قطع أشجار الغابات بهدف إخلاء الأرض من دون تخطيط، ثم هناك الزراعة التي انتقلت من الطرق الطبيعية إلى الآليات الصناعية، عطفا على استخدام الوقود الأحفوري، ما أدى في نهاية الأمر إلى رفع مستوى غازات الاحتباس، ولا يبدو أن السبل المتبعة لإنقاصها مجدية، سيما في ظل الوعود البراقة والكلامية، ومن غير خطة أو أجندة حقيقية تعدل الأوضاع وتبدل الطباع.
مهما يكن من أمرالسبب وراء الاحتباس الحراري، يبقى التساؤل: "كيف ستتغير ملامح الحضارة البشرية بسبب التغيرات المناخية؟
يمكن القطع أول الحال بأن جغرافيا العالم القديم، تلك التي عهدناها خلال الألفي عام الماضية سوف تتغير، لا سيما في ظل ذوبان الأقطاب الجليدية، ومن ثم ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، ما يعني أن العديد من المدن الساحلية، وبخاصة ذات الإرث التاريخي منها، كالإسكندرية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، سوف تطمرها المياه وتختفي من على وجه الخارطة الجغرافية.
لا يعني ذلك أن المدن الحديثة لن ينالها قسط وافر من الهلاك والدمار، فقد تداولت العديد من الصحف الأميركية مؤخرا أنباء عن غرق محتمل لمدينة نيويورك على الشاطئ الشرق للولايات المتحدة الأميركية، من جراء تحرك جبال ثلج بحجم مدن من القطب الشمالي.
التغير الديموغرافي، بما يستتبعه من تغيرات في النوعية السكانية لدول كبيرة شاطئية تنتقل إلى العمق، سوف يفقد شرائح واسعة من البشر لمسات ولمحات التثاقف التي درجت عليها، من جراء اختلاطها بأجناس البشر، في المدن الكوزموبولتينية، ما يعني انكسار الحضارة لصالح الترييف.
من معالم الحضارة المتغيرة كذلك، اختفاء مساحات جغرافية واسعة في مناطق بعينها من العالم، من جراء ارتفاع درجات الحرارة إلى ما فوق 70 درجة مئوية، ومن أسف فإن هناك مساحات واسعة وشاسعة في الشرق الأوسط والخليج العربي مرشحة لأن تكون موقعا وموضعا لتلك الهجمات الإيكولوجيا، ما يطرح علامة استفهام عن مآلات الحضارات البشرية القائمة في تلك المواقع والمواضع، وهل ستتحول إلى مجرد صفحات في كتب التاريخ وموسوعاته، أم ستضحى متاحف طبيعية مفتوحة تخبر عن أقوام عاشوا فيها؟
تشكل الحضارة البشرية مرة أخرى بسبب التغيرات المناخية، يطرح علينا تساؤلات جدية وجذرية منها شكل العلاقات الدولية، وهل سيكون عالم البشر ميالا إلى السلم أم ينزع إلى الحروب والصراعات؟
المرجح أن التاثيرات البيئية المنتظرة، سوف تحرم الكثير من القابلية للعيش في مكان المولد والنشأة، الأمر الذي سيولد تيارات من الهجرة، كفيلة بإدخال البشر في صراعات حدود لا تتوقف.
يبدو الناظر اليوم للعلاقة بين جانبي المتوسط، وكأنه أمام إشكالية صعبة، من جراء هجرة الآلاف من الأفارقة شمالا أي جهة أوربا، الأمر الذي يجعل المؤرخين يعاودن فتح كتب التاريخ، والتوقف عند ما جرى للإمبراطورية الرومانية، وكيف أن هجرات قبائل الفندال قد أسقطتها.
هل ستغيب الحضارة الأوروبية من فوق سطح الأرض، حال مضى الأفارقة هربا من لهب بلادهم التي سيصيبها التصحر، يبدو الاحتمال واردا وربما بقوة، وهو ما ينسحب كذلك على شعوب قارة أميركا اللاتينية، التي ستمضي بدورها زاحفة نحو قارة أميركا الشمالية، قاصدة الولايات المتحدة الأميركية، وكندا بنوع خاص، وستكون حجتها كذلك الاضطرابات والقلاقل المناخية، وعدم القدرة على استمرار الحياة كما كانت من قبل.
أدى التغير المناخي إلى تراجع العصر الجليدي، قبل بضعة آلاف من السنين، ليفسح الطريق إلى جو أدفأ هو الصيف الطويل الذي مازلنا نعيش فيه.
تفاعل المناخ مع العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وأنتج في النهاية الثورة الزراعية، حيث تجمع الناس في قرى ومدن، وخرجت من الرحم اقطار متحضرة، كما في الحضارتين الفرعونية والسومرية.
اليوم تبدو العوامل المناخية من ذوبان الثلوج، وفيضات وتسونامي، من تصحر وجفاف وقلة أمطار، لها دورها في انهيار حضارات ودول بأسرها.
من ينفخ في بوق القرن ليوقظ البشرية، قبل أن يداهمها قطار التغيرات الإيكولوجيا المخيف القائم والقادم؟