هل القارة الآسيوية على موعد مع قدر مقدور في زمن منظور، لتشهد أراضيها مرة جديدة، انفجارا نوويا، بعد ذاك الذي عاصرته في زمن الحرب العالمية الثانية، حين ضُربت مدينتا هيروشيما ونجازاكي بالقنابل النووية، ولو كانت صغيرة الحجم وبدائية في ذلك الوقت؟
تبدو القارة البعيدة في أقصى الشرق أمام ثلاثة ملفات مقلقة، بدءا من الصراع الروسي- الأوكراني، ومرورا بالمواجهات الصينية – الأميركية، وصولا إلى آخر فصول الصدام المحتدم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في الأيام القليلة المنصرمة.
أما الملف الأول فيزداد سخونة هذه الأيام، وبخاصة في ظل الحديث المتصاعد عن الهجوم الأوكراني المضاد الذي تتحدث عنه كييف، وقد جاء على لسان وزير خارجيتها ديمتري كوليبا، أنه سيجري في الربيع، وسيسمح بتحرير كامل الأراضي الأوكرانية.
ولأن الربيع فصليا لم يتبق له الكثير، وقبل دخول الصيف، لذا يكاد المرء يرصد توجها عسكريا أوكرانيا، بدعم أميركي وبريطاني ثقيل، تستخدم فيه ربما أسلحة مغايرة لأول مرة منذ اندلاع أعمال العنف، بما في ذلك الدبابات المقدمة من بريطانيا وأميركا وألمانيا، ناهيك عن الحديث المحتمل بشأن إستخدام اليورانيوم المنضب في المعركة.
هل سيقف القيصر بوتين مكتوف الأيدي، في مواجهة مثل ذلك الهجوم الضاري حال حدوثه؟
لعل ما حدث قبل أسبوع تقريبا، من نجاح قوات عسكرية أوكرانية في إنشاء مواقع على الجانب الشرقي من نهر دنيبرو، يفتح الباب واسعا لتكهنات بشأن الهجوم الذي ستجد روسيا نفسها في مواجهته.
تكاد هذه التحركات الظاهرة، وغيرها الخفي، أن تفسر لنا تصريحات ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، والذي قطع مؤخرا بأن احتمال نشوب حرب نووية ليس قائما فحسب، بل آخذ في الازدياد، مضيفا أن العالم مضطرب ومن المحتمل جدا أن يكون على شفا حرب عالمية جديدة.
ميدفيديف، لم يوفر الحديث عن استعدادات بلاده لاستخدام السلاح النووي، إذا تعرضت لعدوان يهدد بقاءها، معتبرا أنه يتعين على منافسي روسيا ألا يقللوا من إمكانية استخدامها للسلاح النووي.
هل من تأكيد أشد وأوثق من كلمات الرجل الذي رأس روسيا من قبل، ويعرف أسرار ترسانتها النووية، ومتى وكيف تدار، وبأي آليات توجه ونحو من، إلى نهاية الأسئلة المخيفة التي تدفع رحم البشرية لجهة العقم؟
من الملف الروسي إلى الصيني الأميركي، حيث سيولة التصريحات التي أعقبت مناورات الصين مؤخرا، تزعج القاصي والداني، أوربيا كان أو أميركيا، ناهيك عن الآسيوين أنفسهم.
لا يتوقف الخلاف الصيني الأميركي عند حدود أزمة تايوان، والتي يمكن أن تشعل حربا نوويا فعلية، حال قررت بكين المضي قدما في طريق إعادة الجزيرة المشاكسة في تقديرها، إلى التراب الوطني الصيني، بل يمتد إلى ما يجري في القرب منها، وتحديدا في مياه المحيط الهادئ، هناك حيث الجزر المتنازع عليها، والموانئ الأسترالية التي تنتظر غواصات أميركية الصبنع، تعمل بالطاقة النووية، ورغم الإعلان الرسمي بأنها لا تحمل أسلحة نووية، إلا أن جنرالات بكين لا يثقون في واشنطن، فقد تجهزوا يوم الهجوم على الكونغرس، لملاقاة الولايات المتحدة الأميركية نوويا، لولا تطمينات الجنرال مارك ميلي رئيس الأركان لنظيره الصيني.
ولعل التساؤل الحاضر هل ينتظر الصينيون الصواريخ النووية الأميركية، المختبئة حكما في غواصات أستراليا، لتطال الحواضن الصينية الكبرى، أم أنهم سيبادرون عند لحظة بعينها إلى فعل القارعة الذي لا يصد ولا يرد، لتشتعل ألسنة اللهب التي لا تطفأ، والنار التي لا تبرد لا قدر الله.
السيناريو الثالث، والذي يجعل فكرة الحرب النووية في تلك القارة واردة وبقوة، موصولة بكوريا الشمالية، والتي لا يستبعد المعهد الدولي للإستراتيجيات السياسية والاقتصادية الروسي، أن تكون نقطة اشتعال حرب نووية، بسبب تعرضها للاستفزازات الأميركية.
الذين تابعوا زيارة رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، للولايات المتحدة، راعهم الإعلان عن نية واشنطن الخاصة بإرسال غواصة نووية إلى كوريا الجنوبية، لتعزيز قدرات الردع في مواجهة كويا الشمالية.
وحسب وكالة فرانس برس، أكد المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه أنه سيتم الإعلان عن نشر الغواصة المجهزة بصواريخ باليستية ذات قدرات نووية في إطار "إعلان واشنطن" الذي سيقره الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الكوري الجنوبي.
عطفا على ما تقدم تبدو هناك تساؤلات مدعاة لقلق دول جوار كوريا الجنوبية مثل الصين، وسببا في جن جنون القيادة السياسية لكوريا الشمالية، وهي المعروفة بحساسيتها البالغة، فقد أوردت مجلة الفورين بوليسي الأميركية ذائعة الصيت في عددها الأخير، وعلى لسان "دوغ باندو " المستشار الخاص السابق للرئيس رونالد ريغان، أنباء عن احتمال قيام واشنطن بالسماح لكوريا الجنوبية بإمتلاك أسلحة نووية.
لا يمكن قراءة رد فعل رئيس كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، على التحركات والخطوات الأميركية الأخيرة، إلا في ضوء حوادث مشابهة، بعضها جرت به المقادير في زمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ففي العام 2017 أرسل ترمب مجموعة من القوات البحرية الأميركية إلى شواطئ كوريا الشمالية من بينها حاملة الطائرات " يو إس إس كارل فينسن"، وسفن مرافقة لها، وردا على ذلك كشف الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ أون عن امتلاك بلاده عشرات المنشآت لإطلاق الصواريخ الباليستية والأسلحة النووية.
هل سيمضي أون في طريق تهديداته السالفة الذكر هذه المرة، أم أنه في ضوء الأخطار الواسعة والمتقدمة، ربما يضحى المشهد أكثر هولا؟
أون قبل ستة أعوام، لم يتوان عن إنذار أميركا باستخدام الرد الساحق الماحق، الذي لا يصد ولا يرد عبر الضغط على أزرار الصواريخ التقليدية، وربما النووية، حال تطلب الأمر، لتطال كوريا الجنوبية، وجزر هاواي، واليابان، وجزيرة غوام، والقواعد العسكرية الأميركية الأخرى القريبة في المحيط الهادئ، ولم يستبعد أن تصل صواريخه إلى الساحل الغربي من الولايات المتحدة الأميركية، حال مضى الناتو في تهديده بلاده.
هنا، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن مفاتيح القرار الكوري الشمالي في يد القيادة الصينية، وآية تهديدات لبيونغ يانغ هي تهديدات لبكين، ما يعني أن كافة الطرق تؤدي إلى نفس النتيجة الصدامية المخيفة.
هل ينجو عالمنا المعاصر من حالة الجنون النووي التي باتت مخيمة على سماوات الكرة الأرضية.