توقيت القاهرة المحلي 10:18:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب

  مصر اليوم -

جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب

بقلم - إميل أمين

في طريقها لتعزيز التحالف الحضاري، ونشر السلام، بين كافة الأمم والشعوب، دشنت رابطة العالم الإسلامي في نيويورك الأسبوع الماضي، مبادرة جديدة جاءت تحت عنوان " بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب".

المبادرة الأحدث في سلسلة أعمال الرابطة التي تبغي تغيير وجه العالم، جاءت في وقت قيّم وفاعل، حيث العالم يعاود الشكوى من صحوة القوميات، وصراع الهويات القاتلة، ناهيك عن انبثاق الشوفينيات الضارة شرقا وغربا.

يمكن القطع بأن جهود رابطة العالم الإسلامي، في حاضرات أيامنا، باتت علامة مضيئة في طريق تعديل الأوضاع وتغيير الطباع، لجهة عالم أكثر إنسانوية، تتعايش فيه الحضارات لا أن تتناحر، وبهدف الوصول معا إلى ميناء الخلاص فرادى وجماعات، وهذا كله ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والتي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث طاقات النور من التغيير والتطوير تنفتح من السعودية، على كافة أرجاء العالم.

في كلمته الافتتاحية أشار معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور عبد الكريم العيسى، إلى أهمية تعزيز التحالف الحضاري، موضحا كيف أن لكل حضارة هويتها الخاصة بها، التي لابد من تفهم حقها في الوجود، مهما كان الخلاف معها.

تنطلق جهود الرابطة في سياق التواصل والتعارف بين الأمم والشعوب، من نداء إلهي في كل الشرائع السماوية، وفي الإسلام تحديدا، تقول الآية القرآنية الكريمة: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
تحمل هذه الجهود عالمنا المعاصر على قبول فكرة التنوع والتعددية، كحكمة ربانية، ومن هنا يتضح جليا أن القول بحتمية ذوبان أو انصهار الحضارات الإنسانية في حضارة واحدة، أمر غير ممكن تحقيقه في الحال أو الاستقبال.

تعلمنا تجارب الأمم السابقة أن أفضل تعريف لفكرة الحضارة، هو اعتبارها وعاء للمساهمات البشرية عبر التاريخ، صب فيه البعض حال الفيض، وأخذ منه البعض الآخر وقت الجدب، وبهذا باتت الحضارة شراكة إنسانية واحدة.

ولعله من أصدق القول، في حديث الشيخ العيسى، إن التاريخ الإنساني من حين لآخر، يزودنا بصور مؤلمة لنتائج صدام حضاري بين الشرق والغرب نشا في بدايته عن تبادل النظرات والعبارات الحادة، على الرغم من القرب الشكلي من بعض، إضافة إلى استدعاء أحداث تاريخية سياسية ومادية لا تمثل حقيقة الوعي الروحي لأتباع الأديان ولقاء الأمم والشعوب، وإنما يتحملها أصحابها سواء صدرت عن بعض المحسوبين على الشرق أو الغرب.

جهود الرابطة في واقع الأمر ومن خلال متابعة دقيقة في السنوات الأخيرة، تقودنا إلى القطع بأن هناك نوايا صالحة للعبور فوق جسور الاتفاق، ومغادرة دروب التشظي والافتراق.

ما يخرج اليوم من قلب المملكة العربية السعودية، ومن جديد في سياق رؤية التنوير 2030، لهو من صميم الثقافة العربية والإسلامية، تاريخيا وتراثيا، حضاريا ومعرفيا، تلك الحضارة التي اهتمت بالآخر والحوار معه، ووضعت منهجا ثريا للحوار سمّته بالمناظرة، بينت فيه أصول الحوار وقواعده وشروطه وضوابطه، ونظرت إلى الحوار بوصفه معرفة ويؤدي إلى معرفة، وسيلته الأساسية السؤال الهادف إلى الحصول على المعرفة الموضوعية.

على سبيل المثال لا الحصر، نصح الأديب العربي الكبير الجاحظ في رسائله بعدم تعصب الإنسان لرأيه إذا تبين خطؤه، ونهى عن العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم، والحمية التي لا تبقي دينا إلا وأفسدته ولا دنيا إلا أهلكتها".

أما الفيلسوف والأديب والمتصوف العربي الكبير، أبو حيان التوحيدي، ففي كتابه "الإمتاع والمؤانسة"، فقد تطرق إلى أهمية الحوار وشروطه فبين أن الهدف من المناظرة هو معرفة الحقائق التي عند كل طرف من أطرافها، لأن لكل أمة فصائل ورذائل، ولكل قوم محاسن ومساوئ، ولكل طائفة من الناس في صناعتها وحلها وعقدها كمال وتقصير.

تقوم رابطة العالم الإسلامي في فعالياتها ومبادراتها، على إدراك ما أدركه علماء المسلمين وفلاسفتهم، من أن الإنسان لا يمكن أن يملك الحقيقة كاملة، وهو ما نجده عند أحد علماء السنة، أوبو الفتح الشهرستاني، في مؤلفه العمدة "الملل والنحل"، حيث يؤكد على أن "الحق والحقيقة منبتان في كل ملة ونحلة، وأنه لابد من ضوابط وقواعد للحوار لئلا يمس جدلا وعنادا".

تفتح مبادرة " جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب" أعيننا على حقائق بشرية لا مناص عن الإقرار بها، وفي مقدمها القول بأن الجور طبع في الإنسان، أما العدل فهو تطبع، وكما أن الظلم السياسي تلقائي من الطبيعة البشرية، فإن الإنصاف تكلف ومجاهدة، لذلك الأديان كلها جاءت برسالة تحقيق العدل.
أنفع وأرفع ما تقدمه رابطة العالم الإسلامي اليوم، أنها تفتح وسط تضاريس الكراهية مسارات للمودات، وعوضا عن دعوات الصدام، تسعى في تأكيد مدارات الوئام.

ولعله من نافلة القول، أن كل ما يحتاجه الشر لينتصر هو أن يقف أهل الخير أمام مشاهد الظلم دون أن يفعلوا شيئا، أما حين تتضافر جهودهم وتتراص صفوهم دعما لكل ما هو خير وعدل وحق، فإنهم بذلك يضحون قادرين على تغيير مآلات عالمنا المعاصر.

دعوة الرابطة التي انطلقت من الأمم المتحدة في نيويورك، ووجدت صدى طيبا عند كافة المشاركين في هذا الحدث الكبير والبناء، أجملها الشيخ العيسى في دعوته للجميع من أجل تمحيص التاريخ الإنساني وقراءته قراءة صحيحة، والتنبه إلى ما في بعضه من تزوير أو مبالغة أو تحليل خاطئ أو متطرف.

وفي جميع الأحوال فإن سبيل العقلاء هو حكمة الحوار الفاعل والمثمر واستيعاب طبيعة هذه الحياة التي نتشارك العيش فيها كما تشاركنا متاعبها، وأقرب مثال لذلك جائحة كورونا التي طالت الجميع دون استثناء.
هل المبادرة الأحدث للرابطة نتاج مثمر لوثيقة مكة المكرمة التي أبرزت حقيقة الإسلام تجاه أتباع الأديان والحضارات وعدد من القضايا المُهمة في عالمنا؟
مؤكد أن الأمر بالفعل على هذا النحو .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon