عاشت مصر نهار الجمعة الماضي يوما مثيرا، ترقب فيه الجميع بخوف وقلق ما يمكن أن يحدث، لاسيما بعد الحشد البروباغندي والإعلامي المكذوب، من قبل أبواق للشر، لا تخفي عن الأعين، وكذلك من يتلاعبون بتلك الأصوات الشواذ والنشاز، والهدف الرئيس لهولاء وأولئك إحداث أكبر الضُر بالكنانة.
غير أن الأقدار العلوية، قدرت لمصر والمصريين، نصرا مؤازرا في ذلك النهار، حيث تمتعت جميع أنحاء البلاد، بحالة من الهدوء والسكينة، وامتلأت الأجواء بالراحة النفسية، في نهاية اليوم، واضعة بذلك نهاية لقلق في النهار وأرق في الليل، استمر بفعل دعاة الشر، بضعة أسابيع.
ما الذي حدث على وجه الدقة، وما هي ورائيات المشهد، من غير تهوين أو تهويل؟
يستدعي الأمر، العودة إلى نحو قرن ونصف من الزمان، أي مع نهضة مصر الحديثة، في زمن محمد علي، حيث بدأت علامات الصحوة على المصريين، بفضل التفكير العلمي الممنهج لوالي مصر، غير أن تلك الاستفاقة لم يقدر لها أن تمضي قدما، وانتهت بهزيمة الأسطول المصري أمام القوى الأوربية بالقرب من اليونان.
تاليا تعرض الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي، إلى انتكاسة مماثلة من قبل الجيش الإنجليزي، والذي احتل مصر، لتنسحق الإرادة المصرية من جديد، ويستمر المشهد وصولا إلى العام 1919، ومع سعد زغلول، تهب مصر مطالبة بحريتها واستقلالها، فيتم إجهاض الهبة المصرية من جديد.
وبالمضي في عقود الفترة الليبرالية بدءا من العام 1922، نجدها تنتهي في العام 1942، وبتدخل المحتل الأجنبي مرة أخرى، لتصل المحروسة إلى عام 1952 وثورة الضباط الأحرار.
من ذلك التاريخ، وحتى العام 1967، عاشت مصر عصر البناء الداخلي، فعرفت صعود القطاع العام الذي صد شر الحاجة، وبنيت المصانع الكبرى، وبدأت مسيرة من السعي نحو العدالة الإجتماعية.
غير أن تلك التجربة بدورها، تكسرت نهار الخامس من يونيو من ذلك العام، ولم تتعاف مصر الإ بعد نصر أكتوبر من العالم 1973، والذي اعتبر انتصارا عربيا، وهذا صحيح، حيث تضافرت جهود الأشقاء العرب لنصرة مصر، وإن ينس المرء، فإنه لا ينسى مواقف الشقيقة السعودية والملك فيصل رحمه الله، ودور سلاح النفط، وبالقدر ذاته موقف الشيخ زايد، المتطابق، رحمة الله عليهما.
والشاهد أنه حين حل 25 يناير 2011، كانت مصر على موعد متجدد مع الأقدار التي تستهدف وجودها لا حدودها، فمن خلال الطابور الخامس، الذي لا يخفى عن أحد، تعرضت البلاد إلى هزة قاتلة، لولا جسارة ووطنية المؤسسة العسكرية المصرية، والتي لبت نداء الشعب، الذي خرج من الأزقة والدروب، إلى كافة الميادين، مطالبا باستنقاذ مصر، وهو ما كان في 30 يونيو 2013.
بحلول العام 2014، بدأت مصر مسيرة جديدة، من إعادة اللحمة والسدى من جهة، ومن مراحل إعادة البناء من ناحية ثانية، وبدون تزيد، يمكن للزائر أن يرى بأم عينيه، حال العمار والانتشار العمراني، في صحاري مصر، وشواطئها، ومقدار العمل الذي بذل، والأهداف التي يتم إدراكها، لصالح الأجيال القائمة والقادمة.
أما الحديث عن المؤسسة العسكرية المصرية، وتطوير قدرات الجيش المصري، فهو أمر للمرء أن يحدث عنه ولا حرج، ويكفي الرجوع إلى الموسوعات والمواقع العسكرية الدولية، ليدرك موقع وموضع هذا الجيش الوطني، في الترتيب العالمي، وكيف أنه درع البلاد وسيفها.
استطاعت مصر خلال السنوات الثماني الماضية، الوقوف في وجه التحديات الأمنية الداخلية، وكذا مجابهة المؤامرات الظلامية الخارجية، وعلى الرغم من الأجواء العالمية القلقة والمضطربة، خلال عامين من انتشار فيروس كورونا، فإن الأسواق المصرية لم تنقص منها سلعة ما، ولم يعوز الأسر المصرية، أي من مقدرات الحياة، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الحديث يدور عن أكثر من مائة مليون نسمة، يتطلعون صباح مساء كل يوم للخدمات الإنسانية، من طرق ومواصلات، من صحة وطبابة، من تعليم وتدريب.
جاءت الحرب الروسية – الأوكرانية، لتضع المزيد من الأعباء على كاهل الإدارة المصرية، وعلى المواطن المصري، اقتصاديا أول الأمر، ومن هنا اعتبر البعض أن الأمر يمكن أن يضحى، "ثقبا دوديا للزمن "، وهو ما يدركه دارسو علوم الفلك، للنفاذ إلى قلب مصر، ومحاولة توجيه طعنة غادرة لها، تعمل على وقف تجربتها التنموية الصاعدة، رغم كافة الظروف الصعبة المحدقة بها.
تتطلب الموضوعية والموثوقية التساؤل: "هل يعني ما نقوله إن الأوضاع المعيشية في مصر طوباوية طهرانية، وأنه لا توجد تحديات أو عقبات تواجه الجميع؟
نفارق الصدق إن قلنا إن ذلك كذلك، لكن الشيء المبهج للنفس، أنه رغم تلك العقبات، فإن الوعي المصري، أكد في الساعات الماضية على أن المصريين جدار صلد، لا يمكن أن ينهار من قبل فئة باغية ضالة، يتم التلاعب بها كعرائس المسرح، من الذين لا يحملون الخير لمصر ولا شعبها.
نهار الجمعة كانت مصر تعيش انتصارات لا انكسارات، ففي شرم الشيخ، مدينة السلام، كان الرئيس الأميركي يحط رحاله، ويؤكد على أن مصر أم الدنيا، ويشدد على عمق العلاقات الأميركية المصرية، وتساهم بلاده ب 500 مليون دولار دعما للتحولات الخضراء في أرض كيميت.
يحتاج الحديث عن نجاحات مؤتمر المناخ العالمي، كوب 27، إلى حديث قائم بذاته، وبخاصة بعد أن أثبتت مصر قدرتها على تنظيم حدث عالمي على هذا المستوى من دقة التنظيم، ووضح الرؤية، وسلاسة الحركة من غير أدنى إشكاليات.
الجمعة 11-11، والذي كان الكارهون يودون أن يضحى نهارا مظلما، استدعى حكمة سبعة آلاف سنة كامنة تحت الجلد المصري، لينتصر النور وينكسر الديجور.