توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمريكا ..هل لاتزال بوتقة انصهار ؟

  مصر اليوم -

أمريكا هل لاتزال بوتقة انصهار

بقلم - إميل أمين

أحد الأسئلة التي باتت تطرح وبقوة اليوم في الداخل الأمريكي، هو ذاك المتعلق ببنيتها الهيكلية، وما إذا كانت لا تزال قولا وفعلا، بوتقة انصهار Melting pot، أم أن حقائق الواقع الجديد، باتت تتنكر لهذا المفهوم، بأبعاده السسيولوجية المتعارف عليها منذ بدايات النشوء والإرتقاء.

لطالما اعتبرت الولايات المتحدة أمة من المهاجرين، ولكن الأهم والعهدة هنا على عالم الاجتماع الأمريكي الشهير، صموئيل هنتنجتون، في مؤلفه المثير "من نحن" who are we? أنها كانت أمة أدمجت المهاجرين والمتحدرين منهم في المجتمع والثقافة.

عاش المهاجرون إلى أمريكا بأريحية بلغت حد أنهم أصبحوا مندمجين لدرجة أنهم تبنوا النماذج الثقافية للمجتمع المضيف، كما انضموا إلى شبكة من الجماعات والمؤسسات أو الهيكل الاجتماعي للمجتمع الجديد الذي فتح لهم أبوابه.

أكتسب الملايين من المهاجرين الجدد إلى أمريكا أرض الأحلام عادات وطباع "الواسب" "البيض البروتستانت الأنجلو ساكسون"، واكتسوا شعورا خاصا بتوفر مقومات الشعب التي تربطهم بالمجتمع الأمريكي.
هل هذا الاندماج اليوم أصبح أمرا عسيرا، وعما قريب يمكن أن يتحول إلى أثر بعد عين؟
قبل الجواب دعونا نتوقف مع العوامل التي هيأت الاندماج منذ قرنين ونصف من الزمن، قبل أن تتغير الأوضاع وتتبدل الطباع، وتصل أمريكا إلى حد المواجهة، لا بين البيض والسود، كما جرت الأزمات المجتمعية التقليدية، ولكن بين تيارين داخليين، بيوريتانيين من جهة، يقطعون بأنهم في عمق أزمة هوية ديموغرافي قاتلة من جهة، وجاكسونيين يرفضون واقع البيوريتانيين، وملامحهم ومعالم حياتهم، ويسعون في طريق الحفاظ على هوياتهم التي حملوها معهم من بلادهم.

باختصار غير مخل، هناك كثير من العوامل التي سهلت في الماضي اندماج المهاجرين في المجتمع الأمريكي، فقد جاء معظمهم من مجتمعات أوربية بثقافات مشابهة أو متطابقة مع الثقافة الأمريكية.
قامت الهجرة على الإختيار الذاتي، فقد كان على المهاجرين أن يكونوا راغبين في مواجهة تكاليف الهجرة الكبيرة ومخاطرها، كما كانوا متلهفين بوجه عام ليضحوا أمريكيين.
في الوسط من هؤلاء وجد بعض المهاجرين، لاسيما الذين لم يتحولوا إلى اعتناق القيم الأمريكية والثقافة الغربية عامة، بجانب طرق الحياة، أنفسهم أمام خيار العودة طواعية من حيث أتوا، وبهذا كانوا متسقين مع أنفسهم، ومن دون أن يتسببوا في أدنى صراعات مجتمعية داخلية.

وفد المهاجرون من دول عديدة، ولم تكن هناك دولة واحدة أو لغة واحدة مسيطرة في وقت من الأوقات.
توزع المهاجرون إلى أحياء اثنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة ، ولكن بدون قيام جماعة واحدة من المهاجرين بتكوين أغلبية من السكان في منطقة معينة أو مدينة كبرى.

كانت الهجرة متقطعة، تخللتها لحظات توقف وانخفاض أعداد المهاجرين سواء بشكل شامل أو بالنسبة لكل دولة على حدة.
قاتل المهاجرون وقتلوا في حروب أمريكا، وتقاسموا مفهوما مشتركا وواضحا بشكل معقول ، وبشكل إيجابي مرتفع عن الهوية الأمريكية، وقاموا بأنشطة وأنشأوا مؤسسات ووضعوا سياسات لدعم أمركة المهاجرين.
متى بدأ التغير الحقيقي في تلك العوامل، والتي ربما تقود الولايات المتحدة الأمريكية يوما قريبا، إلى تفكك الاتحاد الذي يجمعها، ويضعها أمام استحقاقات سيناريو مشابه، لذاك الذي حدث في الاتحاد السوفيتي، أوائل العقد التاسع من القرن الماضي؟
بحسب العديد من المؤرخين الأمريكيين، ومنهم "هوارد زين"، صاحب أكبر موسوعة عن "التاريخ الشعبي" للولايات المتحدة الأمريكية، فإنه بداية من العام 1965، بدت هذه العوامل المحفزة للاندماج كأنها غائبة أو ذابت أكثر مما كانت عليه في السابق.

هنا ربما ينبغي البحث عن الأعراق الجديدة التي حطت رحالها في الداخل الأمريكي، وفي المقدمة منها المهاجرين الأسبان اللاتين، أصحاب الثقافة المغايرة تماما لجذور المتطهرين أو البيوريتانيين، الذين هجروا أوروبا، هربا من العسف والخسف الدوجمائي للقرون الوسطى، والذين كانوا في مجملهم"أنجلوساكسون".

لم يكن من اليسير بالنسبة لأحفاد حضارات مثل ،"المايا" و "الأزتيك"، بأفكارهم وطقوسهم، عاداتهم وعباداتهم، الاندماج بهذه الصورة المغرقة في الثقافة ذات الجذور الإنجليزية.
والشاهد، أنه إن كان سكان أمريكا اللاتينية، القريبين جغرافيا من الولايات المتحدة، إلى درجة اعتبار القارة اللاتينية من منظور سياسي، الخلفية اللوجستية لواشنطن، فإن هناك هجرات أخرى عرفت طريقها للولايات المتحدة، جاءت من بعيد جدا، من القارة الآسيوية، من الصين الكونفوشيوسية، ومن الهند حيث طوائف السيخ والهندوس، البعيدة تماما عن الأطر الإبراهيمية.

أما الهجرات العربية، فقد عرفت أمريكا موجتين منها، الأولى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبدأت من منطقة بلاد الشام، وكان جلهم من المسيحيين العرب، الذين توجهوا إلى دول أمريكا اللاتينية أول الأمر، ومنها تاليا إلى أمريكا الشمالية، فيما الموجة الثانية بدأت بعد هزيمة العام 1967، والانكسار النفسي الذي لازم شباب عربي، خدع بالشعارات القومية الناصرية بنوع خاص.

اليوم وبعد نحو ستة عقود، تجد أمريكا ذاتها في أزمة هوية حقيقية، سيما في ضوء المخاوف الشديدة الوقع، والتي تنتاب الرجل الأبيض، ذلك أنه فيما يعتبر نفسه صاحب الإرث العرقي الكبير والأصيل في أمريكا، حتى وإن كان إرث سليب من أصحاب البلاد الأصليين من الهنود الحمر، يجد ذاته أمام واقع إحصائي يرعبه...لماذا؟
الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، وتحمل بشرى غير سارة للواسب، تتمثل في أنهم بحلول العام 2040، أي خلال نحو عقد ونصف من الزمن، وهو سنوات تعبر مثل البخار، ستنكمش أعدادهم وتتراجع إلى ما دون 40% من سكان البلاد.
هل هذا هو السبب الرئيس لصحوة القوميات والنزعات العنصرية الأمريكية الداخلية؟
غالب الظن أن الأمر تجاوز الصحوة، إلى رفض متوار اليوم لفكرة الاندماج وبوتقة الانصهار، وقد يأخذ الأمر شكلا من أشكال الرفض العنيف، عما قريب.

هذا القريب قد يكون أوانه الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة 2024، والتي ستجري في وسط احتقان مجتمعي أمريكي داخلي، حيث تتكالب الصراعات ذات المسحة الاجتماعية والجذور العرقية، قبل أن تحتدم المنافسة السياسية.

هل في المشهد خطورة ما على أمن وسلام العالم؟
قد لا يكون ذلك في المدى المنظور، لكنه في كل الأحوال ليس بعيدا، سيما في ظل دعوات الإانفصال التي ترتفع يوما وراء يوم، في ولايات ذات شأن عالي القيمة والأهمية، كما الحال في كاليفورنيا وتكساس بنوع خاص، وساعتها ستختفي أمريكا الوازنة، كقدر مقدور في زمن منظور ما يخل بالبناء الاستراتيجي العالمي، وللأمر حديث قادم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمريكا هل لاتزال بوتقة انصهار أمريكا هل لاتزال بوتقة انصهار



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon