هل بدأت التغيرات المناخية تفرض ذاتها على القوى السياسية القطبية حول العالم، لتجعل الأولوية لمعالجة أزمات الطبيعة التي تداهم البشر في حاضرات أيامهم، بأكثر ربما من الالتفات إلى قضايا الصراع السياسي؟
تساؤل ارتفع الأيام القليلة الماضية في أعلى عليين، سيما بعد زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين للصين، ودعوتها لتعزيز التعاون بين واشنطن وبكين في التصدي للتحديات العالمية.
في مقدمة تلك التحديات، تناولت يلين، إشكالية التغير المناخي، والذي اعتبرته مهددا وجوديا، ودعت الصين في نفس الوقت لتصبح أكثر مشاركة في جهود التمويل لمكافحة التغير المناخي ودعم الأدوات القائمة مثل صندوق الاستثمار المناخي.
ليس سرا أن واشنطن وبكين، يقع عليهما العبء الأكبر في عملية مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، انطلاقا من كونهما أكبر قوتين صناعيتين حول العالم.
عطفا على ذلك فإن انسحاب واشنطن لسنوات من اتفاقية "كيوتو "، أعطى لبكين الوازع والمبرر للمضي قدما في استخدام الفحم الكربوني، الأمر الذي تسبب في زيادة تلوث مناخ الكرة الأرضية.
هل قلبت الطبيعة في الأيام القليلة المنصرمة لأميركا والصين، ترس المجن، كما يقال، ومن هنا جاءت دعوة يلين، والتي تجاوزت بقية نقاط الخلاف الجوهرية بين البلدين، من رقائق إلكترونية، وصراعات استخبارية، كما الحال من حول محطة التنصت التي تتهم واشنطن بكين ببنائها في كوبا، إضافة للعديد من المرتكزات الملتهبة كما الحال مع تايوان وبحر الصين الجنوبي؟
لتكن البداية من الولايات المتحدة الأميركية، والتي تتعرض هذا الصيف لموجات من الحر الشديد، خصوصا في ولايات أريزونا وتكساس ونيو مكسيكو ولويزيانا، ومناطق واسعة من كاليفورنيا، حيث تصل درجات الحرارة إلى أربعين درجة مئوية.
في الوقت عينه تشير التوقعات إلى أن الجو الحار قد يزداد سوءا ليصل إلى معدلات لا يستبعد خبراء أن يكون الاحترار المناخي أحد أسبابه، والعهدة على الواشنطن بوست.
المثير في حالة الطقس في الجانب الأميركي، أنه ما من أحد ولا حتى خبراء الطقس، قادر على تحديد موعد ثابت لانكسار هذه الموجات، رغم الاستعانة بنماذج الحاسوب التي تتنبأ بالطقس عادة لمدة تصل إلى 16 يوما، ما يعني أن الأميركيين على موعد مع موجة حر غير مسبوقة.
الحديث عن ارتفاع درجات الحرارة في الداخل الأميركي، لا سيما في الجانب الغربي بالقرب من المحيط الهادئ، يعني المزيد من موجات الحرائق القاتلة في الغابات، والتي درجت على الاشتعال سنويا في العقدين الأخيرين.
هل الصين أفضل حالاً مناخياً من أميركا؟
أوائل الأسبوع الماضي، سجلت درجات الحرارة في الصين مستويات قياسية، إذ ارتفعت إلى ما فوق 35 درجة مئوية، ولمدة عشرة أيام متوالية، وهي أطول سلسلة من نوعها منذ عام 1961.
بلغت الحرارة في الكثير من مدن الصين، نحو 40 درجة مئوية، ما دعا الحكومة الصينية أرباب العمل في بكين تحديدا، بوقف العمل في الهواء الطلق، كما صدرت أوامر ببقاء كبار السن والمرضى هادئين بعد أن أعلنت المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة إنذارا أحمر، وهو أعلى مستوى طوارئ للتحذير من درجات الحرارة القصوى.
تسبب الاحترار المناخي في الصين كذلك في حدوث فيضانات أجبرت الآلاف من الصينيين على النزوح والفرار من منازلهم في جنوب الصين.
ومع نهاية الأسبوع كان المرصد الوطني الصيني للمناخ، يصدر إنذارا باللون البرتقالي منذرا ومحذرا من موجات الحرارة القادمة.
هل تدفع الصين أكلاف سباقها الصناعي مع الولايات المتحدة الأميركية خاصة، ومع بقية العالم لاحقا، من أحوالها المناخية؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك، وبخاصة في ظل أزمة الكهرباء التي أصابتها الأعوام القليلة الماضية، ما دفعها لرفع مستوى استخدامها للفحم بنسبة 35%، في محاولة منها لتعويض خسائر السنوات التي انتشر فيها فيروس كوفيد-19، وما خلفه من خسائر اقتصادية.
هل أدرك القطبان الكبيران الأميركي والصيني أن الكرة الأرضية معرضة لكوارث إيكولوجية غير مسبوقة، ولهذا لفتت يلين إلى أهمية التعاون الحقيقي، لمداواة الكوكب الأزرق، وبعيدا عن الشعارات الفاقعة والأصوات الزاعقة؟
المؤكد أن السجلات المناخية حول العالم في الأسابيع الأخيرة تشي بأن عام 2023 قد يكون الأكثر سخونة في تاريخ الكرة الأرضية، وأن الأرض في تاريخها بالفعل إلى "منطقة مرعبة مجهولة".
في الشهر الماضي، شهد العالم أحر شهر يونيو على الإطلاق "بهامش كبير" وفقا لتقرير صادر عن خدمة "كوبرنيكوس" لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي.
ضربت موجات الحرارة البحر، كما البر، فقد شهدت أجزاء من شمال الأطلسي موجة حرارة بحرية غير مسبوقة، مع درجات حرارة تصل إلى 5 درجات مئوية (9 درجات فهرنهايت) أسخن من المعتاد.
وفي القارة القطبية الجنوبية، حيث ترتفع درجات الحرارة أعلى بكثير من المتوسط لهذا الوقت من العام، انخفض الجليد البحري إلى مستويات قياسية منخفضة، والتي ربطها العلماء بالمياه الدافئة قبالة المحيطين الهندي والهادئ والأطلسي.
ما يشهده العالم هو تأثيرات الاحتباس الحراري مقترنة بظاهرة النينو المناخية، التي أمدت وصولها رسميا المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الأربعاء الماضي.
الصين وأميركا هما أكبر دولتين حول العالم، وثيقتا ولصيقتا الصلة بثورة المناخ، ذلك أنه فيما تحرقان الوقود الأحفوري وتضخان غازات الدفيئة في أرجاء الكوكب، ترتفع درجة الحرارة عالميا بشكل مطرد، الأمر الذي يؤدي إل المزيد من موجات الحرارة الأكثر شدة، إلى جانب مجموعة من التأثيرات الأخرى مثل الطقس الأكثر قسوة وذوبان الأنهار وارتفاع مستويات سطح البحر.
الذين تابعوا نتائج زيارة جانيت يلين، وتصريحات الجانبين الصيني والأميركي، ربما أدركوا أن هناك خطوات للتقارب ولو غلفتها البراغماتية التقليدية، هدفها تغليب مواجهة أخطار المناخ، على خلافات السياسة، سيما في مواجهة عالم يكاد ينفجر، ومن غير أن يكون للبشر بديل عنه.