توقيت القاهرة المحلي 10:37:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن العلاقة بين الثقافة والإعلام

  مصر اليوم -

عن العلاقة بين الثقافة والإعلام

بقلم - إميل أمين

هل من علاقة عضوية بين الثقافة والإعلام؟ علامة استفهام تطرح ذاتها بقوة في الحال، وتلقي بأثرها على المستقبل، لا سيما وأن المفهومان قريبان، وعند البعض متلاصقان وأحياناً متشابهان، غير أن واقع الحال يشير إلى وجود هامش من الاختلافات طبقاً لطبيعة كل منهما، ومنشأه ووجوده وتاريخه. من استبق الآخر الثقافة أم الإعلام؟ يمكننا القطع بأن الثقافة هي المعين الأكبر والأعمق لكافة وسائل الإعلام، والتأصيل لكلمة ثقافة يقودنا إلى فهم إدراكي حقيقي لماهيتها ودورها في الحياة العامة.
عند أصحاب اللغة العربية جاءت كلمة ثقافة من «ثقف»، ويقال «ثقف الرمح» أي سواه وقومه، وجعله صالحاً للاستعمال، وفي اللغات الأجنبية يبقى الأصل اللاتيني لكلمة هو kultur أي إصلاح الشيء وتهذيبه، ومن هنا جاء فعل (يزرع) «agriculture» أي إصلاح الأرض وزراعتها. يعني هذا أن فعل الثقافة، قائم في جميع مناحي الحياة من قيم وعادات، أخلاق وتقاليد، لغات وأفكار، وعليه يرى علماء الاجتماع أن الثقافة حقا تجول من حولنا ونحن في وسطها، فآداب المائدة ضرب من ضروب الثقافة، وأخلاق الاستهلاك والادخار ثقافة، والمذاهب الإيمانية والعقائد الروحية ثقافة، كذا الموسيقى والشعر، وكل ما يتصل بحياة الإنسان من أدوات تعينه على العيش هي ثقافات شعوب، عرفت بها، وحاولت في بعض الأوقات تصديرها للعالم. نخلص من هذا التعريف المختصر بغير إخلال للمعنى أن فعل الثقافة بطيء ولكنه مستمر ومتطور، بل ومتحول من جيل إلى جيل، ومن أمة لأخرى، بفعل تطور الحياة وأساليبها، ومبتكرات الإنسان وأدواته.
على أن الإعلام لم يكن بعيداً عن الثقافة، ذلك أنه القناة التي يعبر بها عن فحوى ومضمون الرسالة الثقافية بدءا من العصور الأولى، وصولاً إلى انفجار وسائل الإعلام المختلفة، ووسائط الاتصال الاجتماعي الحديثة، والإعلام إيقاع سريع، وأدواته أكثر سرعة ومواكبة للتكنولوجيا فما بين زمن اكتشاف التلغراف إلى أوان الفيسبوك والانستجرام جسر واسع من التطورات والتغيرات، باتت تطرح تساؤلاً مثيراً: من يقود الآخر اليوم: «هل التوجهات الثقافية والمنحنيات الفكرية هي التي تمسك بقبضة الإعلام وآلياته، أم أن وسائل الإعلام هي التي باتت تشكل النخب الثقافية، وترسم المنحنيات الفكرية، وتعمق الجذور الرؤيوية للقضايا الفكرية أو تسطحها؟».
يبدو أن علامة الاستفهام المتقدمة قد داعبت عقول كثيرين حول العالم، وشغلت تفكير المؤسسات الثقافية الدولية لاسيما «اليونسكو»، وعليه، فقد قام المؤتمر العالمي بشأن السياسات الثقافية، والذي دعت إليه منظمة اليونسكو(منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) عام 1982 في المكسيك واشتركت فيه غالبية الدول العربية بتحديد طبيعة الصلة بين الإعلام والثقافة كما يلي: الاتصال هو أحد العناصر المكونة للثقافة لأنه مصدر تكوينها وعامل من عوامل اكتسابها وتراثها، وأنه يساعد على التعبير عنها ونشرها». والشاهد أنه في ظل هذا التعريف يمكن القطع بأنه لا يمكن تصور قيام ثقافة، بدون قدرة على التعبير عن مكنوناتها وفحواها، والإبلاغ عنها، بمعنى إيصالها للناس، إذ لا حظ لأي ثقافة عند أي شعب من الشعوب، إذا لم تكن هناك أجهزة إعلام تؤازر جهودها وتدعم روادها وتشيع أفكارها.
جدلية وتبادلية العلاقة تبتدي كذلك على الجانب الآخر، أي علاقة وحاجة وسائل الإعلام للثقافة والمثقفين، بمعنى أنه حال خلت الساحة الإنسانية من صناع الأفكار، ومن الطروحات الفكرية العميقة، بل حتى من الجدالات الرؤيوية والاستشرافية المستقبلية، لأصبحت وسائل الإعلام «نحاسا يطن أو صنج يرن»، فالثقافة العميقة والرصينة، هي الزاد الذي يشد الجمهور إليها، وحال غيابها يفرغ مضمونها مما هو نافع ومفيد. هل أفاد الإعلام من الثقافة شيئا ما؟ الجواب الصريح والمريح أنه أفاد كثيراً جداً، ذلك أن كافة الآليات الإعلامية والأدوات المستخدمة فيها سمعية كانت أو بصرية، مقروءة أو مسموعة، عطفاً على الوسائل التي تحفز على التفكير والتدبير وأعمال الخيال، وتجويد القريحة وخلق الابتكارات جميعها من أدوات الثقافة ومن خلقها.
*كاتب مصري

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن العلاقة بين الثقافة والإعلام عن العلاقة بين الثقافة والإعلام



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon