لعل ظاهرة الإسلاموفوبيا، هي واحدة من أسوأ الظواهر والمظاهر المجتمعية، التي عرفها عالمنا المعاصر، حيث ربطت بخبث شديد، بين العنف والإرهاب، التخلف والرجعية، الكراهية والمقت، وبين كل ما هو ومن هو إسلامي.
ما الذي يعنيه لفظ الإسلاموفوبيا أول الأمر؟
تعني الترجمة الحرفية رهاب الإسلام أو كراهيته، وتعرفه هيئة الأمم المتحدة بأنه "الخوف من المسلمين، والتحيز ضدهم والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقات، وأحيانا أخرى بالإساءة والتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، وسواء حدث ذلك في العالم الحقيقي، أو العالم الرقمي، حيث ميدان المعارك غير الظاهرة وصراعاتها.
اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تخصيص هذا اليوم بالإجماع يوم 15 مارس/ آذار 2022، ما يعني أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 عضوا وافقت على إقرار هذا اليوم.
وجعلت المنظمة الدولية من هذا اليوم ذكرى مستمرة ومستقرة لمأساة مقتل 51 شخصا، في الجريمة الإرهابية التي حدثت في مدينة "كرايست تشيرش" في نيوزيلندا، والتي أقدم عليها يميني متطرف، رأى فيمن يؤدون شعائرهم الدينية والإيمانية أعداء يتوجب الخلاص منهم رميا بالرصاص مع شديد الحزن والأسف تعني الإسلاموفوبيا فيما تعني من توجهات قاتلة، أنه لا مكان للمختلف معه، أو المختلف عليه، سيما إذا كان الأمر إيديولوجيا بنوع عام، ودوجمائيا بشكل خاص.
إن كارثة الإسلاموفوبيا وبقية الحركات المتطرفة ذهنيا، تتمثل في دفعها الناس في طريق صراع المطلقات، وهو صراع مهلك للزرع والضرع، إذ لا يقبل شراكة من الآخر، ولا يستوعب الرؤى المتباينة، بل يمضي في طريق العزل والإقصاء، وصولا إلى الخلاص من المغاير مرة وإلى الأبد.
خلال كلمته في اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن رسالة الإسلام تحمل تعاطفا ومودة ورحمة، وتشكل إلهاما للناس حول العالم، سيما أن كلمة إسلام جذورها هي السلام.
دلل غوتيريش في كلمته على صدق حديثه بما رآه بعينيه خلال عمله في منصب المفوض العام للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد تابع سخاء الدول الإسلامية التي فتحت أبوابها للأشخاص الذين أجبروا على الفرار من ديارهم، في وقت أغلقت فيه دول أخرى كثيرة حدودها.
يعن لنا في هذه المناسبة التساؤل: "ما الذي يمكن عمله في مواجهة هذه الظاهرة التي تستفحل يوما تلو الآخر، من جراء عوامل لا علاقة للمسلمين بها، وإنما هي نتاج لأزمات حياتية، واضطرابات مجتمعية، جعلت الأمر بمثابة كبت يبحث عن إسقاط، كما يخبرنا علم النفس.
من أنفع وأرفع المؤسسات التي أخذت على عاتقها مهمة التصدي والتحدي، لهذه الظاهرة المؤسفة، ضمن أهداف عديدة سامية تقوم عليها، يجيء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في لشبونة بالبرتغال.
المثير للتفكر والتدبر، أن هذا المركز الخلاق، والذي يعكس إيمان المملكة العربية السعودية بالقدرة على السير في دروب التنوير، تلك التي بلور خطاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عبر رؤية 2030، لم يسع لمواجهة الإسلاموفوبيا عبر الأصوات الزاعقة، والرايات الفاقعة، وإنما من خلال تغيير الواقع المؤلم عبر الحوار والتثاقف مع الآخرين ، ومد جسوار التواصل، والعمل على التغيير الجذري من خلال حديث المولدات لا العصبيات أو الكراهيات.
نهار اليوم العالمي لمقاومة الإسلاموفوبيا الأخير، كتب الدكتور زهير الحارثي، الأمين العام لمركز الملك عبد الله للحوار "كايسيد"، يقول: "في هذه الفترة الحساسة التي يتصاعد فيها منسوب الكراهية والتمييز والعنف ضد المسلمين، يقع على عاتق المجتمع الدولي واجب خاص لتعزيز التفاهم على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي".
ويضيف: "نحن في كايسيد نشدد على ضرورة تعزيز ثقافة التسامح والسلام بكافة المستويات، استنادا إلى احترام حقوق الإنسان وتنوع المعتقدات والأديان".
الذين عندهم علم من تاريخ كايسيد، خلال عقد من العمل الدؤوب والناجح، يدركون كيف أنهم غيروا الأوضاع وبدلوا الطباع، وفتحوا ثغرات، باتت لاحقا ممرات لتغيير العقول المتحجرة المتكلسة، والتي راهن البعض على عدائها للإسلام والمسلمين.
نجح كايسيد على أرض الواقع في طرح رؤى ومبادرات، وتشكيل دورات وعقد منتديات، وتدريب طلاب ومريدين، هدفهم المؤكد هو تعميق حياة الشركة، وتعزيز دائرة الحوار، وتوثيق روابط الحوار بين أتباع الأديان المختلفة، والثقافات المتباينة.
عمد كايسيد طوال السنوات العشر المنصرمة، إلى اللجوء إلى الكلمة التي تجمع ولا تفرق، تشرح ولا تجرح، وإلى اللغة التي تتمتع بالقدرة على الإنعاش والبهجة، وتأليف القلوب، معتبرا أن اللسان يمكن أن يكون سلاحا ذا حدين، كما يستطيع الخطاب الإعلامي والحواري، أن يكون مصدر إلهام، وفي الوقت نفسه يمكنه أن ينزلق ليضحى أداة للكراهية والتحريض على العنف.
عقد من العمل المبدع والخلاق، يجوب فيه كايسيد برجالاته وخبرائه، بمفكريه ومبدعيه، من كافة الأجناس والأديان والثقافات حول العالم، فيلمس القاصي والداني زيف اللزوميات والينبغيات التي تطارد المسلمين، وتوصمهم بالإرهاب والعنف صباح مساء كل يوم، وفي العديد من البقاع والأصقاع حول الكرة الأرضية.
تمضي نجاحات كايسيد الساعية لتعزيز ثقافة اللقاء، في دروب عصرانية، إذ تتعاطى مع العالم الرقمي الماورائي، ذلك الذي أصبح ساحة هذا الزمان، بطريقة خيرة ومغيرة، تستقطب أصحاب الرغبة في العيش الواحد، وبعيدا عن السعي في طريق شيطنة الآخر.
يضع كايسيد العالم أمام تساؤلات جوهرية ترتبط أجوبتها بمجابهة الإسلاموفوبيا والدعوات المشابهة من الراديكاليات التي لا تقبل الآخر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
* * التساؤل عما يفعله رجال الدين لتشجيع الحوار والتسامح، كيلا يستخدم الإيمان كمنصة لاستهداف الأقليات والمستضعفين، أو الذين يمارسون شعائر إيمانية مختلفة.
لبحث عن الدور الواجب على الجهات الإعلامية الفاعلة القيام به، لا سيما تلك التي تستخدم وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة.
** البحث عن دور صناع السياسات حول العالم، في وضع حد ظاهر للعيان لا يقبل اللبس أو التماهي، بين حرية الرأي، وبين إشكاليات الخطاب المتجاوز والتنمر، خطاب الكراهية والتحريض.
الخلاصة... الوئام لا الخصام هو الحل.