توقيت القاهرة المحلي 10:58:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البشرية بين عصرين

  مصر اليوم -

البشرية بين عصرين

بقلم - إميل أمين

هل باتت البشرية في مواجهة مخاوف أخرى، لا تقل هولاً عن تهديدات الطبيعة الإيكولوجية الغاضبة، القائمة والقادمة في العقود الأخيرة؟
ربما كان الأمر على هذا النحو، وهو ما لفت إليه الاجتماع الذي جرى الأسبوع المنصرم، في مدينة تكاساكي اليابانية، تمهيداً لقمة السبع الكبار، التي ستعقد في مايو (أيار) الجاري في مدينة هيروشيما.
للمكان المختار لقمة المجموعة الليبرالية الكبرى في العالم، والتي تمثل الديمقراطية بالنسبة لها حجر الزاوية، دلالة خاصة، فالديمقراطيات لا تتقاتل؛ بل تتعايش، بينما موضوع اللقاء الأخير كان يمثل القلق والموت والصراعات، ربما غير المقصودة بشكل مباشر، من جراء قصة الذكاء الصناعي المتصاعد في أعلى عليين.
إنه التطور التكنولوجي الأكثر حداثة الذي يشغل بال الكبار، ويستدعي لقاء الوزراء المعنيين بالشؤون الرقمية في المجموعة، الذين يسعون لتبني قواعد تنظيمية للذكاء الصناعي وطرائق عمله وسط البشر.
تبدو الأدوات الناشئة الجديدة في هذا الإطار إبداعية إلى أبعد حد ومد من جهة؛ لكنها من جهة ثانية تظل كسَيف ديموقليس المسلط على رقاب الخليقة، وعلى غير المصدق أن يتابع تطورات أحدث أدوات الذكاء الصناعي التي لا يتوقف الحديث عنها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) تشرين الثاني الماضي، روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»، القادر على تغيير شكل وأداء العالم معرفياً أول الأمر.
هل يعني حديث السبع الكبار أن هناك ملامح لديكتاتورية تكنولوجية قادمة في الطريق؟
بالقطع ليس هذا هو المقصود؛ بل بلورة قواعد تنظيمية قادرة على المحافظة على مناخ مفتوح ومشجع على تطوير تقنيات الذكاء الصناعي، مع الارتكاز إلى القيم الديمقراطية.
تسعى الدول الفاعلة في مجال هذا النوع من أنواع الذكاءات المستحدثة، في طريق تنظيم المخاوف المتعلقة بالخصوصية والمخاطر، وتولي اهتماماً خاصاً بالشعبية التي تحظى بها تلك الأدوات، وآخرها هذا الروبوت العجيب الذي طورته شركة «أوبن إيه آي»، المدعومة من شركة «مايكروسوفت»، وقد أصبح التطبيق الأكثر نمواً في التاريخ منذ إطلاقه قبل نحو 7 أشهر.
على أن قصة هذه الذكاءات، وإن يسرت من حياة البشرية رقمياً ومعرفياً، وجسرت طرق المعلوماتية أمامهم، تبقى في الوقت عينه مجالاً مخيفاً في نواحي حماية حقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك حقوق النشر، والشفافية في مواجهة التضليل الوارد حدوثه، عطفاً على إمكانية تلاعب القوى الأجنبية بالمعلومات.
هل لهذا كان وزير الشؤون الرقمية في اليابان، تارو كونو، وفي المؤتمر الصحافي الذي أعقب اللقاء، يحذر من أن الذكاء الصناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي»، قادر على تقديم أخبار مزيفة للمجتمعات، وحلولاً معرقلة للإشكاليات، سيما إذا تمت تغذيته ببيانات مزيفة؟
القصة لا تتوقف عند هذا السياق من المهددات التي تعتبر ترفاً فكرياً عند البعض، إذ تطال المخاطر الأمنية الموصولة بالترسانات العسكرية، وبنوع خاص النووية منها... هل لهذا السبب جاءت تصريحات بطريرك السياسة الأميركية، هنري كيسنجر، التي تثير الهلع في النفوس قولاً وفعلاً؟
في مايو من عام 2021، وخلال منتدى جرت فعالياته في المركز الفكري «ماكين أنستيتيوت»، في العاصمة الأميركية واشنطن، قال كيسنجر: «إن الذكاء الصناعي يضاعف من خطر نهاية العالم، لا سيما عبر المواجهة المحتملة بقوة بين واشنطن وبكين». ويومها أضاف الرجل المئوي: «إن البشرية طورت تقنيات تتمتع بقوة كان لا يمكن تصورها قبل سبعين عاماً».
تتمحور المخاوف الهائلة في عالم الذكاء الصناعي حول الآلات، وكيف يمكنها أن تطور حكمها الخاص، ما يجعلها خطراً داهماً أشد وقعاً من الأسلحة النووية.
هل ستتحول قصص هوليوود عما قريب إلى واقع حي معيش؟
غير مستبعد أن نرى الروبوتات تسير في شوارع باريس ولندن ونيويورك، وربما بكين وموسكو وبرلين، تقتل الناس، وساعتها سوف تكتشف البشرية أي خطر أقبلت عليه.
هل أنفلت الجني من القمقم، كما حدث قبل نحو 8 عقود، حين فجر الإنسان الطاقة الكامنة في الذرة وحولها إلى طاقة قاتلة؟
لا يبدو أحد قريباً من عالم الذكاءات الصناعية، بقدر الطفل المعجزة إيلون ماسك، الذي يشير إلى أن احتمالات جعل الذكاء الصناعي آمناً تتراوح بين 5 و10 في المائة فقط، أما توقعه الكارثي فموصول بكينونة هذا الذكاء، والذي سيضحى في تقديره بمثابة «ديكتاتور خالد»، لن يتمكن البشر من الفكاك منه أو الهرب من تبعاته.
هل يمكن للذكاء الصناعي أن يضحى يوماً ما سبباً في نهاية العالم وانقراض الجنس البشري؟
الجواب نجده طرف الفيلسوف السويدي نيك بوستروم، المدير المؤسس لـ«معهد مستقبل الإنسان»، في جامعة أكسفورد، عبر سطور كتابه المعنون «ما فوق الإنسانية: دليل موجز إلى المستقبل».
بوستروم، يقطع بأن الذكاء الصناعي الحالي أو المستقبلي في المدى القريب لا يشكل أي تهديد للوجود البشري؛ لكن إذا تم إنشاء نظام الذكاء الفائق («تشات جي بي تي» ضرب من ضروبه)، فمن الأهمية القصوى أن يمنح قيماً صديقة للبشر، ذلك أن الذكاء الخارق المصمم بخبث أو دون حذر، مع أهداف ترقى إلى درجة اللامبالاة أو العداء للإنسان، يمكن أن يتسبب في انقراض البشرية.
لم يكن بوستروم وحده من أدلى بدلوه في مستقبليات الذكاء الصناعي، سيما أن التساؤل المخيف عن كفاءة تفوق الآلة على العقل البشري، عند نقطة زمنية بعينها، لا يزال حاضراً، سيما إذا أضحت تلك الخلايا العصبية المصنعة قادرة على التفاعل والانقسام، بالضبط كما الخلايا البشرية الاعتيادية.
يمكن أن يكون ذلك فرضية حقيقية لا مجازاً أو خيالاً، والعهدة هنا على البروفسور جيمس لوفلوك، أحد أشهر علماء الإيكولوجيا في بريطانيا، وعنده: «حين تترك البشرية عصر (الإنثروبوسين)، أي عصر التأثير البشري الكبير على جيولوجيا الأرض، وتدخل عصر (النوفاسين) أي عصر الذكاء الصناعي الفائق، فإن ذلك يعني أن خريف البشرية يلوح عما قريب جداً، إلا ما رحم ربك».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البشرية بين عصرين البشرية بين عصرين



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon