قبل أن ينصرم العام الجاري، بدا وكأن هناك من يراجع أوراق أحد أهم الملفات التي كثر من حولها النقاش، وانعقدت وستنعقد من أجلها المؤتمرات الدولية، ونقصد بالملف، التغير المناخي، وما ينتظر الكرة الأرضية من تغيرات إيكولوجية.
بالقرب منا زمنيا، انعقد مؤتمر المناخ كوب 27 في مدينة شرم الشيخ المصرية، والعام القادم سيشهد مؤتمرا نظيرا له في دولة الإمارات العربية المتحدة.
لم يعد هناك صوت يعلو على صوت المخاطر المحدقة بالكرة الأرضية، من جراء حرب الطبيعة الشعواء على البشر، خاصة في ظل ما عرف باسم ظاهرة "الاحتباس الحراري" وتبعاتها، المتمثلة في التصحر، وجفاف الأرض، وقلة الأمطار.
لم يكن الحديث عن العلاقة بين غاز ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجة حرارة الأرض حديثا جديدا، سيما وأن الأبحاث قد بدأت بالفعل مبكرا عام 1824، عندما خلص الفيزيائي الفرنسي جوزيف فورييه إلى وجود "تأثير البيت الزجاجي" على الغلاف الجوي، وفي العام 1860 حدد الفيزيائي البريطاني جون تندل مدى تأثير "غازات البيت الزجاجي" على امتصاص الأشعة الحمراء.
غير أنه وبعد بضعة عقود، تغيرت الأحاديث، وطفت على السطح لغة جديدة تتناول ما عرف بـ"عصر الجليد"، القادم عما قريب، وفيه سوف تشهد الكرة الأرضية عواصف ثلجية، وانخفاضا في درجة الحرارة بصورة غير مسبوقة، مما سيؤثر على شكل الحياة المعاصرة، وقد بدأت بعض الدول الكبرى في وضع فرضيات الحياة في ظل سيادة الجليد على الكوكب الأزرق.
ما الذي يستدعي سيرة ومسيرة عصر الجليد مرة أخرى هذه الأيام؟
المتابع لأحوال المناخ في معظم دول العالم، يكاد يتساءل: "أين هو الاحتباس الحراري، في ظل هذه العواصف العاتية من الثلوج التي تشهدها البسيطة شرقا وغربا؟
خلال الأسبوع الماضي، ضربت الولايات المتحدة الأميركية واحدة من أعتى الظواهر الثلجية غير المسبوقة، والتي امتدت من شمال شرق البلاد حتى الحدود الجنوبية مع المكسيك، ما جعل الأميركيين في "حرب مع الطبيعة الأم".
والشاهد أن المرء قد يتفهم سقوط الثلوج في سيبيريا وروسيا، وفي أقصى الشمال من الدول الإسكندنافية، وصولا إلى الولايات المتحدة الأميركية، أما أن يشاهد تساقط الثلوج في بعض الدول الخليجية والشرق أوسطية، فهذا أمر غريب عجيب وغير مسبوق.
هل الكرة الأرضية في طريقها إلى مزيد من الاحتباس الحراري، ما يجعل منها كرة ساخنة ملتهبة طوال فصول السنة، أم أنها ستعرف برودة غير اعتيادية تمهد لحديث الثلوج الذي يكاد يكون قد اختفى، وبصورة تثير المزيد من الشكوك حول الحقائق المتعلقة بأحوال المناخ العالمي حول الكرة الأرضية.
الثابت هو أننا لا نميل بحال من الأحوال إلى التفسير التآمري للتاريخ، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد قراءات مختلفة، وعند بعض من حكماء السياسة الأممية، أنه إن لم يكن التاريخ مؤامرة فإن المؤامرة موجودة بالفعل في بطون التاريخ.
هل يعني ذلك أن قصة التغير المناخي، وارتفاع درجة حرارة الأرض، ليست سوى أكذوبة تقف وراءها مصالح وجماعات ضغط بعينها؟
المؤكد أن هناك فريقا من المحللين السياسيين، وعددا كبيرا من المشتغلين بالطاقة، يرون أن في الأمر خدعة، وأن محاولة الربط الحتمية بين الطاقة الأحفورية، وفي المقدمة منها النفط والغاز والكربون، وبين ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، لهي محاولة مغشوشة، ذلك أن الكرة الأرضية، وعلى مدار المليون سنة الماضية، تشهد كل نحو 100 ألف سنة تغيرات مناخية طبيعية، بعضها يتمثل في ارتفاع درجة حرارتها، والبعض الآخر لابد لها فيه أن تمر بعصور الجليد.
أصحاب هذا التيار يرون أن النخب الرأسمالية العالمية، لهم مصلحة كبرى في التسريع بإنهاء عصر الطاقة الأحفورية، وتوجيه الاستثمارات العالمية نحو الطاقة النظيفة، أو الطاقة الخضراء، وهذا هو رهانهم الحقيقي، ولهذا لا ينفكون يصدحون صباح مساء كل يوم بضرورة التخلص من الطاقة التقليدية، والوصول إلى حالة "الحياد المناخي"، حيث لا أحد يعود يستخدم الكربون مرة ثانية على سطح الكرة الأرضية.
وبتعميق البحث، نجد أن هناك جماعات لها مصالح في إنهاء عصر النفط، في مقدمها مُلاك المصانع الكبرى، والذين يتطلعون إلى مصادر طاقة رخيصة، الأمر الذي يسمح لهم بمضاعفة أرباحهم ومراكمتها، وإعادة إنتاج تجربة الخمس مائة عام الماضية التي تمكنت فيها الدوائر الحضارية الغربية من السيطرة على مقدرات البشرية.
عطفا على ذلك، يساند الاتهامات الموجهة للطاقة النظيفة، جماعات البيئة، والمتعللون بصداقتها، والساعون وراء محاربة مصدري الطاقة التقليدية.
لا يغيب هنا عن أعين القارئ أن الكثير من تلك الجمعيات والمنظمات لا يمكنها الاستمرارية ما لم تحصل على تبرعات وإعانات موصولة بصورة أو بأخرى بعالم الصناعات الكبرى، ما يجعل رؤيتهم مجروحة وغير واقعية.
أما الفئة الثالثة التي تربط بين التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، وبين الطاقة غير المتجددة، فتتمثل في القائمين على أمن الطاقة في الدوائر الصناعية والعسكرية حول العالم، أولئك الذين يعتبرون أن ارتفاع أسعار المحروقات على اختلاف أشكالها، وتعدد أنواعها، أمر يهدد قبضتها الحديدية في عالم الصناعة والتجارة، والقطبية الدولية مرة واحدة.
يوما تلو الآخر، يتصاعد تعبير الرأسمالية الخضراء، والاقتصاد الأخضر، وليس الأمر من قبيل المصادفة أن تكون هناك أحزاب خضراء، هذه جميعها لا تواري ولا تداري عداوتها لمنتجي النفط، بل إن بعض الدول الغربية تماري في دعواها، وهي بدورها من أكبر منتجي النفط، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية.
هل قصة التغيرات المناخية محاولة لتأطير اقتصاد آخر غير القائم في عالمنا المعاصر، حيث الطاقة الأحفورية في القلب منه بل عصب حضارته؟
تبقى الحقيقة وكما يقول المثل اللاتيني: "وضع متوسط بين تطرفين"، فانظر ماذا ترى.