قبل بضعة أيام أعلنت المملكة العربية السعودية عن إرسال أول رائدة فضاء سعودية، مع رائد فضاء سعودي، إلى محطة الفضاء الدولية، وذلك خلال الربع الثاني من العام الجاري.
المؤكد هنا أن، علي القرني، لن يكون أول رائد فضاء سعودي، فقد حُجزت هذه المكانة للأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، منذ العام 1985، كأول رائد فضاء عربي وسعودي.
الجديد والمفيد هنا، هو حديث، "ريانة برناوي"، أول رائدة فضاء سعودية، ما يعد فتحا كبيرا في مجال تمكين المرأة السعودية، ونتاجا لرؤية 2030 التي أرسى دعائمها ويقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
لم يعد ارتياد الفضاء من القضايا الترفيهية أو الكمالية، كما أنه ليس دعاية سياسية لدولة أو نظام، بل بات جزءا من مقدرات الحياة المعاصرة، سيما بعد أن اكتظت الأرض بمن عليها، ودار الصراع حول مواردها، ولهذا طفا على السطح حديث "اقتصاد الفضاء"، وهناك دراسات أمريكية بنوع خاص تظهر المردود الفائق لكل دولار أمريكي يتم استثماره في صناعات الفضاء، وما ينتجه من مخترعات ومكتشفات تتبلور على الأرض بردا وسلاما.
في هذا السياق، أطلقت الهيئة السعودية للفضاء برنامج المملكة لرواد الفضاء في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بهدف تأهيل كوادر سعودية متمرسة لخوض رحلات فضائية طويلة وقصيرة المدى، والمشاركة في التجارب والأبحاث الدولية والمهام المستقبلية المتعلقة بالفضاء، والاستفادة من الفرص الواعدة التي يقدمها قطاع الفضاء وصناعاته عالميا.
عبر برنامجها لرواد الفضاء، تخطو المملكة في طريق المساهمة الأممية لخدمة البشرية، على أصعدة عدة، ليس أولها الصحة، ولا آخرها الاستدامة وتكنولوجيا الفضاء، عطفا على إيجاد بدائل وحلول للكثير من المعضلات الاقتصادية.
ارتياد "برناوي" للفضاء، حكما هي المكافئ الموضوعي للاستثمار في تنمية رأس المال البشري، ذلك النوع الأفضل والأمثل، من الاستثمار صاحب النتائج الزاهرة، حيث لا تألو إدارة مجلس الهيئة السعودية للفضاء، في الاهتمام بالخريجين في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، والعمل على جذب المواهب وتطوير المهارات اللازمة، ما يضمن للمملكة تعزيز مكانتها في السباق العالمي نحو الفضاء واستكشافه، ورفع مكانتها في خارطة الدول الساعية إلى الفضاء والاستثمار في علومه.
تأتي خطوة إعداد أول رائدة فضاء سعودية لتعكس إيمان المملكة بالتكامل في العلاقة بين الجنسين كطريقة مثلى لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتتبدى نظرة الاحترام والمساواة، من خلال تمكين المرأة السعودية من التعليم والصحة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بجانب شفافية حقوقها في الأنظمة العدلية، ومشاركتها في التنمية البشرية، ناهيك عن تنمية القدرات والمهارات وغيرها.
تكاد رحلة أول رائدة فضاء سعودية أن تضحى عنوانا لأحد أهم إنجازات عهود التنوير والتثوير العقلاني والوجداني، مع الحفاظ على المرتكزات الإيمانية والروحية الأساسية.
قبل عقد من الزمن كانت تلك المرأة تسعى جاهدة محاولة الحصول على رخصة قيادة سيارة، واليوم في طريقها لارتياد الفضاء، ومن قبل شغلت مناصب متقدمة على المستويين الدبلوماسي والوزاري.
من غير أدنى تهويل أو تهوين، يمكن القطع بأن الإقدام على إعداد رائدة فضاء سعودية أمر يعني ثقة القيادات العليا في الدولة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، وثقتهم بقدرة المرأة، الأمر الذي عزز من ثقة نساء المملكة والأجيال الشابة في أنفسهن، وزخم إقدامهن على خوض التحديات في كافة المجالات، والاعتداد بهن كعضوات فاعلات في المجتمع السعودي، ونشوء وارتقاء قواعد علمية في طريق المستقبل.
انطلاقة السعوديات عبر الفضاء، سبقتها مطلع العالم الحالي خطوات تقدمية باهرة وبارعة على الأرض، فقد أعلنت خطوط السكك الحديدية عن تخريج 32 سيدة لقيادة قطار الحرمين في تجربة هي الأولى من نوعها في المملكة.
على حسابها في تويتر تقول الهيئة: "32 قائدة سعودية ينطلقن بأقصى سرعة لتحقيق حلمهن الكبير في قيادة أحد أسرع قطارات العالم، ليكن بذلك أولى دفعات قائدات قطار الحرمين السريع".
الأخبار الجيدة عن برنامج الفضاء السعودي تشير إلى أنه بجانب الرحلة التي ستنطلق من الولايات المتحدة الأمريكية إلى محطة الفضاء الدولية، وعليها الرائدة "ريانة "، والرائد "القرني"، سيكون هناك رائدان سعوديان آخران متدربان هما "مريم فردوس"، و"علي الغامدي"، يشاركان في التدريبات من دون أن يكونا جزءا من المهمة إلى الفضاء.
رحلة "ريانة برناوي"، إلى الفضاء سوف تعتبر تاريخية، ذلك لأنها ستضع المملكة ضمن سياق الدول القليلة في العالم التي تجمع رائدي فضاء من الجنسية نفسها على متن محطة الفضاء الدولية في التوقيت ذاته.
يوما تلو الآخر تتصاعد نجاحات المملكة ضمن خيوط طول وخطوط عرض رؤية 2030، وفي القلب منها استكشاف وتبني طاقاتها الشبابية، والمرأة السعودية تعد عنصرا فعالا من عناصر القوة، إذ تشكل ما يزيد عن 50% من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين.
تطلب المرأة السعودية، وعلى حد تعبير أمير الشعراء، المجد على الأرض، للوطن لا للذات وللأجيال السعودية الناهضة بقوة في الحال والاستقبال، وحتى قبل أن تضيق بهن الأرض يسعين للعلا في فضاء السماوات الرحبة، فانظر أي مستقبل ينتظر الأجيال السعودية الشابة.