توقيت القاهرة المحلي 10:54:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا تتجسس واشنطن على الأمم المتحدة؟

  مصر اليوم -

لماذا تتجسس واشنطن على الأمم المتحدة

بقلم - إميل أمين

أواخر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2013، قالت الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة تعهدت بعدم التجسس على اتصالات الأمم المتحدة، وذلك بعد أن أشار تقرير إلى أن وكالة الأمن القومي (NSA) قد اخترقت الاتصالات الدولية للمنظمة.
في ذلك العام، تحديداً في شهر أغسطس (آب)، كانت مجلة «دير شبيغل» الألمانية قد نشرت تقريراً، يفيد بوقوع عمليات للتجسس على المؤسسة الدولية، استناداً إلى وثائق سربها المتعاقد السابق في الوكالة إدوارد سنودن.
وسط ضجة التجسس الأميركية على المؤسسة الدولية، خرج حينها، مارتن نسيركي، الناطق باسم الأمم المتحدة في مؤتمر صحافي ليخبر العالم بأن «السلطات الأميركية أكدت أنها تتعهد بعدم التجسس على الأمم المتحدة».
هل كان نسيركي مصدقاً لتعهد الولايات المتحدة وقتها؟ أم أن مقتضيات عمله كانت تحتم عليه هذا القول؟
سوف تثبت الأيام أن الطبع يغلب التطبع، وأن واشنطن لا تزال لديها معضلة مع الأمم المتحدة، تدفعها لاعتبار نفسها «الأخ الأكبر» بالنسبة لها، حسب المفهوم «الأوريلي»، ما يقتضي حالة من المراقبة الدقيقة واللصيقة.
مرة أخرى تنفجر في وجه واشنطن فضيحة جديدة، تقطع بأنها لا تقيم وزناً لحصانة خاصة للأمم المتحدة، بل تراها ومن فيها فرصة سانحة للحصول على المعلومات اللازمة لبقاء أميركا فوق الجميع.
وبمزيد من التفصيل، فإن الوثائق التي تسربت عن البنتاغون مؤخراً، ونشرت صحيفة «واشنطن بوست»، بعضاً منها، تؤكد أن الولايات المتحدة تنصتت على محادثات أجراها الأمين العام غوتيريش مع مسؤولين آخرين في الأمم المتحدة، لا سيما بشأن أوكرانيا.
من نافلة القول أن ما قامت وتقوم به الولايات المتحدة، حتى وقت كتابة هذه السطور وظهورها للنور وما بعدها، لا يتسق والالتزامات المتوجبة عليها بوصفها أرض المقر، والمنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، بشأن الامتيازات والحصانة.
ليس سراً القول إن هناك كثيراً من الدول التي تسعى جاهدة للتجسس على الأمم المتحدة، وبشكل روتيني، غير أنه حين تظهر بعض خبايا هذا التجسس، يكون الأمر محرجاً للغاية، فما بالك إذا كان الأمر متعلقاً بواشنطن، اللاعب الدبلوماسي الأول في العالم، وكم هو حجم الضرر المحتمل حدوثه.
هل تدهشنا أنباء التجسس الأميركي على الأمم المتحدة؟
الراسخون في العلم يعرفون تاريخ هذا التجسس الطويل والممتد، كما أن الذين طالعوا كتاب الأكاديمية في جامعة لندن الدكتورة سوزان ويليامز، المعنون «الغِل الأبيض» (White Malice) يدركون كيف أن الاتصالات المشفرة للأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، التي كانت تتم عبر جهاز «CX-52» كان يجري اختراقها من طرف وكالة الاستخبارات الأميركية عبر تقنيات «CryptoAG».
يتذكر صاحب هذه السطور، كيف أن الأمين العام الراحل بطرس بطرس غالي، كان يفر إلى حديقة السنترال بارك، مرات عدة في الأسبوع، للخلاص من «الآذان المترصدة»، ليكتب بالقلم الرصاص ما يود البوح به سراً، ثم يحرق تلك الأوراق، وبهذه الآلية البدائية كان يحافظ على سرية أحاديثه.
التجسس الأميركي على المؤسسة الدولية أمر غير مستحدث، بل قديم، غير أن وثائق البنتاغون تدفعنا للتساؤل: «ما الذي تريده واشنطن من الهيئة الأممية؟ وهل تتطلع لبقائها أم لفنائها؟ وما إذا كانت تخدم مصالحها الاستراتيجية عالمياً، أم أنها تتقاطع معها؟».
المقطوع به أن تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة طويل ومعقد، ويفصل عدد من الكتب هذا التعقيد تفصيلاً جيداً.
من أفضل الكتب التي ظهرت عن هذا الموضوع كتاب البروفسور الأميركي إدوارد لك، خبير العلاقات الدولية، الذي جاء تحت عنوان «رسائل مختلطة»، وكتب مقدمته الدكتور بطرس غالي.
من أنفع ما نجده في هذا العمل، وما يعطينا مفاتيح لفهم أسباب تنصت واشنطن على فعاليات الأمم المتحدة، القول إنه لم تُحدث أي قوة في العقدين الماضيين، تدميراً للأمم المتحدة يشبه الدمار الذي سببته الولايات المتحدة، ونتج معظم هذا التدمير من رد فعل الولايات المتحدة الغاضب غير المتعقل على هيمنة دول العالم الثالث على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات الأخرى ذات العضوية المتعددة في السبعينات وأوائل الثمانينات.
ظلت الولايات المتحدة تبدو «كأنها» منشغلة بإصلاح إدارة الأمم المتحدة والتعامل مع ديمقراطيتها المتوسعة، وبرامجها المتداخلة، وماليتها غير المراقبة، منذ عام 1995 وحتى عام 2001، حين قررت غزو أفغانستان من دون شرعنة أممية، ثم كانت الطامة الكبرى في مارس (آذار) 2003، حين مضت في طريق غزو العراق من دون موافقة من مجلس الأمن.
في تلك الأيام كان صوت جماعة المحافظين الجدد هو الأعلى في مواجهة المؤسسة الأممية، وإن ينسَ المرء فلا ينسى مقولة أحد أشد صقور تلك الجماعة ذات المسحة اليمينية المتطرفة، جون بولتون، الذي صرح بأنه «حال إزالة عشرة طوابق من المبنى الواقع على نهر الهدسون، فإن شيئاً لن يتغير»، ما يعني أنها مؤسسة لا فائدة ترجى منها، ولا طائل ينتظر من ورائها.
هل يشبه اليوم الأمس، لا سيما ونحن نكاد نستمع إلى نغمة أميركية معاصرة مشابهة من مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة؟
تبدو الغضبة الأميركية على الأمين العام غوتيريش من جراء كونه عقبة في مواجهة الماورائيات الأميركية، التي تحاول النفاذ من كعب أخيل الأوكراني، للوصول إلى الجسد الروسي المتمرد على الإدارة الأميركية للكون ومن فيه.
من هنا يفهم المرء لماذا طالبت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس- غرينفيلد، باستبعاد روسيا من مجلس الأمن.
حجة غرينفيلد هو ما فعلته روسيا في أوكرانيا، ولولا أن ميثاق الأمم المتحدة لا يسمح بتعديل وضع روسيا كعضو دائم لما ترددت واشنطن في طردها؛ ليس خارج مجلس الأمن، بل خارج الهيئة الدولية برمتها.
حتى وقت قريب كان من الجائز القول إن للولايات المتحدة مصلحة أساسية في بقاء الأمم المتحدة بوصفها مؤسسة، ترعى سيادة القانون الدولي ولو بالشكل الذي يحافظ على مصالحها، وسيادة الأمن والاستقرار حول الكرة الأرضية، وبغض النظر عن عدم كفاءة الأمم المتحدة في القيام بوظيفتها بطريقة غير كاملة.
اليوم تكاد واشنطن تدرك أن جيوبولتيك العالم يتغير، وأن عالماً من الأقطاب المتعددة ينمو ويتصاعد، متخذاً مراكز خمسة تمثلها دول «البريكس»، وتخوماً بالعشرات تتوالى يوماً تلو الآخر.
أما أوروبا، فيكفي العم سام أن يتسمع لما فاه به حفيد ديغول المعاصر في فرنسا، إيمانويل ماكرون، ليدرك أن زمن التبعية الأوروبية لأميركا في طريقه للاضمحلال.
هل فقدت الأمم المتحدة دورها كأداة في مشروع القرن الأميركي، ومن هنا لزم التجسس عليها حتى لا تضحى خنجراً في خاصرتها؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تتجسس واشنطن على الأمم المتحدة لماذا تتجسس واشنطن على الأمم المتحدة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon