توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في رحاب «وثيقة مكة»

  مصر اليوم -

في رحاب «وثيقة مكة»

بقلم - إميل أمين

شهدت العاصمة السعودية الرياض، الأيام القليلة الماضية، زيارة نوعية؛ إذ استقبل فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، نيافة الكاردينال كريستوف شونبورن، رئيس أساقفة فيينا الذي يزور المملكة للمرة الأولى، بدعوة من الرابطة.
تطرح الزيارة رؤى تسامحية وتصالحية لتعميق الحوار والجوار بين شعوب العالم، لا سيما في إطار الدور المهم والفاعل للرابطة من جهة، وشخصية الضيف الذي يعد أحد كبار أمراء الكنيسة الرومانية الكاثوليكية «الكرادلة»، والذي طُرح اسمه مرات عدة سابقة كمرشح لمنصب البابوية، والمعروف عنه دوره الداعم في تعزيز الصداقة وتعميق الحوار بين أبناء الحضارات والثقافات المختلفة، وفق مشتركها الإنساني والوجداني.
تبدو الزيارة رافداً جديداً ضمن روافد التنوير والوسطية والانفتاح على الآخر، كطريق للخلاص من الأفكار المتشددة، ذلك النهج الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ويعززه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، منذ العام 2017، والذي توقف أمامه في الجلسة الحوارية التي عقدت ضمن منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار»، الذي استضافته الرياض في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وقال فيه بالنص «نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه قبل عام 1979، إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب».
أخذت رابطة العالم الإسلامي طوال السنوات التي واكبت «رؤية 2030» على عاتقها تعميق قيم الوسطية والاعتدال، الذي هو الأساس والمعدن والماهية الحقيقية والأصلية للإسلام، والسعي لتفعيل وتجسيد ذلك الخطاب على أرض الواقع في العالم كله.
حكماً، كان اللقاء بين العيسى وشونبورن، منطلقاً لبناء الجسور بين الأمم والشعوب، وتعزيز أواصر التفاهم بين الشرق والغرب، وقد جرت فيه مناقشات جادة حول أهمية التعاون والتواصل الفاعل بين قادة الأديان في مواجهة أفكار ودعوات الصدام الحضاري.
في القلب من لقاء الشيخ والكاردينال، كانت وثيقة مكة المكرمة، حاضرة برحابتها وتأثيرها العالمي البارز في العلاقات بين الأديان والثقافات، ودورها الفاعل في معالجة أبرز الأزمات الدولية.
وثيقة مكة هي إحدى نتائج المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مايو (أيار) 2019، وصُدرت للعالم في 30 من الشهر نفسه.
جاءت وثيقة مكة في اللحظة التاريخية المناسبة التي تتزايد فيها الحاجة وتشتد إلى التجديد في صياغة الأحكام الشرعية، والمبادئ الإنسانية، والقيم الأخلاقية التي جاء بها الإسلام، وذلك وفق أحدث طرق المعالجة القانونية ذات البعد الإنساني، التي تنير معالم الطريق أمام المجتمع الدولي نحو بناء السلام العالمي، وصون حقوق الإنسان على أساس من قيم العدالة والإنصاف والمساواة.
في هذا السياق، كان الكاردينال النمساوي الأصل، يشيد بمنجزات الوثيقة على الصعيد العالمي، وبخاصة ما حملته مضامينها من رسائل إيجابية للأجيال القادمة؛ كونها خصصت في مضامينها حديثاً عن الشباب وتمكينهم.
وثيقة مكة في واقع الأمر، ليست وثيقة دينية فحسب، ولكنها كذلك، وثيقة مدنية، قانونية، حقوقية، وإنسانية، تهدف إلى إيجاد الوسائل العملية لإقرار الوئام بين البشر، ولتعزيز التفاهم وللتعايش وللحوار.
أنفع وأرفع ما في هذه الوثيقة، هو مفهومها العصراني، الذي يضع العالم الإسلامي في قلب الحراك الحضاري العالمي، وبما يحمله من إرث تاريخي لحضارة شارك في صناعتها الكثير من غير العرب ومن غير المسلمين أيضاً، وقد فتحت أحضانها وشرعت أبوابها للجميع، من غير تمييز أو محاصصة طائفية أو عرقية.
حين يقطع الكاردينال شونبورن بأهمية هذه الوثيقة، والتي دارت من حولها نقاشات معمقة مع الشيخ الدكتور العيسى، فلأن ذلك مرجعه تأكيدها على أن المسلمين جزء من هذا العالم بتفاعله الحضاري، يسعون للتواصل مع مكوناته جميعها لتحقق صالح البشرية، وأن الاختلاف في العقائد والأديان والمذاهب سُنّة كونية، وأن البشر متساوون في إنسانيتهم، وينتمون إلى أصل واحد، كما تدفع الوثيقة للتصدي لممارسات الظلم والعدوانية والصدام الحضاري والكراهية، وتسعى لمحاربة الإرهاب والظلم والقهر، وتندد بدعاوى الاستعلاء البغيضة والشعارات العنصرية.
في حوار خاص بين صاحب هذه السطور والكاردينال شونبورن قبل أعوام عدة ، بدا الرجل محملاً بأفكار إيجابية وخلاقة عن الآخر، وليس اعتباره الجحيم على حد تعبير جان بول سارتر، فيلسوف الوجودية الفرنسي الشهير في ستينات القرن المنصرم.
كانت ولا تزال رؤية كاردينال فيينا، أنه لا يوجد بديل عن الحوار؛ لأنه يقرب المسافات بين البشر، ويباعد من الكراهيات، ويعمق من حديث المودات.
عرف شونبورن بمواقفه المتقدمة في أوروبا، لا سيما حرية الضمير وبناء المساجد وكذا ارتداء الحجاب، معتبراً أن فكرة الحريات الدينية والإيمانية من المسلمات، والتي لا ينبغي المساس بها أو التعرض لها، وهو بذلك كان يمثل حائط صد ضد أفكار الكثير من المتشددين اليمينيين في العديد من الدول الأوروبية، والذين باتوا يمثلوا عبئاً كبيراً على منظومة التعايش الإنساني شرقاً وغرباً.
من أهم النقاط التي لفتت انتباه الكاردينال شونبورن ولا تزال، حيوية العالم العربي الممتلئ بالشباب، على العكس من أوروبا التي أبدى حزنه على شعوبها التي تكاد تنقرض من جراء تفضيل حياة الأنانية والتمتع الشخصي، ورفض تكوين أسرة وإنجاب أطفال.
في زيارته للرياض، بدا واضحاً إعجاب الكاردينال الروماني الكاثوليكي بأعمال رابطة العالم الإسلامي، والتي تمثل وعن حق، نقطة وصل مضيئة، ومصباحاً يشع برؤى الأخوة، عبر مبادراتها الدولية، مؤكداً تطلعه للعمل المستقبلي معها.
أحلى الكلام... المملكة تمضي في طريق الوئام الإنساني، وما أعظمها من رسالة ومصير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في رحاب «وثيقة مكة» في رحاب «وثيقة مكة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon