توقيت القاهرة المحلي 08:49:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من كول إلى فوكاياما... الغرب إلى أين؟

  مصر اليوم -

من كول إلى فوكاياما الغرب إلى أين

بقلم - إميل أمين

في الفترة من عام 1833 إلى 1836 رسم الأميركي توماس كول، خمس لوحات، لا تزال معروضة في المتحف الوطني في واشنطن، تحمل عنوان «مسار الإمبراطورية»، وتصف نشوء وارتقاء مدينة خيالية قائمة على نهاية وادٍ عالٍ، قرب نهر يلتقي مع البحر.
إسقاطات اللوحة واضحة جداً، لا سيما الصخرة الضخمة فوق الجرف الذي يطل على الوادي، وعند بعض النقاد الفنيين أنها تعبير عن ثبات كوكب الأرض، في مقابل تغير حالة الإنسان.
تمثل اللوحة الأولى الحالة البدائية للبشرية، أي الصيد لتوفير الغذاء، كما في أميركا الشمالية بداية عهدها، فيما اللوحة الثانية تعبّر عن الحالة الرعوية أو الريفية كما نجدها في بلاد اليونان القديمة، والثالثة تسمى كمال الإمبراطورية وترمز إلى روما القديمة.
يتغير حال مسار الحضارة من عند اللوحة الرابعة، حيث الدمار والنهب والسلب، وغالباً كان مشهد دمار روما عام 455 من جانب قبائل الوندال، في فكر كول، ويمتد المشهد للوصول إلى اللوحة الأخيرة، لوحة الخراب حيث أطلال المدينة تظهر في ظل الضوء الشاحب لغروب الشمس هناك حيث تعود البشرية إلى حالتها البدائية، ومن بعيد يبدو ضوء القمر حزيناً والغيوم محلقة فوق النهر الممتلئ بالأطلال، وكأن كول يشير عبر هذه اللوحة الكئيبة إلى مصير كل الإمبراطوريات بعد سقوطها.
يعنّ لنا والعالم في القلب من تحولات تكتونية جذرية التساؤل: هل مسار الخليقة دائري، تتكرر أحداثه عبر التاريخ، أم مقذوفي حلزوني صاعد إلى الأمام غير ملتفت للوراء بالمرة؟
وراء علامة الاستفهام المتقدمة ملامح ومعالم لديمقراطية غربية تتداعى من جراء موجات جديدة من الشعبوية المتطرفة التي تجتاح أميركا وأوروبا... موجات تتخذ وقودها من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، لتتجلى في العداء للمهاجرين تارةً، واختلاق معارك ثقافية تارة أخرى، ما يعني أن الديمقراطيات التقليدية الغربية تمر بامتحان داخلي يواكب شن روسيا «أعنف هجمة» يشهدها النظام الليبرالي الغربي منذ عقود.
تبدو الحواضن الغربية على مقربة من لوحة كول الرابعة، الدمار، وبخاصة في ظل انتهاز القوى اليمينية والشعبوية، مشاعر الخيبة العميقة التي تفشت، من جراء ارتفاع أسعار المحروقات وبقية السلع والخدمات، وعجز الحكومات عن كبح التضخم.
دفعت التطورات الاقتصادية الأخيرة في طريق استنفار البعض بخطاب خلافي وقوده العِرق والجنس والدين والهجرة، ما أدى إلى شيوع وذيوع حديث الثقافة الغربية التي تواجه خطراً وجودياً.
هل سيكون انهيار الليبرالية الغربية، هو درب اللوحة الخامسة لكول، لوحة الخراب، سواء من خلال الحروب الأهلية، أو المواجهة الكونية بأسلحة الدمار الشامل؟
ربما نجد الجواب في كتاب فرنسيس فوكاياما الأخير، والمعنون «LIBRALISM AND ITS DISCONTENT» أو «الليبرالية وخيباتها»، وفيه يذهب إلى أن المذهب الليبرالي الذي كان الأساس الذي شيّدت عليه حضارة الغرب، لا سيما بعد الحرب العالمية الأولى حتى الساعة، في خطر، فالاختلاف في الرأي، واحترام الحقوق الفردية، وسيادة القانون... باتت كلها مهددة الآن من جراء ما يطلق عليه ركود الديمقراطية، وصولاً إلى كسادها.
هل من بيانات تدعم فوكاياما في طرحه الأخير؟
وفقاً لمؤسسة «فريدوم هاوس»، شهدت الحقوق السياسية والحريات المدنية في جميع أنحاء العالم تراجعاً سنوياً على مدار الأعوام الستة عشر الماضية، ما يجعل التساؤل عن حمل الليبرالية لبذور فنائها في أحشائها أمراً واجب الوجود.
حسب المفكر الأميركي الجنسية، الياباني الأصل، فإنه ومنذ ظهور الليبرالية في القرن السابع عشر كمبدأ منظم للسياسة، فإنها عملت على جذب أنظار السياسات بعيداً عن السعي إلى توفير حياة كريمة، وفق ما يحددها دين معين أو عقيدة أخلاقية أو تقليد ثقافي.
أيكون الفراغ الروحي أحد أسباب الوصول إلى مرحلة الخراب؟
يمكن القطع بأن الطبيعة اللاإرادية في الليبرالية تخلق فراغاً روحياً، إذ يسلك الأفراد طرقهم الخاصة، ولا يختبرون سوى إحساس ضعيف بالمجتمع، وغالباً ما شجعت المجتمعات الليبرالية السعي بلا هدف وراء الإشباع الذاتي المادي.
هل كان لاجتياح بوتين تأثير في تحديث فوكاياما لنظرته لليبرالية؟
غالب الأمر أنه على هذا النحو، فمن سوء الطالع أظهر توجه بوتين أن العالم لم يصل إلى حالة «السلام الدائم»، التي نادى بها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، تلك اللحظة الما - بعد تاريخية، وأن القوة العسكرية القاسية الخشنة، تظل الضامن النهائي للسلام بالنسبة إلى البلدان الليبرالية، ولا يحتاج الأمر إلى القول إن تلك القوة ستظل عماد القوى السلطوية، منبتّة الصلة بالليبرالية، كما الحال بالنسبة لروسيا والصين، في تقدير الغرب وتقييمه.
يجزم فوكاياما بأن عالم اليوم عبارة عن تركيبات اجتماعية جاءت على هيئة نواتج لصراعات تاريخية تضمنت غالباً الغزو والعنف والاندماج القسري والتلاعب المتعمد بالرموز الثقافية، ومن هنا نشأت مجموعات ذات هويات محددة ترى نفسها عالقة في صراع بلا فائدة منه يطلق عليه «الصراع الصفري ZERO SUM STRUGGLE»، ذلك لأن كل مكسب لطرف يعد خسارة لطرف آخر، فلا تراكم لأي شيء مشترك بينهما، ما يعني حتمية المواجهة العسكرية.
عام 1914 كانت أوروبا خالية إلى حد كبير من الصراعات المدمرة لمدة قرن تقريباً، ومع ذلك نشبت الحربان العالميتان الأولى والثانية.
هنا قد يضحى الفارق بين لوحة الخراب لكول في منتصف القرن التاسع عشر، ونتاج الحربين الكونيتين السابقتين، هو مدى الضرر المتوقع من المواجهة النووية حال حدوثها.
التاريخ يبدو دائرياً مع الاعتذار للمؤرخ الأميركي آرثر ماير شليزنغر ورؤيته الحلزونية التصاعدية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من كول إلى فوكاياما الغرب إلى أين من كول إلى فوكاياما الغرب إلى أين



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 08:44 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة ترد على إعلان إسرائيل إنهاء عمل الأونروا
  مصر اليوم - الأمم المتحدة ترد على إعلان إسرائيل إنهاء عمل الأونروا

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon