بقلم - إميل أمين
باتت جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، خطوة تنويرية تضيء من المملكة العربية السعودية، وأضحت بمثابة جسر لا يُعرف فقط، بل يُعبَر من خلاله إلى العالم الواسع الفسيح، لا سيما في زمن العولمة، حيث سقطت الحدود وتلاشت السدود، عبر الزمان والمكان الافتراضيين.
حديث الترجمة في حاضرات أيامنا، يستحضر إلى الذاكرة الجمعية للأمة، أزمنةً من الازدهار العقلي والنقلي للحضارة العربية على حد سواء، أزمنة كُتبت بمداد من النور والذهب في كتاب الحضارة الإنسانية، لا سيما في القرنين الثاني والثالث للهجرة، أي في العصر العباسي، حين اهتم العرب بنقل أهم المؤلفات اليونانية إلى اللغة العربية، ومنها إلى اللاتينية، لتميط اللثام عن كنوز الحكمة الإنسانية في الطب والفلك، في الجغرافيا والرياضيات، وغير ذلك من مجالات العلوم.
نهار الخميس الماضي، بدت قاعة الاحتفالات التاريخية الكبرى في جامعة القاهرة، كأنها في عرس ثقافي، وقد كان ذلك كذلك، والمناسبة هي حفل تسليم جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، حيث تنادى إلى هذا الصرح التعليمي الكبير، رموز الفكر والثقافة، والعلم والأدب من المملكة العربية السعودية، ومن مصر.
يتساءل القارئ عن الجائزة وماهيتها؟
قل هي جائزة تقديرية عالمية تُمنح للأعمال المتميزة والجهود البارزة في مجال الترجمة من اللغة العربية وإليها، وتسعى إلى أن تكون داعماً رئيسياً في الاهتمام بالترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، ومن اللغات الأخرى إلى العربية، وأن تسهم في تجسير التواصل المعرفي والحوار الثقافي البنّاء، بين أبناء الثقافة العربية وأبناء الثقافات والشعوب الأخرى.
تأتي الجائزة في دورتها هذه لتعكس حرص المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، على تبني نهضة تنموية في مختلف المجالات ضمن خطة دعم وتطوير شاملة وغير مسبوقة تحددت مساراتها بـ«رؤية 2030».
ترتكز الجائزة على منطلقات رصينة، وتهدف ضمن طائفة واسعة من المستهدفات للإسهام في نقل المعرفة من اللغات الأخرى، وتشجيع الترجمة في مجال العلوم، طريق التقدم في عالم القرن الحادي والعشرين، إلى اللغة العربية.
وفي الطريق كذلك تعمل الجائزة على إثراء المكتبة العربية بنشر أعمال الترجمة المميزة، إضافة إلى تكريم المؤسسات والهيئات التي أسهمت بجهود بارزة في نقل الأعمال العلمية من اللغة العربية وإليها، وفي قلب هذا كله، النهوض بمستوى الترجمة وفق أسس مبنية على الأصالة والقيمة العلمية وجودة النص.
ما الدور المنوط بالترجمة اليوم بشكل عام، وبخاصة في ظل عالم يعاني من صحوة القوميات، وعودة إرهاصات الحركات اليمينية المتشددة وصولاً إلى المتطرفة، حيث الدعوات لارتفاع الجدران بين البشر، وليس بناء الجسور لتسهيل تعارف الأمم والشعوب؟
الجواب الشافي الوافي جاء ضمن سطور كلمة الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة، رئيس مجلس أمناء جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة.
وعنده أن الترجمة التي تقرّب اليوم بين مختلف الأمم والحضارات، تعد واحدة من أهم الضروريات التي تجعل من قيمة التفاعل الحضاري، قيمة جوهرية في لحظتنا المعاصرة، كما تؤكد على قيم التواصل والتفاهم بين الشعوب، خصوصاً مع المنجزات التقنية التي تتدافع بشكل مطرد في العالم.
يحتاج الإنسان العربي اليوم إلى الاقتراب بالمعرفة من كل ما هو جديد ومفيد، سواء على مستوى التلقي أو الإسهام والمعايشة، والمدخل في كل الأحوال يبدأ من العملية التعليمية الحديثة، وبما يشمل مراحل التعليم المختلفة كافة.
يعنّ لنا التساؤل مخلصين السؤال والبحث عن الجواب: هل تتضاعف أهمية الترجمة في زمن العولمة؟
الشاهد أن الترجمة تنهض بأبجديات التواصل الثقافي الكوني، كما تحافظ على الخصوصية الثقافية بكل أطيافها، وتشكّل في ذات الوقت، حافزاً للإبداع الحضاري.
وبينما تقيم الجسور بين البشر، فإنها أيضاً تُفضي إلى إبراز السيمفونية الإلهية في التعددية البشرية، وتنوع الألسنة واللغات، تلك التي تنطوي على الخصوصية الثقافية، وتسعى لتحقيق الاحترام المتبادل، المحبوب والمرغوب، بين الأنا والآخر، هذا الاحترام الكفيل بالنظر إلى الآخر كونه مكملاً ومتمماً وشريكاً في إعمار الأرض، وليس الآخر هو الجحيم، كما فاه الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر، ذات مرة من القرن الماضي.
تصبو دائماً جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة إلى الارتقاء بالثقافة العالمية، وتسعى عبر القوة الناعمة التي تشكّلها أصداء التفاعل بين اللغات إلى أن تكون نموذجاً متميزاً في تحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030»، التي تنفتح على مختلف الثقافات، سعياً إلى التطوير وتحقيق رفاهية المجتمع في جانب من جوانبه الثقافية الفذة.
أحلى الكلام:
الفيوض المعرفية للمملكة العربية السعودية تمتد كجسور تصل ما بين نبض ونبض، وبين فكر وفكر، وخيال وخيال آخر، قبل أن تصل إلينا بلغة ولغة أخرى.