توقيت القاهرة المحلي 11:59:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي

  مصر اليوم -

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي

بقلم - إميل أمين

لا يزال التساؤل الخاص بالنظام العالمي ما بعد الغربي، يطرح نفسه وبقوة في كافة المنتديات الدولية، وقد كان آخرها القمة الروسية – الإفريقية في مدينة سان بطرسبرغ التاريخية العريقة.

مرة جديدة، كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعوته ورغبته في أن تكون روسيا طليعة العالم متعدد الأقطاب، ونهاية زمن الهيمنة الغربية على مقدرات العالم.

هل تعني هذه الدعوة العودة إلى سياقات القطبية الثنائية، مرة جديدة، وكما جرى الحال طوال عقود الحرب الباردة؟

كثيرا ما يتم الاستشهاد بمقولة المفكر الأشهر كارل ماركس، عن التاريخ الذي لا يكرر نفسه مرتين، فيما الرد عليه يأتي من جهة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين، الذي اعتبر أنه بالفعل لا يعيد الزمن أفعاله، لكن من الوارد جدا أن أحداثه تتشابه.

لا يعني ذلك أنه بالضرورة نرى صحوة لقطبين تاريخيين، مثلما كان الأمر بين وارسو والأطلسي، فهناك من المتغيرات اللوجستية والسياسية، الأيديولوجية والدوجمائية، ما يجعل من النظام العالمي ما بعد الغربي، ساحة مفتوحة لتوازنات مختلفة، تتجاوز الثنائية التقليدية التي يقول المحافظون إنها قانون واجب الوجود منذ بدايات التاريخ الإنساني، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

يذهب عدد كبير من المفكرين إلى أن عام الأزمة المالية الأميركية في 2008، والتي انعكست على العديد من دول العالم، كانت صافر البداية لتحول واضح في الانتقال من الصيغة الأولى بل والصيغة الأولى المعدلة، أي ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفيها كانت السيطرة والهيمنة بمطلقية المشهد للغرب، رغم صواريخ السوفيت النووية، والتي لم تشفع أو تنفع لدول الستار الحديدي، في أن توجد عدالة اجتماعية أو اكفتاء ذاتي لشعوبها، إلى الصيغة الأممية الثانية للمجتمع الدولي.

غير أن علامة الاستفهام: "هل هي صورة واضحة المعالم والملامح أم أنها لا تزال تتشكل في رحم الأحداث؟
الشاهد أن الاستياء التاريخي ضد الغرب قد يستمر فترة طويلة، فترة يقدرها البعض بأنها قد تضاهي طول فترة الهيمنة الغربية.

لكن هذه الفرضية مزعجة، ذلك أنه حال حدوثها، سوف تضعف فرص الإدارة الملاءمة لمشاكل المصير المشترك للكرة الأرضية على المستوى العالمي.

راكمت الدوائر الإمبريالية الغربية ثروات طوال خمسة قرون، كثير منها دفعت أكلافه الشعوب المحتلة، وعليه فإن الموضوعية تقتضي التوقف والتفكير بعقلانية فيما إذا كان أفول الغرب على الأبواب، أم أن هناك من النوازل ما يستدعي خلق أشكال من التعاون الإنساني، بطريقة الكل فائز، ونسيان معادلة فائز واحد يكسب الكل.

يمكن القطع أنه منذ 2008، توسع المركز في علاقته مع الأطراف، حيث بدأت الدول النامية الكبيرة مثل الصين والهند في الاضطلاع بأدوار القوى الكبرى.

عطفا على ذلك يدرك الباحثون الثقات، كيف أن الثروة والقوة والسلطة الثقافية تتقسم يوما تلو الآخر مبتعدة بذلك عن المركز الغربي القديم، وكذلك عن اليابان بوصفها الضلع الثالث من أضلاع الرأسمالية العالمية.

هل ما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى أصعدة مختلفة، له تأثير واضح في رسم ووسم النظام العالمي ما بعد الغربي؟

يمكن القطع بأن ذلك كذلك قولا وفعلا، إذ جرت وتجري الأحداث، مع تراجع مطرد لمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، من حيث القدرة المادية والمكانة والسلطة الفكرية.

تبدو أحداث سياسية بعينها جرت بها النوازل منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحتى قرابة منتصف العقد الثالث منه، دافعة في طريق نظام عالمي مغاير، وإن ظل غائم المعالم والملامح إلى أجل منظور.

بدأ المشروع الليبرالي الذي قدم منذ فترة طويلة أسطورة الغائية لهيمنة الغرب، والتي ترجمت لاحقا عبر فكرة "الاستثنائية الأميركية"، الدخول في أزمة عميقة نتيجة الركود الكبير الذي واكب إشكالية "التوريق الأميركي"، وانهيار عدد من كبريات البنوك الأميركية.

تاليا جاءت الصحوة الشعوبية التي واكبت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، بجانب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نفس العام، وعودة التيارات القومية والشوفينية، وإحراز الجماعات اليمينية نتائج متميزة في الانتخابات البرلمانية، وبعضها اقترب من مقاعد السلطة، كما الحال مع "مارين لوبان" في فرنسا، لترسم علامات من القلق والأرق تجاه مستقبل أوروبا والولايات المتحدة، حيث كل بيت ينقسم على ذاته يخرب، وكل أمة تنقسم على ذاتها لا تثبت.

عن أي نظام عالمي جديد، ما بعد غربي، يمكن للمرء أن يتحدث، في ظل هذه الأنواء التاريخية التي تعصف بالكتل المركزية السابقة، وهل يمكن نشوء وارتقاء بديل متفق عليه، في ضوء التشارع والتنازع، اللذين يكادان يصلان بالعالم إلى حدود الحرب العالمية الثالثة، وبما تحمله من صدام نووي قد لا يبقي ولا يذر؟

يبدو السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن أن يتوازن المجتمع الدولي العالمي التعددي العميق الناشئ، بحيث يمكنه التعامل مع مشاكل المصير المشترك على المستوى العالمي وتلبية المطالب المنادية بالتعددية الثقافية داخل المجتمع العالمي.

حكما سوف تجبر الطبيعة القوى القطبية القديمة والجديدة على حد سواء، على تحويل تركيزها بعيدا عن تضارب الأفكار المؤدلجة، إلى المهددات التي تنذر بزوال البشرية من فوق سطح الكوكب الأزرق، وعلى غير المصدق أن يعيد النظر في أزمة المناخ العالمي.

قبل بضعة أيام صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن الأرض انتقلت مناخيا من عند حدود أزمة "الاحتباس الحراري" إلى حدود "نقطة الغليان".

لن توفر الطبيعة بقعة أو رقعة حول العالم، ما يعني أنه من غير رؤى تسامحية وتصالحية، إيكولوجيا وثقافيا، سياسيا واقتصاديا، مع التركيز على الأخطار الداهمة، فإنه لن يكون هناك مستقبل لا لنظام عالمي جديد أو قديم، بل سير في طريق"كوكب الأرض الراحل".

لم تعد الشعوب في حاجة لبلورة تظهر فيها الأبعاد المستقبلية لعالمنا، ما يعود بنا لمقولة الفيزيائي والفيلسوف الروسي الأصل البلجيكي الجنسية "إيليا برغوجين": "أفضل طريق للتنبؤ بالمستقبل هو صناعته".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon