توقيت القاهرة المحلي 10:58:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي

  مصر اليوم -

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي

بقلم - إميل أمين

لا يزال التساؤل الخاص بالنظام العالمي ما بعد الغربي، يطرح نفسه وبقوة في كافة المنتديات الدولية، وقد كان آخرها القمة الروسية – الإفريقية في مدينة سان بطرسبرغ التاريخية العريقة.

مرة جديدة، كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دعوته ورغبته في أن تكون روسيا طليعة العالم متعدد الأقطاب، ونهاية زمن الهيمنة الغربية على مقدرات العالم.

هل تعني هذه الدعوة العودة إلى سياقات القطبية الثنائية، مرة جديدة، وكما جرى الحال طوال عقود الحرب الباردة؟

كثيرا ما يتم الاستشهاد بمقولة المفكر الأشهر كارل ماركس، عن التاريخ الذي لا يكرر نفسه مرتين، فيما الرد عليه يأتي من جهة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين، الذي اعتبر أنه بالفعل لا يعيد الزمن أفعاله، لكن من الوارد جدا أن أحداثه تتشابه.

لا يعني ذلك أنه بالضرورة نرى صحوة لقطبين تاريخيين، مثلما كان الأمر بين وارسو والأطلسي، فهناك من المتغيرات اللوجستية والسياسية، الأيديولوجية والدوجمائية، ما يجعل من النظام العالمي ما بعد الغربي، ساحة مفتوحة لتوازنات مختلفة، تتجاوز الثنائية التقليدية التي يقول المحافظون إنها قانون واجب الوجود منذ بدايات التاريخ الإنساني، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

يذهب عدد كبير من المفكرين إلى أن عام الأزمة المالية الأميركية في 2008، والتي انعكست على العديد من دول العالم، كانت صافر البداية لتحول واضح في الانتقال من الصيغة الأولى بل والصيغة الأولى المعدلة، أي ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفيها كانت السيطرة والهيمنة بمطلقية المشهد للغرب، رغم صواريخ السوفيت النووية، والتي لم تشفع أو تنفع لدول الستار الحديدي، في أن توجد عدالة اجتماعية أو اكفتاء ذاتي لشعوبها، إلى الصيغة الأممية الثانية للمجتمع الدولي.

غير أن علامة الاستفهام: "هل هي صورة واضحة المعالم والملامح أم أنها لا تزال تتشكل في رحم الأحداث؟
الشاهد أن الاستياء التاريخي ضد الغرب قد يستمر فترة طويلة، فترة يقدرها البعض بأنها قد تضاهي طول فترة الهيمنة الغربية.

لكن هذه الفرضية مزعجة، ذلك أنه حال حدوثها، سوف تضعف فرص الإدارة الملاءمة لمشاكل المصير المشترك للكرة الأرضية على المستوى العالمي.

راكمت الدوائر الإمبريالية الغربية ثروات طوال خمسة قرون، كثير منها دفعت أكلافه الشعوب المحتلة، وعليه فإن الموضوعية تقتضي التوقف والتفكير بعقلانية فيما إذا كان أفول الغرب على الأبواب، أم أن هناك من النوازل ما يستدعي خلق أشكال من التعاون الإنساني، بطريقة الكل فائز، ونسيان معادلة فائز واحد يكسب الكل.

يمكن القطع أنه منذ 2008، توسع المركز في علاقته مع الأطراف، حيث بدأت الدول النامية الكبيرة مثل الصين والهند في الاضطلاع بأدوار القوى الكبرى.

عطفا على ذلك يدرك الباحثون الثقات، كيف أن الثروة والقوة والسلطة الثقافية تتقسم يوما تلو الآخر مبتعدة بذلك عن المركز الغربي القديم، وكذلك عن اليابان بوصفها الضلع الثالث من أضلاع الرأسمالية العالمية.

هل ما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى أصعدة مختلفة، له تأثير واضح في رسم ووسم النظام العالمي ما بعد الغربي؟

يمكن القطع بأن ذلك كذلك قولا وفعلا، إذ جرت وتجري الأحداث، مع تراجع مطرد لمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، من حيث القدرة المادية والمكانة والسلطة الفكرية.

تبدو أحداث سياسية بعينها جرت بها النوازل منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحتى قرابة منتصف العقد الثالث منه، دافعة في طريق نظام عالمي مغاير، وإن ظل غائم المعالم والملامح إلى أجل منظور.

بدأ المشروع الليبرالي الذي قدم منذ فترة طويلة أسطورة الغائية لهيمنة الغرب، والتي ترجمت لاحقا عبر فكرة "الاستثنائية الأميركية"، الدخول في أزمة عميقة نتيجة الركود الكبير الذي واكب إشكالية "التوريق الأميركي"، وانهيار عدد من كبريات البنوك الأميركية.

تاليا جاءت الصحوة الشعوبية التي واكبت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، بجانب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نفس العام، وعودة التيارات القومية والشوفينية، وإحراز الجماعات اليمينية نتائج متميزة في الانتخابات البرلمانية، وبعضها اقترب من مقاعد السلطة، كما الحال مع "مارين لوبان" في فرنسا، لترسم علامات من القلق والأرق تجاه مستقبل أوروبا والولايات المتحدة، حيث كل بيت ينقسم على ذاته يخرب، وكل أمة تنقسم على ذاتها لا تثبت.

عن أي نظام عالمي جديد، ما بعد غربي، يمكن للمرء أن يتحدث، في ظل هذه الأنواء التاريخية التي تعصف بالكتل المركزية السابقة، وهل يمكن نشوء وارتقاء بديل متفق عليه، في ضوء التشارع والتنازع، اللذين يكادان يصلان بالعالم إلى حدود الحرب العالمية الثالثة، وبما تحمله من صدام نووي قد لا يبقي ولا يذر؟

يبدو السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن أن يتوازن المجتمع الدولي العالمي التعددي العميق الناشئ، بحيث يمكنه التعامل مع مشاكل المصير المشترك على المستوى العالمي وتلبية المطالب المنادية بالتعددية الثقافية داخل المجتمع العالمي.

حكما سوف تجبر الطبيعة القوى القطبية القديمة والجديدة على حد سواء، على تحويل تركيزها بعيدا عن تضارب الأفكار المؤدلجة، إلى المهددات التي تنذر بزوال البشرية من فوق سطح الكوكب الأزرق، وعلى غير المصدق أن يعيد النظر في أزمة المناخ العالمي.

قبل بضعة أيام صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن الأرض انتقلت مناخيا من عند حدود أزمة "الاحتباس الحراري" إلى حدود "نقطة الغليان".

لن توفر الطبيعة بقعة أو رقعة حول العالم، ما يعني أنه من غير رؤى تسامحية وتصالحية، إيكولوجيا وثقافيا، سياسيا واقتصاديا، مع التركيز على الأخطار الداهمة، فإنه لن يكون هناك مستقبل لا لنظام عالمي جديد أو قديم، بل سير في طريق"كوكب الأرض الراحل".

لم تعد الشعوب في حاجة لبلورة تظهر فيها الأبعاد المستقبلية لعالمنا، ما يعود بنا لمقولة الفيزيائي والفيلسوف الروسي الأصل البلجيكي الجنسية "إيليا برغوجين": "أفضل طريق للتنبؤ بالمستقبل هو صناعته".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي بطرسبرغ والنظام العالمي ما بعد الغربي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon