توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب خفية فوق التربة القمرية

  مصر اليوم -

حرب خفية فوق التربة القمرية

بقلم - إميل أمين

وكأن الأرض ضاقت ببني البشر، ولهذا بدأت معاركهم تتسع وتنتشر في الفضاء الخارجي، وبعد أن كان القمر ملهماً للشعراء، وسميراً للعشاق؛ إذ به يتحول ساحةً من ساحات التجارب التي لا تخفى على أحد، ومرادها في نهاية الأمر عسكرة المشهد، ضمن سياق منافسات قطبية، تمضي بين الأقطاب الثلاثة التي لها باع طويل في الفضاء الخارجي، روسيا والولايات المتحدة من جهة والصين القادمة بقوة وثبات غير مسبوقين؛ ما يجعلها نداً مثيراً تارة ومقلقاً تارة أخرى وبالتحديد للعم سام... لماذا هذا الحديث الآن؟

الشاهد، أنه وسط ضجيج المعارك الأرضية، من غزة التي حرّكت ضمير العالم، إلى أوكرانيا المقلقة للسلم العالم، توارت أنباء إرسال الصين مركبة فضائية غير مأهولة في مهمة تستغرق شهرين تقريباً، لإحضار عينات من الصخور والتربة من الجانب البعيد للقمر، ذاك الذي يطلقون عليه «الجانب الخفي، أو المظلم»؛ لتصبح بذلك أول دولة تقوم بهذه المحاولة الطموحة.

تبدو مهمة الصينيين فوق سطح القمر لغزاً مغلفاً بأحجية ضمن سر كبير؛ ذلك أن مركبتهم مقرر لها الهبوط في المنطقة التي تعرف باسم «حوض أيتكين»، في القطب الجنوبي، على الجانب البعيد من القمر، وجمع عينات وإعادتها للأرض؛ ما يجعل من الصين أول بشر يمتلكون تلك العينات.

السؤال البدهي الذي يخطر على عقل أي قارئ: ما الذي يبحث عنه الصينيون في تلك المنطقة، ويستدعي التنقيب على عمق كيلومترين، قبل العودة إلى الأرض من جديد؟

من الناحية العلمية، إعادة العينات إلى الأرض، يمكنها أن تقدم للإنسانية فكرة متقدمة عن كيفية نشوء القمر، ولماذا يختلف جانبه البعيد عن الجانب القريب، وذلك عبر تحليل علمي ومعملي لصخوره وغباره.

على الجانب الآخر، تبدو قصة الصين فوق القمر، جزءاً من الحرب الخفية الدائرة بين الأميركيين من جهة، والروس والصينيين من جهة ثانية، لا سيما أن الصين تتطلع لأن ترسل أول رائد فضاء يهبط على سطح القمر، بحلول عام 2030، وتعمل جاهدة على تسريع إنشاء قاعدة أبحاث مشتركة على القمر مع روسيا، تلك المتوقع أن يبدأ العمل فيها عام 2027.

والثابت أن طموحات الصين في الفضاء الخارجي، باتت تتجاوز القمر، إلى ما وراءه في أعماق الكون، فقبل سنوات عدة فقط بدأت العمل في بناء التلسكوب الصيني الراديوي الأكبر في التاريخ بقطر 500 متر، ومن خلاله يأمل الصينيون أن يتمكنوا من سبر أغوار الكون السحيق، ومحاولة التواصل مع أي حضارات ذكية أخرى، ولو كانت تبعد عن كوكبنا مليارات أو تريليونات من الكيلومترات في الفضاء الواسع.

غير أن هناك بعداً منظوراً آخر أقرب من قصة التعرف على الكون وأبعاده، أو فك شفراته الخفية، إنه ذاك المتعلق بالحرب الخفية التي تجري بين الأقطاب الثلاثة المشار إليها، على صعيد التشويش وربما إعاقة وتخريب الأقمار الاصطناعية للآخر المغاير.

خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، كانت اليد العليا لمن يمتلك القدرة على البحار؛ ولهذا بدت بريطانيا سيدة العالم في وقت بعينه، إلى أن ورثتها الولايات المتحدة، حيث أساطيلها تلف الكرة الأرضية مرة كل أربع وعشرين ساعة.

اليوم، لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الشروحات والطروحات لتبيان أهمية الأقمار الاصطناعية، فقد باتت تتحكم في كل مناحي الحياة اليومية، من رصد لأحوال الطقس وسط عالم يعاني إيكولوجياً، مروراً بالأهداف العسكرية من رصد ومراقبة ومتابعة، وصولاً إلى الأهداف التجارية، حيث حركة البر والبحر والجو مرتبطة بخرائط تلك الأقمار...

هنا يضحى من الطبيعي القول إن من يُقدّر له اختراق أنظمة الطرف الأخر فضائياً، يمكنه أن يكسب معارك وليس معركة واحدة، وربما من غير الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة؛ إذ يكفي التلاعب بخرائط الملاحة الجوية، لشل دولة بأكملها وعزلها عن العالم، ناهيك عن السيطرة على مفاصلها من محطات توليد كهرباء وطاقة ونقل وبقية مراكز السيطرة والقيادة.

هل يأتي خبر صعود المركبة الصينية للجانب البعيد من القمر لينشر حالة من القلق، أقرب ما تكون إلى الذعر في الداخل الأميركي؟

يبدو أن فخ «ثيوسيديديس» قادم لا محالة بين واشنطن وبكين، كما جرت به المقادير قبل الميلاد بين إسبرطة وأثينا، غير أنه هذه المرة في الفضاء وليس على الأرض.

أرتجت قاعات الكونغرس في السابع عشر من أبريل (نيسان) الماضي، لخبر مركبة الصين، وتم استدعاء مدير وكالة «ناسا»، بيل نيلسون، ومساءلته.

لكن ما يدور في العقل الصيني الكونفوشيوسي، يصعب بحال من الأحوال فهمه عبر الطريقة الأرسطية القائمة عليها الذهنية الغربية.

هل القمر بالفعل «خراب رائع» على حد تعبير رائد الفضاء الأميركي باز ألدرين، ثاني إنسان يحط بقدميه على القمر؟

غالب الظن أن الأمر ليس على هذا النحو، فالحقيقة المؤكدة أن هناك موارد هائلة فوق سطح القمر، حيث تحتوي الأملاح المعدنية على كم هائل من الأكسجين، والسيلكون، والماء المثلج، ناهيك عن اعتقاد بوجود نحو مليون طن من غاز الهيليوم العجائبي، والذي يشكل طاقة هائلة وأفضل من نظيرتها النووية حال أستُخدم على الأرض.

هل مهمة الصينيين في الجانب الآخر من القمر، محاولة استكشاف فرصة حياة البشر في الجانب الآخر البعيد أو المظلم؟

الأميركيون ليسوا بعيدين عن السباق؛ إذ يجهزون برنامج «أرتيميس»، والذي يهدف إلى تأسيس وجود بشري مستدام على سطح القمر ويبدأ تنفيذه العام المقبل.

أهلاً بكم في عالم الحرب الخفية فوق التربة القمرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب خفية فوق التربة القمرية حرب خفية فوق التربة القمرية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon