توقيت القاهرة المحلي 14:39:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللانظام العالمي والشتاء المظلم

  مصر اليوم -

اللانظام العالمي والشتاء المظلم

بقلم - إميل أمين

هل من ملامح أو معالم للنظام العالمي الحالي، وبنوع خاص على عتبات الشتاء المثير والخطير القادم، لا سيما بعد ثلاثة أعوام من تفشي فيروس شائه، أدى إلى جائحة قاتلة وقرابة تسعة أشهر من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، عطفاً على أول تجربة احتكاك بين الولايات المتحدة والصين، كادت تشعل فتيل مواجهة كونية؟
لا نغالي إن قلنا إن الوضع الراهن يمكن وصفه باللانظام الدولي، بخاصة بعد فشل الولايات المتحدة في بلورة ما رأته نظاماً عالمياً جديداً بقطبية منفردة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود.
لم يعد عالمنا المعاصر عالم الثنائية القطبية التقليدية، وفي الوقت عينه لم تتشكل بعد مواصفات التعددية الأممية التي بشر بها المنظر الأميركي الشهير، ريتشارد هاس، في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، الأمر الذي يطرح علامة استفهام مقلقة حول قادم الأيام على المستوى الكوكبي.
عبر مجلة «فورين بوليسي» الأميركية الشهيرة والرصينة، كتب شيفشانكار مينون، الدبلوماسي الهندي، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي لرئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، مقالاً مطولاً عنوانه:
No body Wants the Current World Order «لا أحد يريد النظام العالمي الحالي»، حيث يشرح الأوضاع الدولية، والتيارات السياسية العالمية، عطفاً على الآيديولوجيات التي سادت، ليخلص إلى رؤية مؤداها أن العالم يعيش مرحلة من النهج التعديلي، أو التنقيحي، حيث من يملك القوة راغب في، وقادر على، ضبط المسارات، وتعديل المساقات، وفقاً لمصالحه، ومن دون أدنى مبالاة بالآخرين، ما دام يعتقد في فكر القوة الذي يصد ويرد عنه، طرح العقاب الأدبي أو المعنوي.
ماذا لو حاولنا تفكيك هذه الرؤية التي يتحدث عنها الدبلوماسي الهندي، الذي يعمل الآن أستاذاً زائراً للعلاقات الدولية في جامعة أشوكا بالهند؟
تبدو الخريطة الدولية من أدنى الغرب الأميركي إلى أقصى الشرق الآسيوي، في سياق تشكل هويات لزجة، تتزاحم وتتصادم كل يوم، وغالب الظن أنها ستأخذ عقداً من الزمن على الأقل، حتى تصل إلى صورتها شبه النهائية، بعد صمت دوي المدافع.
خذ إليك على سبيل المثال الولايات المتحدة، التي تعاني في داخلها من تشظٍ وصراعات مجتمعية، تنعكس حكماً على العالم الخارجي، وذلك من خلال شعارات لا تتجاوز الرطانة اللغوية كقول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب «أميركا أولاً»، ومن بعده بايدن وحديث «بناء عالم أفضل».
الرؤية الأميركية تسعى لإعادة السيادة المطلقة لواشنطن، وهدفها الرئيس قطع الطريق على قطبية الصين، وفي الطريق لم تعد تهتم بالمؤسسات الأممية التي ساعدت على قيامها بعد الحرب العالمية الثانية، كالأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، كما انسحبت من اتفاقيات الشراكة عبر المحيط الهادئ، وبات جل همها إحياء التحالفات العسكرية، ولو بشكل محدود، كما الحال مع تحالف «أوكوس»، وتحالف «كواد».
هل وضع الصين يختلف كثيراً عن حال أميركا؟ لا تبدو بكين بدورها حجر زاوية في عالم مستقر، لا سيما في ظل الهشاشة الداخلية التي انكشفت أمام العالم عبر أزمة «كوفيد - 19»، خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، ومن الواضح أنها باتت تسابق أميركا في دروب البراغماتية غير المستنيرة، وعينها على إعادة ترتيب ميزان القوى في آسيا، ومنح صوت أقوى للصين في الشؤون الدولية.
من الواضح جداً أن الارتباك والقلق في الداخل الصيني اليوم، كفيلان بإحداث المزيد من الاضطرابات وضبابية المشهد، لا سيما أن الصين غير قادرة على تقديم آيديولوجيا جديدة مغايرة أو بديلة، لما تقدمه الدوائر والحواضن الغربية. وبالانتقال إلى بلاد «القيصر» بوتين، يبدو وكأن أوان الحساب أو الانتقام قد حل، وموعد سداد تكاليف خذلان الغرب لروسيا بعد ثلاثة عقود من تفخيخ الاتحاد السوفياتي قد حل، ما دفع موسكو إلى التحرك العسكري، وعدم انتظار «الناتو» على الأبواب.
ما قامت به روسيا تجاه أوكرانيا، هو ضرب من ضروب السلوك التعديلي، الانتقائي أو الانتقامي، لا يهم، المهم أنها تعمد إلى تغيير المشهد الدولي، بقدر ما يتوافر لها من قوة النيران، وحتى إذا بلغ المشهد المقارعة النووية.
وفي هذه الأثناء تبدو أوروبا قارة غائبة، قرارها ليس في يدها، بل عند العم سام، وهو ما باتت تدركه الكثير من النخب الفكرية في قارة التنوير، ولهذا ربما صحت ألمانيا مؤخراً على حقيقة النهج التنقيحي، ذاك الذي يعود بها إلى منعرجات القوة العسكرية مرة ثانية، بعد أن أدركت أن صاحب القوة هو من يحدد الحقيقة، كما قال اليوناني القديم ثيراسيماخوس، ولهذا رصدت مائة مليار يورو لإعادة التسلح.
النهج التعديلي عينه نجده في اليابان، التي باتت تنفض عنها مؤخراً تبعات الحرب العالمية الثانية، وتسعى في طريق تغيير الدستور، والسماح بامتلاك منطلقات القوة العسكرية مرة جديدة والتحسب لمواجهة قادمة لا محالة مع الصين.
لا أحد يعمل مع الآخر من أجل رسم معالم خريطة دولية لنظام عالمي يكاد يقبل على شتاء مظلم، والظلمة هنا قد تتبدى من خلال نقص إمدادات الطاقة في أوروبا من جانب، لكن الجانب المخيف هو ظلام العقول والقلوب، وسيادة رؤى الكراهية بين الأمم والشعوب، ففي وسط التخبط التعديلي، حكماً ستنهض تيارات اليمين القومي، وتتصاعد شهوات قلب الأناركيين، ودعاة التفلت من أطر الدولة التقليدية، ويتزايد الرفض للديمقراطية والليبرالية... هل تضحى الحرب قابلة التاريخ هي الحل؟
راجعوا كارل ماركس يرحمكم الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللانظام العالمي والشتاء المظلم اللانظام العالمي والشتاء المظلم



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon