توقيت القاهرة المحلي 22:47:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«ذي أتلانتيك»... وحديث الروح السعودية القيادية

  مصر اليوم -

«ذي أتلانتيك» وحديث الروح السعودية القيادية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

يستدعي حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية، وقفة موضوعية عند منعطف التغيير السعودي الذاتي المنطلق من معطيات ومتطلبات تتوافق والبيئة والمجتمع السعودي.
مرة جديدة نذكر بأن كل إنجاز كبير، هو حُلم قبل أن يتحول إلى واقع، كما أن الجدل القديم، ذاك الذي دار طويلاً في مقاربة بين الظروف أم الشخصية ومن يشكل مصائر الأمم وأقدار الشعوب، قد حسم منذ زمن بعيد لصالح الأشخاص، والعهدة هنا على أبي السياسة الخارجية الأميركي العتيد هنري كيسنجر.
من أين لولي العهد هذه الروح الوطنية الوثابة، والتصريحات التي لا تنقصها الجرأة أو تعوزها الشفافية والوضوح؟
المؤكد أن الطبيعة الجغرافية والديموغرافية للمملكة هي من يزخم ويدعم قوتها في الحال والاستقبال، والبداية من عند موقع يطل على ثلاثة مضائق بحرية، يمر من خلالها نحو 27 في المائة تقريباً من التجارة العالمية، عطفاً على المقدرة على تلبية 12 في المائة من الطلب العالمي على النفط، وامتلاكها لاثنين من أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم، كما تمتلك واحداً من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية.
تبدو المملكة قوية بعقدها الاجتماعي الداخلي بين الشعب والأسرة الملكية الحاكمة، لا سيما في زمن التأسيس الثالث الذي تمر عليه هذه الأيام ثلاثة قرون.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن مناقشة تفصيلية لكل ما ورد في الحوار الثري، الذي يذكرنا بما قاله ريمون آرون الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير بشأن التشبث على الدوام بحلم يتمثل في مجتمع تقدمي مؤنسن بشأن حقيقي.
تبدو كافة مفردات النقاش في حوار «ذي أتلانتيك» تتمحور حول نقطة مركزية واحدة، وهي إعادة السعودية إلى الموقع والموضع الذي يليق بها وبإمكانيات شعبها، ومقدراتها البشرية والاقتصادية.
مثير جداً قدر المباشرة في الحديث، والارتكان إلى الجذور التراثية، لا سيما ما يستحق منها اليوم العودة إليه، في تقويم لا تخطئه العين لمسارات ومساقات ترك الزمن أثره وبصماته عليها، وإن جاء وقت التصحيح.
عبر الحديث المطول، يدرك القارئ والباحث أن قضية الآيديولوجيا لا تشغل بال صاحب الرؤية التنموية 2030 للمملكة، وإنما محاولة الوصول إلى الميثودولوجيا، بمعنى الطرق الحديثة والعلمية في ابتكار نماذج النمو وحل المشكلات على مختلف أشكالها وأنواعها، هي ما تدور في رأس القائد الشاب.
خذ إليك على سبيل المثال رؤيته للمشروعات التنموية ولتطوير البنى التحتية، وكذا الهياكل العملاقة من نوعية نيوم، والعُلا، والدرعية، والقدية وأخواتها، فجميعها لا تتماهى ولا تحاكي أي تطوير، شرقاً أو غرباً، وإنما تنطلق من عمق أعماق المقومات التاريخية للسعودية، ما يعني أننا أمام نموذج للإبداع وليس للاتباع.
لم يكن للتطوير وإعادة البناء أن يمضيا في طريق الحجر ومن غير مقدرة على التلاقي مع البشر، لا سيما أن الإنسان يظل هو القضية وهو الحل في الوقت عينه.
من هنا نرى الرؤية التسامحية والتصالحية التي يقدمها ولي العهد، ومن قلب التاريخ الإسلامي، ذاك الذي لم يمضِ في طريق الإبعاد أو الإقصاء، وإنما – وعلى حد تعبير الأمير محمد – عرف وفي قلب بدايات الدعوة الإسلامية تعايشاً مع المسيحيين واليهود، ما أعطى ولا يزال نموذجاً لاحترام وتقدير كل الثقافات والأديان، بغض النظر عن طبيعتها، وقد باتت هذه الأريحية روحاً خلاقة ينبغي الرجوع إليها، روح الجذور المثالية، حيث الحقيقة الكامنة في الروح الإنسانية الواحدة من مشارق الأرض إلى مغاربها.
في الحديث عينه يتذكر المرء ما جاء في كتاب عالِم الاجتماع السويدي الشهير جوتار ميرولا عن «الدولة الرخوة»، وهي التي تغيب فيها روح القانون.
هنا نرى التأكيد على أن المملكة لا تعرف مفهوم الدماء الملكية، ولا التمايز بين أفرادها من جهة، وعموم الشعب من جهة ثانية، وكيف أنه لا يقبل الخطأ من أي فرد من تلك الأسرة، بل إن كون الفرد ينتمي إلى تلك الأسرة فإن ذلك يعد تكليفاً ومسؤولية ينبغي احترامهما، لا سيما أن الأسرة المالكة هي في خدمة الشعب والحفاظ على وحدته.
الحوار لا تنقصه الجرأة المستندة إلى الحقوق القانونية والشرائع والنواميس الوضعية، لا سيما فيما يتعلق بالحدود المسموح فيها بالتدخل في شؤون المملكة، وعدم مراعاة الطبيعة الاجتماعية والدوغمائية للسعودية، ولهذا فإن الحسم والحزم تجليا ظاهرين: «ليس لأحد الحق في التدخل في شؤوننا».
تبدو المملكة في طريقها وعبر السنوات الخمس الماضية سائرة في درب المودات، بدءاً من عند الولايات المتحدة، الصديق القديم والحليف الكبير، وإن كان ذلك لا يعني ضبط المسافات مع القوى الصاعدة حول العالم، وخصوصاً في شرق آسيا، وبذكاء شديد تترك للآخرين القرار وما إذا كانوا يودون متابعة مصالحهم مع المملكة أو تخفيضها.
لا تؤمن المملكة بحسب الحوار المثير للتفكر، بحتمية الصراعات التاريخية، وهذا أمر يتماشى مع الديالكتيك التاريخي لسنن الله في خلقه من جهة التغيير.
لا تنظر المملكة لإسرائيل بوصفها عدواً، وتأمل أن تنتهي القضايا الخلافية مع الفلسطينيين لتضحى حليفاً قادماً، ولا تغلق الباب في وجه إيران، الجار الطبيعي، مع ضرورة الانتباه إلى خطورة حيازة سلاح نووي أو التوصل إلى اتفاق ضعيف.
قديماً قالوا إن كل قول يدل على قائله بأكثر مما يشير إلى سامعه، وتكفي قراءة الحوار ليدرك المرء معنى ومبنى رؤية 2030، التي ينطبق عليها قول فيكتور هوغو أديب فرنسا العظيم: «لا أحد يستطيع إيقاف فكرة حان وقتها».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ذي أتلانتيك» وحديث الروح السعودية القيادية «ذي أتلانتيك» وحديث الروح السعودية القيادية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 02:55 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025
  مصر اليوم - أبرز قصات فساتين الزفاف الهالتر الرائجة في 2025

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 21:23 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

السيسي يستقبل البرهان ويؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار
  مصر اليوم - السيسي يستقبل البرهان ويؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 07:55 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل
  مصر اليوم - نتنياهو يحدد 3 مفاتيح لاستعادة الأمن في شمال إسرائيل

GMT 21:27 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

محمد صلاح خارج سباق المنافسة على جائزة أفضل لاعب أفريقي

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 06:22 2024 الجمعة ,09 آب / أغسطس

عمرو أديب يحذر من فيلم سبايدر مان الجديد

GMT 11:18 2019 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

اهمية تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر

GMT 22:37 2019 الإثنين ,18 آذار/ مارس

" ابو العروسة " والعودة للزمن الجميل

GMT 00:36 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

برشلونة يقسو على إشبيلية وميسي يُسجِّل في الوقت الضائع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon