توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تخيل العام الجديد

  مصر اليوم -

تخيل العام الجديد

بقلم:مشاري الذايدي

أدعي أن أكبر عجز في منطقتنا ليس عجز الموازنة العامة أو عجزاً في الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل إن العجز الأكبر هو عجز في الخيال، وقدرة الناس على تخيل عالم أفضل يبدأ من الفرد وينتهي بالوطن، فالعالم ينفرط أمامنا بقدر خيالنا، فمن يستطيع أن يتخيل عالمه يحدث أمامه. ولكن للقدرة على الخيال متطلبات وقواعد.
أول متطلبات الخيال الواعد هي القدرة على الخروج من السجون، وبالسجون هنا أعني سجون العقل ومخاوفه وعثراته. وهنا سأستغل جزءاً من المقال لأحكي قصتين ذواتي مغزى لتوضيح فكرة سجن العقل. القصة الأولى تقول بأن سجاناً قال للسجين سأترك لك فتحة في الزنزانة وهذا قدوم ربما سيساعدك في البحث عنها، إذا ما وجدتها فأنت حر طليق لا غبار عليك، وإن لم تجدها فليس من بد إلا أن تقضي مدة العقوبة داخل هذه الزنزانة الضيقة. وقضى السجين ليلته يحفر في حيطان الزنزانة بحثاً عن المَخرج حتى خارت قواه. ولما رآه السجان في الصباح مكوّماً في ركن من الزنزانة وقد أضناه التعب طلب منه الوقوف، صاح السجين بغضب قائلاً: ما تلك المزحة السمجة، فلو كنت تريد عقابي كان من الأفضل أن تقول لي إن عليَّ أن أحفر طوال الليل، فردّ السجان: لم تكن نكتة سمجة، فقد تركت لك الباب مفتوحاً! ولكنّ عقل السجين لا يستطيع أن يتخيل أنه من الممكن أن يكون الباب مفتوحاً.
القصة الثانية هي ملخص لقصة قصيرة كتبها الروائي الأميركي ما بعد الحداثي دون داليللو بعنوان «العدَّاء» the) runner)، وملخصها أن رجلاً قد تعود أن يعدو من بيته حتى حدود الحديقة العامة، وكان يمارس هوايته في الجري قبل غروب الشمس، ومتى ما وصل عند الحديقة العامة رأى لافتة مكتوباً عليها «الحديقة مغلقة بعد غروب الشمس»، ولم يكن على الحديقة أسوار أو بوابات إلا هذه اللافتة المكتوبة، كلما وصل عندها العدّاء استدار وعاد من حيث أتى ولم يجرؤ على الجري في مساحة الحديقة الشاسعة، فقط لأن الشمس قد غربت واللافتة تقول إن الحديقة مغلقة، لم تكن هناك أسوار فيزيائية على الأرض، ولكن الأسوار كانت عالية داخل رأس العدّاء. فلكي يخطو أحدنا خطوة غير مألوفة، فإن ذلك يتطلب تحطيم أسوار زنازين العقل التي طُبعت فينا بحكم البيئة أو الأسرة أو السرديات المهيمنة التي تجعل مجرد التفكير في اتخاذ خطوة واحدة إلى الأمام أمراً غير ممكن.
ضيق الخيال وضيق الأفق هو العجز الأكبر الذي يتملك من عقولنا المفردة وعقولنا الجمعية. و«.. ما ضاقت بلاد بأهلها».. ولكن عقول الناس تضيق دوماً بحكم العادة وحكم الخوف.
الخوف هو واحدة من فرامل الخيال التي نضغط عليها لا إرادياً، وهذا ما يجعل خيالنا محدوداً أو في أحسن الحالات مهزوزاً.
الخيال أمر مختلف عن التهيؤات أو الخلط الذهني. الخيال أمر فيه وضوح جليّ، تعرف أنك خارج نطاق الخيال، وأنك دخلت عالم التهيؤات والخلط الذهني عندما ترى السراب ماءً. الخيال يفرّق بوضوح بين الماء والسراب.
إن أهل المنطقة مطالبون بتحطيم سجون العقل، وبالابتعاد عن الخلط الذهني الذي يجعل من السراب ماءً، من أجل مخيال أوسع يفتح أمامنا آفاقاً أوسع في بناء تصورات للمستقبل، تصورات وخيالات تجعل من المستحيل ممكناً. في السياسة يكرر العرب عبارة مكرَّرة أساسها أن السياسة هي فن الممكن، لكن الحقيقة هي أن السياسة هي فن الـ«مش ممكن» بمعنى القدرة على تخيل ما ليس ممكناً وتحويله إلى الممكن. جعل الله عامكم الجديد خصيبَ الخيال على مستوى الأفراد والأمم، وكل عام وأنتم بخير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخيل العام الجديد تخيل العام الجديد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon