بقلم:مشاري الذايدي
العمل الجماعي قوة، خصوصاً في أوقات الأزمات، ومنطقتنا مُترعة بها على الدوام، والواضح أمامنا أن التجمّع الخليجي هو البناء العربي الأكثر صلابة والأطول عمراً، بعد الجامعة العربية التي بقي منها أطلالٌ بها رمق من حياة.
القمّة الخليجية على مستوى قادة دول مجلس التعاون الخليجية ستعقد في الكويت في الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهي مناسبة لتجديد العزم وابتكار الحلول، لمعالجة ما يمكن علاجه من مشكلات الجوار، العربي وغير العربي، وفي مقدّمة هذه المصائب، الحرب، بل الحروب، الإسرائيلية في المنطقة، ومنع الانزلاق للفوضى المهلكة بسبب العراك الإيراني الإسرائيلي، الذي يصعد ويهوي كبندول الساعة، ويتراوح بين الجدّ والهزْل، الصدق والتكاذب، الخطورة والسهولة، على إيقاعات ظاهرة وخفيّة.
المؤسسة الخليجية ليست إطفائي حرائق المنطقة فقط - كما قلنا حسب الممكن - لكنها أيضاً معنيّة بشقّ طرق جديدة لشعوبها نحو الغد، وتأمين حياة أكرم ومستقبل أضمن لمواطني هذه الدول ومن يقيم على أرضها، فهي إذن تقوم بعملين في وقت واحد، الخارج والداخل.
منذ انطلاق المؤسسة الخليجية رسمياً في 1981 على يد الآباء المؤسسين، وهي ولدت في محيط الخطر وصحراء الحذر، حيث كانت الثورة الإيرانية الأصولية ساخنة تطلق براكينها الدخانَ وبعضَ اللهب في كل مكان، وكان النظام البعثي الصدّامي يفرض صوته ويكرّس اتجاهه على السياسة العربية، وكانت أخطار الحرب الباردة شاخصة بين المعسكر الشيوعي بقيادة روسيا والرأسمالي الغربي بقيادة أميركا، وقد وصلت آثار هذا العراك العالمي إلى ديار الشرق الأوسط بل إلى الخليج والجزيرة العربية (ثورة ظفار في عُمان والنظام الشيوعي في اليمن الجنوبي... مثالاً).
الجميل أن استشعار هذه الأخطار في الدار الخليجية والجزيرة العربية والجوار العربي وغير العربي، لم يمنع العمل الخليجي من الانتباه للداخل، والعمل على إنهاض الإنسان والاقتصاد، الحجر والبشر، داخل الخيمة الخليجية.
نعم... كانت هناك لحظات أزمات، تطول وتقصر، وبعضها ما زال جمره تحت الرماد، وربما تأتي أزمات أخرى، لكن رغم كل الأزمات وبعضها عميق خطير، لم تتقوّض الخيمة الخليجية، وهذا بحدّ ذاته نجاح كبير، قياساً بانهيار منظومات عمل عربية أخرى، مثل مجلس التعاون العربي (مصر، اليمن، العراق، الأردن) والاتحاد المغاربي، وقبلها الاتحاد الهاشمي.
الأزمات الخارجية وربما الداخلية، هي كالصمغ الذي يمنع تفكّك الأجزاء عن بعضها البعض، وذلك من مفارقات الحال، وتبقى السفينة الخليجية هي القادرة العربية الوحيدة على الإبحار ومجابهة الأمواج.