توقيت القاهرة المحلي 20:27:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن معجزات الخروج من فخ الوسط

  مصر اليوم -

عن معجزات الخروج من فخ الوسط

بقلم:مشاري الذايدي

أن يكون المرءُ منتمياً إلى الطبقة الوسطى، وعاملاً في مشروع متوسط أو مالكاً له، في إحدى الدول متوسطة الدخل، فتوقعات وقوعه في أحد فخاخ الوسط لا يمكن تجاهلها، واحتمالات خروجه منها في الأحوال الراهنة، تستدعي معجزات.

ونبدأ بحال الدول متوسطة الدخل، التي حصرها تقرير التنمية في العالم الصادر مؤخراً عن البنك الدولي في 108 من البلدان التي يتراوح متوسط الدخول فيها بين 1136 دولاراً و13845 دولاراً سنوياً. وهي تشكل مجتمعة 40 في المائة تقريباً من اقتصاد العالم وتضم 75 في المائة من سكانه، ويعيش فيها 63 في المائة ممن يعانون الفقر المدقع. وقد قامت بعض هذه الدول في السابق بنقلات نوعية في نموها الاقتصادي، رفعتها من تصنيف الدول الأفقر والأقل دخلاً إلى مصاف الدول متوسطة الدخل.

ولننظر مثلاً إلى الصين التي انتشلت، من خلال سياسات الاستثمار والنمو المطرد، مئات الملايين من أبنائها من هوة الفقر حتى احتفت بالقضاء التام على الفقر المدقع في عام 2020. ويرجع الفضل في ذلك للنهج البراغماتي الذي تبناه دينغ شياو بينغ، أكبر المصلحين الاقتصاديين إنجازاً في القرن العشرين. ففي حين انساق البعض في ربوع متفرقة من عالم الجنوب بطنطنة حول «الفقر ليس عيباً» مبررين بها أسباب التخلف الاقتصادي، وبمبادرات متهافتة لا تزيد الفقير إلا فقراً، وتشيع ثقافة معادية للكد والاجتهاد والمنافسة سعياً للربح واكتساب الثروة، انطلق بينغ بداية من عام 1978 مبشراً في مجتمع كانت تسوده أفكار مناهضة للتوجه الجديد لعقود طويلة، مؤكداً «أن تصبح ثرياً فهذا أمر رائع». وتبنت دولته التحديثات الأربع في الصناعة والزراعة والعلوم والجيش. وتم دفع الاستثمار في البشر وتعلمهم ومهاراتهم وصحتهم، وفي البنية الأساسية والتطوير العمراني، مع جذب الاستثمارات الأجنبية فتحققت معجزة اقتصادية قوامها العمل الشاق والسياسات المدروسة والمؤسسات الدؤوبة.

ويشير كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، أندرميت جيل، في تقديمه للتقرير المعنون «فخ الدول متوسطة الدخل»، إلى أن الخروج من هذا الفخ أصبح أكثر وعورة من الذي سلكته الدول التي تحقق لها الخروج من هذا الفخ في السابق. وذلك لاعتبارات ديموغرافية، وزيادة الديون وتفاقم التحديات الجيوسياسية والقيود التجارية، وعدم القدرة على زيادة النمو دون إهدار المقومات البيئية والمناخية.

يجعل هذا من اتباع نمط النمو السابق مضيعاً لفرص التنمية في المستقبل، فوفقاً لهذا النمط مع انخفاض متوسطات النمو ستحتاج الصين أكثر من 10 سنوات حتى تصل إلى ربع متوسط الدخل الأميركي، بينما ستحتاج الهند إلى 75 عاماً للوصول إلى هذا الهدف. فما استحق في السابق وصف «المعجزة»، بمعنى قريب لما يردده الأشقاء في تونس «بالخارق للعادة» عن أعمال تستحق الدهشة والإعجاب، لم يعد صالحاً وحده الآن لنقل هذه الدول إلى المرتبة الأعلى بين مرتفعي الدخل.

والدول لا تعوزها المزيد من الخطط الطموحة، فلنتذكر ما ردده الملاكم مايك تايسون «كل لديه خطة حتى تأتيه لكمة في وجهه». ولكمات العصر ومربكاته كثر بما يستوجب نهجاً مختلفاً. والأجدى، وفقاً للتقرير، أن تتبنى الدول متوسطة الدخل نهجاً ثلاثياً للاستثمار؛ الأول بزيادة الاستثمارات عموماً، والثاني بضخ التكنولوجيا الجديدة بتوطينها من خلال الاستثمار، والثالث من خلال تشجيع الاستثمار في التطوير والابتكار. ويحبذ التقرير أن تقوم الدول المنتمية للشرائح الدنيا في الدخل المتوسط بدفع عمليات ضخ التكنولوجيا محلياً مع زيادات الاستثمار، بينما يتوقع من دول الشرائح الأعلى إضافة بعدي التطوير والابتكار. ويقترح سياسات على مستوى المشروعات بترسيخ قواعد المنافسة العادلة؛ وكذلك تطوير المهارات وسياسات سوق العمل والهجرة وإثابة الجدارة والتميز. كما يولي اهتماماً مستحقاً للتعامل مع قيود الموارد، وخصوصاً الطاقة، من خلال الاستثمار في كفاءة توليد وتوزيع الطاقة وإعادة هيكلة قطاعات إنتاجها.

ولتفعيل هذا الإطار الثلاثي للاستثمار يعيد التقرير إحياء منهج الاقتصادي جوزيف شومبيتر عن «التدمير الخلاق» بما أورده في كتابه «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية». ويستلزم هذا التوازن بين ما يستحق التدمير من مشروعات سيئة، وأضيف إليها «الأفكار» أيضاً، وما يستحق الإبقاء عليه، وما يستلزم السعي لإيجاده من عدم. فالتدمير الخلاق اقتصادياً لا يكون بإهلاك ما يستحق البقاء أو ما يستأهل التطوير، فلسنا بصدد ما هو على شاكلة إعلانات السبعينات والثمانينات التليفزيونية التي كانت تنادي «انسف... تخلص من حمامك القديم!». ويستلزم هذا تفاعلاً عملياً لتحقيق التقدم الاقتصادي وتدافعاً ومنافسة بين ما هو قائم في الاقتصاد وما هو قادم إليه من مشروعات وأصحاب مهارات ومصادر للطاقة والموارد. وفي القلب من ذلك كله القضية المحورية للمنافسة العادلة واستواء الملعب لكافة اللاعبين، والتحرر من الجمود في شأن ملكية المشروعات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن معجزات الخروج من فخ الوسط عن معجزات الخروج من فخ الوسط



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon