بقلم - مشاري الذايدي
مع احتمالية استمرار حالة الاحتراب والفوضى في السودان، نتمنى أن يخيب ظننا، بتزايد احتمالية استغلال الجماعات الإرهابية لهذه الحال من أجل تأسيس وجود دائم داخل أحشاء السودان واقتطاع «غنيمة» من هذه الفوضى لصالح... «تنظيم القاعدة» مثلاً.
أصلاً السودان أيام مجد حسن الترابي وشريكه عمر البشير، قبل أن يختلف الشريكان، كان مئزراً لكل الإرهابيين والأجنحة العسكرية للحركات الإسلامية ذات الصبغة الإخوانية «الجهادية». في مقدم ذلك أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ومن يقرأ مذكرات عمر بن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما يقف يقيناً على تفاصيل هذه الاستضافة والتوظيف من الترابي والبشير وجماعتهما.
في بداية فبراير (شباط) من عام 2022، طلعت الأنباء عن نشر مؤسسة «بيت المقدس» الإعلامية، التابعة لـ«تنظيم القاعدة»، كتاباً بعنوان «الأمير المنسي» لأبي حذيفة السوداني، القيادي بـ«تنظيم القاعدة»، تضمن تحريضاً على شن هجمات إرهابية وتأسيس جماعات جهادية تابعة للتنظيم داخل السودان.
أبو حذيفة السوداني من أهم قادة «تنظيم القاعدة» من السودانيين، وقد اعترف في كتابه هذا بأنه تلقى أمراً مباشراً من أسامة بن لادن لتنفيذ عملية إرهابية ضد قاعدة عسكرية سعودية، قرب مدينة الخرج، جنوب العاصمة الرياض، في عام 2001، وحين انكشف أمره هرب من السعودية للعراق، ثم تم تسليمه للسودان، فحبس برهة تمهيدا لتسليمه الي السعودية. كما قال في كتابه.
في ذلك الكتاب قبل حوالي العام من الآن، حرّض أبو حذيفة أنصار «تنظيم القاعدة» على الاستفادة من حالة عدم الاستقرار الأمني في السودان لشن هجمات لصالح «تنظيم القاعدة». كما حثّ أنصار التنظيم داخل السودان على البدء في تكوين خلايا «جهادية»، وتأسيس وجود لـ«القاعدة» في البلاد.
في هذا الكتاب الخطير، حسب بعض القراءات التي اطلعت عليها، يركز أبو حذيفة خطابه على شخصية قاعدية سودانية «كامنة» داخل السودان حالياً، وهنا تكمن الخطورة.
أبو حذيفة وجَّه رسالته المشفرة لهذا الرجل الكامن والغامض «بسلامته»، واصفاً إياه بـ«الأمير المنسي» و«زرقاوي السودان»، طالباً منه البدء في إعداد وتجهيز المجموعات «الجهادية» داخل البلاد.
هذا الذي وصفه أبو حذيفة بزرقاوي السودان، هو من قدامى الأفغان العرب الذين ذهبوا إلى أفغانستان إبان الهيمنة السوفياتية، وبأنه يحظى بثقة الجيل المخضرم من قاعدة «القاعدة»، مثل أبي برهان السوري.
الحاصل من هذا كله، وبعيداً عن كلام أبي حذيفة، هو أن حال السودان اليوم يبدو مغرياً ومسيلاً لأفواه شياطين «القاعدة»، وربما «داعش»، وربما غيرهما، وعلمتنا الأيام أن «القاعدة» لها محركات داخلية خاصة بها، قوامها الخلل الفكري وأدبيات المفاصلة القطبية وبقية أدبيات عبد الله عزام وأمثاله، ولديها أيضاً محركات خارجية قوامها التعاون والتخادم مع جهات مثل «الحرس الثوري» الإيراني، وربما غيرهم في جيوب ما في الغرب البعيد...!
لا نتمنى ذلك، ولكنه جرس تنبيه، قبل أن نرى فجأة على شاشات الأخبار البيان والفيديو الأول عن تأسيس أول جماعة «جهادية» في السودان باسم مثل «تنظيم القاعدة في وادي النيل»! وأعان الله مصر غرباً وشرقاً وشمالاً... وجنوباً.