بقلم - مشاري الذايدي
حين مررتُ بكشك قديم في لندن، قبل أيام، اعتدت الاختلافَ إليه في الزمان اللندني، دُهشت حين وجدتُ صحفاً ورقية معروضة على حامل معدني في الخارج، مثل الأيام الخوالي.
غير أنَّ دهشتي زادت حين لاحظت أنَّ الصحف المعروفة فيما مضى انحسر ظهورها، عدا صحيفة واحدة تكافح بقوة خضراء، لكن تزاحمها، وبعدد أسمن الأوراق والملازم، بل الملاحق، صحف جديدة، تخدم التيار الموصوف بالعروبي الثوري ومعه طبعاً التيار الإخواني.
المفارقة هي أنَّه في اللحظة التي يتراجع فيها دعم -لن أقول دعماً بل تجديد- صناعة الصحافة الحقيقية في دول الاعتدال، نجد الأطراف الداعمة لمحور المقاومة، دولاً وغير دول، تضخّ الأموال وتوظّف الرجال بغزارة لتكريس نهجها الفكري السياسي الإعلامي العبثي، الذي من منتجاته «حماس» و«حزب الله» و«الحوثي» و«الإخوان» وخدَم هؤلاء من مغفّلي اليسارجية أو حتى حركات النسوية المتطرفة.
فتّش عن المال، تجد الوحش قابعاً في الكهف المظلم، يبثّ سراياه في قلب الظلام لتقاتل نور الشمس.
التقارير عن المال القاتل الذي يُطعَم لوحوش الخراب وغيلان الموت وسعالي الفتنة باسم الإسلام في العالم... معلومة ومنشورة، أو كثير منها، لكن ثمة من يريد عمداً تجاهلها أو التقليل من شأنها أو حرف النقاش إلى غيرها.
من أين تصرف جمعيات الإخوان المسلمين، العالمية، وحين نقول العالمية، يعني العالمية حرفياً، من أين تصرف رواتبها، وإيجارات مقرّاتها، وشراء الذمم، ومصاريف الدعايات والمؤتمرات والسفرات والفنادق والطائرات والقطارات والبوفيهات والنثريات؟
دعونا نتحدَّث عن إعلام الإخوان فقط في الغرب...
مقرّات إدارية، واستوديوهات، وتأجير أقمار صناعية للبث منها، وأجهزة وبرامج فنية متعددة من كاميرات ووحدات إضاءة ومونتاج وديكورات، ووسائل اتصال هاتفي وإلكتروني واستهلاك كهرباء وطاقة... كما لاحظ الصحافي المصري ضياء رشوان في مقالة له.
مضيفاً: إذا تم جمع كل هذه المصروفات معاً، ولو في حدودها الدنيا، لأمكن بسهولة شديدة تقدير ما ينفقه الإخوان على فضائياتهم التلفزيونية بمئات الملايين من الدولارات أو اليوروهات سنوياً، وهي المبالغ التي تعد منطقية في سياق مستوى الحياة في العواصم والمدن التي تتمركز بها.
الخطأ الكبير المُبير، هو النوم على مخدّة السوشيال ميديا، والاكتفاء بحفنة من التغريدات على «تويتر»، أو الترند، ومقاطع الـ«سناب شات»، و«تيك توك»، وصلّى الله وبارك!
أين صناعة محتوى إعلامي حقيقي على كل الجبهات وبكل الأدوات؟ وأين الرؤية النافذة في هذا المضمار؟ أتحدث عن كل أنصار الاعتدال ودوله.
إذن: اتّبع المال... تصل إلى الحقيقة، وتعرف هناك من يُلقي اللحم الأحمر الذي ينزّ منه الدم حتى يمزّقه وحش الخراب العالمي... بين أنيابه.