بقلم - مشاري الذايدي
في 27 فبراير (شباط) 2000 كتب الشيخ د. يوسف القرضاوي مقالة يرثي بها «الأخ» صديقه وشبيهه، الشيخ د. سيد سابق.
سيد سابق كان هو النسخة السابقة للقرضاوي في صناعة «الشيخ الفقيه» بمصانع جماعة الإخوان، فالقرضاوي وسابق من علماء الأزهر، الذين انتموا للجماعة بإخلاص وحماس، بصفتهم من الرعيل الأول للجماعة، فمما يمدحون به الشيخ سابق أنه بايع «الإمام الشهيد» حسن البنا، كما درج القاموس الإخواني على نعته.
وهو، أي الشيخ سابق، من طبقة «المشايخ الأزهريين» في الجماعة، ويذكر القرضاوي منهم: محمد الغزالي، عبد المعز عبد الستار، وزكريا الزمركة... وغيرهم، ثم يستدرك: «وإن كانوا هم في (كلية أصول الدين)، وهو في (كلية الشريعة).
يقول القرضاوي عن شبيهه: «اشتغل الشيخ سيد سابق بالفقه، أكثر مما اشتغل إخوانه من الدعاة الأزهريين؛ لأنه الأليق بتخصصه في كلية الشريعة».
أصدر الشيخ سيد الجزء الأول من كتابه الذي سماه «فقه السنة»، في أواسط الأربعينات من القرن الماضي، وقد صدره، كما يغتبط القرضاوي، بمقدمة من المرشد العام للإخوان المسلمين «الشيخ الإمام» حسن البنا، تنوه بمنهج الشيخ في الكتابة.
قُدِّم سيد سابق للمحاكمة في قضية مقتل النقراشي باشا، بالعهد الملكي، وطبعاً ينفي القرضاوي صحة التهمة ويقول: «زعموا في ذلك الوقت أنه هو الذي أفتى الشاب القاتل عبد المجيد حسن، بجواز قتله، عقوبة على حلِ الإخوان، وكانت الصحف تلقب الشيخ في ذلك الوقت بـ«مفتي الدماء!». ويذكر القرضاوي أن الشيخ محمد الغزالي وهما في المعتقل، إذا سئل عن مسألة فقهية يحيلها إلى الشيخ سيد سابق «فقد كان هو المعتمد لدى الإخوان في الفقه». إذن كانت صناعة الشيخ سيد سابق بوصفه فقيهاً أزهرياً إخوانياً، يعتمد التيسير والتسهيل والتوضيح، في الفتاوى الفقهية، نهجاً إخوانياً مدروساً، سار عليه القرضاوي لاحقاً.
من يطالع كتب القرضاوي ومقالاته ومقابلاته وفتاواه، وهو الذي عاش عمراً مديداً (96 عاماً) يدرك أن هذه التيسيرات الفقهية (الموقف من الموسيقى والفنون مثلاً) ليست إلا قناعاً حاجباً للوجه الإخواني «السياسي» المتزمت، والحدي القطعي الدموي حتى، كما كان يلقب زميله وربما شيخه من قبل، سيد سابق، بمفتي الدماء في العهد الملكي!
تعاني جماعة الإخوان من هزالها الفقهي، وغلبة الكلام السياسي الوعظي على المتانة الفقهية، القرضاوي نفسه ذكر نقد الفقهاء، لبساطة سيد سابق وعدم تمكنه الفقهي المقارن، وإن كان قد دافع عن ذلك بأنه يكتب للعامة، وهنا مربط الفرس كما يقال.
الإنسان المسلم «العادي» يحتاج للفتوى في حياته اليومية، وهذه الحاجة يسدها الفقيه اللامسيس عادة، ومن هنا انتبه الإخوان مبكراً لهذه «الغنيمة» الجماهيرية، فحاولوا، عن وعي، مزاحمة الفقهاء العاديين، بسحب سلاح الفتوى للعوام منهم، وصناعة الشيخ الفقيه، ولعل إيغال القرضاوي في هذا الدرب، وأبرز ذلك تشكيل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسته 2004 الذي تركه ليخلفه عليه «الشيخ» المغربي الإخواني أحمد الريسوني لبعض الوقت، يكشف عن المنهج الكامن وراء صناعة صورة الفقيه. ويأتي في هذا السياق أيضاً صناعة صورة «الشيخ» الموريتاني الإخواني محمد الحسن ولد الددو.
تذكرت رثاء القرضاوي في صديقه سيد سابق، في لحظة رحيل الشيخ القرضاوي عن عالمنا الفاني.