توقيت القاهرة المحلي 00:11:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

د. سعد الدين إبراهيم

  مصر اليوم -

د سعد الدين إبراهيم

بقلم - عبد المنعم سعيد

شهد عام ١٩٩٤ حدثًا مهمًّا، وهو صدور كتاب «المِلَل والنِّحَل والأعراق»، ومعه حدثت الدعوة إلى عقد مؤتمر «حقوق الأقليات فى الوطن العربى» خلال الفترة من ١٢ إلى ١٤ مايو ١٩٩٤ فى القاهرة.

لم يُقدر للمؤتمر الانعقاد فى القاهرة، وإنما كان على الداعين إليه الذهاب إلى دولة أخرى لعقد المؤتمر. كانت العاصفة قد قامت، انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، واستنكرت طوائف أن توصف بالأقلية، وصدرت بيانات وزارات خارجية تشكو مؤامرات أجنبية، وبقية القصة باتت معلومة للجميع بعد ذلك. والسبب أن «زرقاء اليمامة» كانت قد وضعت أصابعها على واحدة من أخطر القضايا العربية المنذرة بالكوارث فى قادم الأيام؛ ورغم استخدامها تعبير «الوطن العربى» الأثير لدى القوميين العرب.

فإن «الزرقاء» كانت شديدة البصر والبصيرة، ترى ما لا يراه آخرون، وتسمع ما لا يسمعونه؛ وشهدت اليمامة إنكارًا شديدًا مضافًا إلى الاستهجان المدوى. الدكتور سعد الدين إبراهيم عالِم الاجتماع الكبير كان زرقاء اليمامة، التى كانت من أوائل مَن تعرضوا لمسألة الأقليات فى العالم العربى العرقية أو الدينية، مؤكدًا أنها سمة أساسية من سمات الوطن العربى.

وقدر أن 15% من سكان المنطقة العربية هم من الأقليات، وأن كل ما شهده العالم العربى من حروب وفتن داخلية وإراقة دماء والحروب الأهلية كان سببه تجاهل حقوق الأقليات وقمعهم بما وصل إلى استخدام الأسلحة الكيماوية.

لم تكن قضية الأقليات وقتها هى القضية الوحيدة التى عاش من أجلها سعد الدين إبراهيم، ورغم عروبيته الشديدة خلال شبابه وبعد تخرجه وحتى عاد من الولايات المتحدة مُحمَّلًا بزعامة الطلبة العرب؛ فإنه مع الزمن كانت له مقتربات أخرى من التعامل مع قضية السلام مع إسرائيل تقوم على الثقة بالنفس والقدرة على التفاعل من أجل حماية المصالح الوطنية والقومية أيضًا شاملة القضية الفلسطينية.

كان ذلك قبل وقت طويل من معاهدات السلام العادية والإبراهيمية، وقبل استقلال حماس بغزة حتى قبل قيام الدولة الفلسطينية، وقبل انتزاع حزب الله للدولة اللبنانية، وقبل أن تمزق الحروب الأهلية سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان مؤخرًا. فى غيبة القوة الذاتية والتماسك الداخلى، كانت إدارة السياسة فى القضايا المصيرية لا تحتاج الكثير من الحناجر، وإنما ما هو أكثر منها من العقول. وفى هذه الحالة أيضًا كان رد الفعل كما كان سابقًا فى قضية الأقليات.

القضية الثالثة لدى رائد علم الاجتماع السياسى فى مصر كانت المجتمع المدنى ومن أجله سار فى بناء الجمعيات والمؤسسات للمرأة والطفل، وبالتوازى معها أسس مدرسة علمية لدراسة وتطوير المجتمع الأهلى فى مصر وغيرها من البلدان العربية.

كان مؤمنًا بأن نهضة الشعوب لا تحدث فقط بمدى حيوية النخبة الاستراتيجية الحاكمة، والنخبة السياسية والاقتصادية والثقافية المؤثرة، وإنما بمدى فعالية المجتمع ومنظماته المختلفة وقدرتها على تعبئة الموارد القومية وعمل كل ذلك فى تناغم ومشاركة. ومن أجل ذلك أسس مؤسسات وطنية مصرية، وأخرى قومية عربية قدم لها المدرسة الفكرية، والمحترفين العارفين، والفكر والاستراتيجية فى العمل.

والحقيقة هى أننى لا أعرف متى عرفت د. سعد الدين إبراهيم؛ وأظن أن المعرفة بدأت فى وقت مبكر خلال السبعينيات وقت الالتحاق بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ولكنها تعمقت مع محاولته مع د. على الدين هلال وأ. سيد ياسين إنشاء منتدى مصر الديمقراطى، ومن بعده منتدى الفكر العربى ومركز دراسات الوحدة العربية، ثم إنشائه مركز ابن خلدون، الذى شاركت فى مجلس إدارته لسنوات.

كان جزءًا من مسيرة حاول فيها جيل أن يضيف إلى وطننا المصرى والعربى فكرًا يعبئ القدرات ويتعامل مع السدود والموانع بما قُدر له من علم ومعرفة. وعلى مدى خمسة وأربعين عامًا صاحبته وصادقته، وسميت نجلى الأصغر على اسم نجله، اختلفنا واختصمنا واتفقنا وتباعدنا، ووقفت إلى جانبه وقت المحاكمة مدافعًا ومناصرًا، وحاولت بقدر الطاقة حمايته من مغالاته فى عشق الإعلام.

وللحق أنه كان لديه دائمًا ما يقوله ويجذب إليه الكاميرات بالأداء والحجة والمضمون. ورغم سفره المستمر فإنه لم يتوقف عن الإنتاج أوراقًا ومقالات وكتبًا، وكان مقاله فى المصرى اليوم إضافة دائمة للنقاش العام.

وخلال المرحلة الأخيرة تقاربنا، وبات من جانبه أشد تفهمًا ومساندة لما تقوم به مصر فى هذه المرحلة من تاريخها. كان دائمًا ومع زوجته كريمًا فى منزله وفى مواجهة خطوب عارمة، وقائمًا بما لم تقم به كثرة من رفاقه بتقدير ما أطرحه من قضايا وتوجهات. رحم الله سعد الدين إبراهيم، وخالص العزاء لزوجته باربرا وابنته راندا وابنه أمير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

د سعد الدين إبراهيم د سعد الدين إبراهيم



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:33 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - نتنياهو ينتقد ماكرون لدعوته حظر توريد الأسلحة لإسرائيل
  مصر اليوم - محمود حميدة يتسلم جائزة الإنجاز الإبداعي في مهرجان الجونة

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 03:26 2024 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

عقار من سم العنكبوت لعلاج تلف النوبة القلبية

GMT 12:51 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

كيكة الشوكولاتة

GMT 21:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على الفرق الـ "الأربعة" المتأهلة إلى كأس العالم للأندية

GMT 11:36 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يكشف الاستاد الأقرب لاستضافة نهائي كأس مصر

GMT 10:23 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسوان يسافر إلى الإسماعيلية استعدادًا لمواجهة الدراويش

GMT 13:14 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة دبي تتراجع بنسبة 0.93% بجلسة الأحد

GMT 17:39 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا تسجل 14 وفاة و 3157 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 19:04 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسمنت في مصر اليوم السبت ٣ تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 01:04 2020 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

170 جنيها ثمن لقاح تطعيم الإنفلونزا الموسمية

GMT 10:45 2020 السبت ,08 آب / أغسطس

تعرف على العمر الحقيقي ليسرا اللوزي

GMT 06:06 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

اكتشاف سلالة جديدة من إنفلونزا الخنازيرفي الصين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon