توقيت القاهرة المحلي 17:49:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسألة الهوية الوطنية؟!

  مصر اليوم -

مسألة الهوية الوطنية

بقلم - عبد المنعم سعيد

في يوم من أيام شهر أبريل (نيسان) 2008 أتتني مكالمة تلفونية من بلد عربي شقيق تدعوني إلى زيارته يوم 27 من الشهر نفسه. وقتها كنت مديراً لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ولم يكن مستغرباً دعوتي إلى ندوات ومهرجانات ثقافية أو إلقاء محاضرة. كان قد مضى أربع سنوات منذ بدأت الكتابة المنتظمة في جريدة «الشرق الأوسط» الغراء، وهذه خلقت جسراً إلى منطقة الخليج التي أصبحت واحدة من اهتماماتي البحثية والفكرية منذ عملت مستشاراً سياسياً في الديوان الأميري لدولة قطر خلال الفترة من 1990 إلى 1993 إبان حرب تحرير الكويت وما بعدها من أحداث ازدحم فيها السلاح مع الدبلوماسية وباختصار السياسة. هذه المرة كان هناك تمهيد للزيارة من قِبل صديق فلسطيني بأن الأشقاء في الدولة الشقيقة يريدونك في مهمة بحثية مهمة تتعلق بتعزيز «الهوية الوطنية». في أدب العلوم السياسية كانت «الهوية» مبحثاً من مباحث «حداثة» الدولة الوطنية أو Nation State، وهي مسألة يمكن تحليلها بحيث نعرف لماذا أصبح الفرنسيون فرنسيين، ولماذا بات الألمان ألماناً، وهكذا حال؛ وهل لذلك سمات معينة على الأغلب لا توجد في دولة مثل أخرى؟. «الهوية» لها جانب «جيني» أو بلغة اليوم DNA لا يُخترع ولا يُستحدث. وصلت في الموعد وكانت المهمة في غاية الجدية ووعدت بالعودة بعد شهر بعد التفكير في الأمر مع زملائي في المركز، حيث عرضنا خطة بحث يقوم بها أربعون باحثاً وخبيراً في العلوم السياسية والاجتماعية والأنثروبولوجيا والاقتصاد والتاريخ. بعد عام جرى البحث فيها بين القاهرة والدولة الشقيقة حتى تم الانتهاء منه وتسليمه؛ وبات علينا النظر في مشاهد الدولة المهمة عن كيف تم تنفيذ 222 توصية جاءت في البحث المذكور؟ وكان ما رأيناه مبهراً.

لماذا كل هذه القصة المعقدة عن تجربة بحثية ناجحة، والإجابة هي حالة العديد من الدول العربية مثل سوريا، واليمن، والسودان، وفلسطين ولبنان، وبدرجة ما العراق، التي تعيش حالات من الحروب الأهلية أو تعيش على حافتها أو تدخلها فترة وتخرج منها فترات بينما يظللها الخوف من حرب مروعة. فما يحدث فيها من صراعات مسلحة أو التهديد بحدوثها ما هو إلا نتاج حزمة من العناصر المعقدة، ولكن أكثرها أهمية هي ضعف الرابطة الوطنية والهوية المشتركة بين مكونات «شعب». ولا يمكن قبول المشهد الحالي في المسرح السياسي السوداني من الصراع المسلح العنيف الذي يحدث في أرجاء الدولة، ولا يستثني حتى العاصمة، وفي كل هذه الأرجاء يقتل «سوداني» سودانياً آخر بعد اعتباره عدواً لا يمكن تصوره شقيقاً ينتمي إلى «هوية» مشتركة. الأمر ينطبق على كل الحالات، وربما كانت الحالة السودانية على حداثتها مثالاً على السذاجة التي تجري بها عمليات التفاوض من خلال أطراف دولية وإقليمية بحيث يلتقي الطرفان في عواصم شتى ويتفقان على وقف إطلاق النار، وبعدها بساعات يجري استئناف القارعة وسقوط الجنود والمدنيين في واحة الانقسام. صحيح أن الأمر قد يكون راجعاً إلى انقسامات عرقية أو طائفية تكون هواياتها تصادمها ويبحث كل منها عن السيادة على الآخرين. ولكن ذلك كان ممكناً تاريخياً في عصور أخرى عندما كانت الحرب بين الإنجليز وأهل أسكوتلندا وويلز وآيرلندا تمهيداً لقيام المملكة المتحدة التي يربط هويتها «التاج البريطاني» ويحارب تحت أعلامها الجميع في الحروب العالمية خلال القرن العشرين. الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب في القرن التاسع عشر لم تكن عاكسة للطائفية أو الأعراق وإنما كانت لحل إشكالية التناقض ما بين «إعلان الاستقلال» الأميركي الذي أكد على حقيقة الإنسان وحقوقه الأساسية؛ و«الدستور» الأميركي للذي سمح بالعبودية، وامتهان الأعراق الأقل شأناً من السود إلى النساء واليهود. في النهاية لم تؤدِ الحرب إلى انقسام الدولة، وفاز الاتحاد لأنه تكونت «هوية» أميركية جديدة قامت على مشروع صناعي وتكنولوجي مشترك يمكنه التعامل مع دولة ذات طبيعة قارية سوف تصير مع الزمن دولة عظمى.

«الهوية» مكون أساسي من مكونات الدولة، وموضوعها أن جماعة من البشر قد وجدت مجمعاً متميزاً من الرموز والأساطير والثقافة والمصالح المشتركة عن كل ما جاورها من مجمعات أخرى. هذه الهوية إجرائياً ترتب استعداد الأفراد للدفاع عن الحدود حتى بالحياة، ودفع الضرائب لرفع العلم وتحقيق التنمية المشتركة. في الدولة الوطنية توجد السياسة التي تدعم من خلال وسائل متنوعة ما هو مشترك وتجعله يسير في اتجاه متصاعد؛ ولا تقبل إطلاقاً أن تكون فيها جماعة مثل «حزب الله» في لبنان ثلثاً معطلاً لكل ما تحتاج إليه الدولة من قرارات. «هوية الدولة» بكل ما فيها من فخر وعزة، تجعل عمليات توقيع الموارد القومية مسألة تخص جميع «المواطنين»، وفي كل الأحوال يكون «السلاح» واستخدامه احتكاراً خالصاً وشرعياً للسلطة السياسية وحدها. ما جرى في وطننا العربي هو أن عدداً ليس بقليل في عالمنا العربي ضعفت فيه الهوية الوطنية إلى الدرجة التي خلقت صدامات مسلحة كتلك التي نراها في الخرطوم؛ وفي مدينة واحدة في إقليم دارفور سقط 15 ألفاً من الضحايا طبقاً لتقرير من الأمم المتحدة في صدام واحد.

مثل ذلك لا يحدث في دولة وطنية واحدة إلا إذا كانت الهوية المشتركة ضعيفة ومتهافتة إلى الدرجة التي تولد ميليشيات جماعات متفرقة، وكثيراً ما تتصادم في ما بينها، وكل منه من حيث القوة والسلاح يتفوق على الجيش الوطني. والحقيقة، أنه لم تكن هناك صدفة أن دول الإصلاح العربي أولت مسألة الهوية اهتماماً خاصاً بحيث باتت حجر الأساس الأول في عملية الإصلاح الجارية. ولما كانت «الهوية» قضية تخص كل دولة في مفرداتها وعناصرها، فإن أنماطها تستحق معالجة خاصة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسألة الهوية الوطنية مسألة الهوية الوطنية



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon