توقيت القاهرة المحلي 11:21:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الملهاة «الفيسبوكية»

  مصر اليوم -

الملهاة «الفيسبوكية»

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

مثل «التضخم» و«الجائحة» وما أشبه أصبحت الشكوى من «الفيسبوك» ووسائل التواصل الاجتماعى عامة ظاهرة عالمية فى تعقيدها وما حققته من ارتباك لوسائل نقل المعرفة والاتصال فى العالم كله.
ولكن كالعادة فإن ما يصيب الدنيا من أمور تقلبها الشعوب والأمم ما بين السلبى والإيجابى فإنها لدينا تكون خطيرة ومنذرة ومهددة أيضا ليس فقط للنظام العام، وإنما أكثر من ذلك للوحدة الوطنية، تستغلها قوى معادية وخصوم ترى ما يجرى فى مصر من إصلاح مناوئا لمصالحها. وللأسف أنه فى الوقت الذى يسير فيه التقدم المادى سريعا ومتابعا لما يحدث تكنولوجيًّا فى الدول المتقدمة الأخرى، فإنه كما يحدث فى كل ما يتعلق بالقيم والوعى بصفة عامة، يعكس حالة من البدائية والتخلف والنضج المتعثر الذى يزدهر فى المجتمعات النامية.

ومن عجب أنه بعد ظن ساد أن وسائل التواصل الاجتماعى سوف تساهم فى ازدهار المعرفة، وخلق حالة من التواصل الكثيف والمباشر، وزايد كتاب على أنها سوف تصير مفتاحا للديمقراطية المباشرة؛ فإنها فى الواقع باتت صداعا فى معظم دول العالم المتقدم لما تسببه من ضوضاء وتشويش على القضايا الجوهرية. ولكنها فى دول العالم النامى خاصة حيث النخبة السياسية عاجزة عن خلق الوفاق العام تتسبب فيما هو أكثر على طريق الحرب الأهلية أو الانقسام القومى وفض الوحدة الوطنية، وانتشار الجهل والشعوذة، وحالات من التربص والمطاردة والمراقبة والضوضاء والضجيج الكلامى.

القصة بسيطة فى روايتها ولكنها معقدة فى دلالاتها، ومربكة فى نتائجها، وتدور حول الأستاذ إبراهيم عيسى، أحد أهم المثقفين والمفكرين والإعلاميين فى مصر الآن، وهو يلقى بدلوه استنادا إلى عمل دراسى دؤوب للوثائق والمخطوطات، ويخرج بنتائج فكره إلى الرأى العام من خلال نوافذ صحفية وتليفزيونية وسينمائية أيضا. واثق من نفسه طوال الوقت، ورائق فى تحديد خطوط التماس معه، والأسوار الشائكة حوله، وكل ذلك بلغة عربية فصيحة مليئة بالمترادفات وقدر غير قليل من خفة الدم، والمعرفة الكثيفة بالفنون والآداب.

المعركة الكبرى التى اختارها أولها البحث عن الحقيقة فى التاريخ الوطنى فى كتبه الأصلية وفك الارتباك والتعقيد بين التراث والتقدم؛ وثانيها بالمعنى الحديث فإنه فى ذاته يشكل جبهة كبيرة فى المواجهة مع الإخوان المسلمين وأذنابهم من الجماعات الراديكالية التى تحالفت فى مواجهة المشروع الوطنى الجارى. التداخل ما بين المعركتين يسير فى خطوط متوازية من حيث الأدوات، كتب أو برامج أو أفلام، ولكن نهاية كل منها تشكل إضافة معرفية للفكر العام مفعمة بقدر كبير من الوهج والدراما الموجعة لمن يقاوم مواجهة الحقيقة.

قبل فترة قصيرة وفى برنامجه «حديث القاهرة» تحدث عن أحد الموضوعات الأثيرة لديه والحاكمة فى الخريطة الذهنية التى يعطيها لمشاهديه وقرائه، بأنه ليست الأمور فى الدنيا فقط حمالة أوجه، وإنما هى أكثر من ذلك موضوع لاختلاف المفكرين والفقهاء. وكما هى العادة فى ازدحام الكثير من الأمثلة، مشيرا إلى وجود تعدد فى الآراء والتقديرات المتعلقة بعدد من المسائل طرح واحدة منها قصة «المعراج» المعروفة لدى كل المسلمين عن رحلة النبى محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء. لم يكن هناك فى القص إنكار، ولا قليل احترام، إن هناك مثلا من أمثلة عددها، على تعدد الآراء والرؤى فى حدث لا يختلف أحد على أهميته فى الرواية والذكر.

المفاجأة التى تلت كانت انفجار الحالة «الفيسبوكية» مع وسائل التواصل الاجتماعى الأخرى المصرية، وتلتها العربية، بأن ما قاله كان إنكارا لرحلة «الإسراء والمعراج» النبوية، وتلاها اتهامات تراوحت بين ما هو رفض ما هو معلوم فى الدين بالضرورة، والكفر البواح. لم يكن الأمر يحتاج أكثر من استطلاع على «اليوتيوب» للتعرف على ما ذكر على وجه الدقة.

ولكن «الفيسبوكية» الإعلامية تحركت كما علمنا الراحل القدير الدكتور حامد ربيع عن «الظاهرة الجماهيرية» التى تتولد وتنتشر تبعا للغرائز والتقليد، فتكون الأكاذيب حقائق لأن هناك عليها توافقا جماهيريا. كانت الظاهرة عميقة إلى درجة أن أحد زملاء المهنة طلب عرض الموضوع على مجلس النواب، وتحدث آخر عن واجبات المجالس الإعلامية فى مواجهة المروق على الملة، وبلغت الكارثة ذروتها عندما تحول الموضوع كله إلى البحث الرخيص فى كل ما هو خاص عن الأستاذ إبراهيم عيسى. لم تعد هناك قضية فكرية، وإنما دخلت الملهاة إلى حالة تصفية حسابات طويلة.

والحقيقة أن القضية لم تعد عن الأستاذ إبراهيم عيسى وإنما عن الحالة الجمعية المصرية، عندما تجرى الحوادث على الطرق ويصمم السائقون على عجلة القيادة فى السيارات، والمشاهدون من نوافذ الحافلات العامة، على مشاهدة الواقعة والدماء أحيانا حتى ولو تعطلت كل الطرق. تكرار الملهاة «الفيسبوكية» فى المشهد العام المصرى، وعدم القلق إزاء غياب التحقق من الوقائع والاتهامات من مؤسسات وشخوص عامة، يدعونا إلى ضرورة وجود المؤسسات التى تكون مهمتها الكشف الفورى والسريع عن حقيقة الموضوعات والأرقام.

أثناء الانتخابات الأمريكية وما يجرى فيها من مناظرات بين المرشحين، فإن المحطات التليفزيونية المختلفة تجهز فريقا كاملا من الذين يأخذون كل معلومة يذكرها المرشح ويجرى التأكد منها فى بنوك المعلومات والمعرفة، والعودة السريعة للمشاهد حتى يتأكد من حقيقة أو زيف المعلومة. فى مصر احتاج الأمر أسبوعا كاملا حتى تتبين الحقيقة فيما ذكر عن المعراج من وجهة نظر عن آراء مختلفة ومتباينة فيما يخص قضية من القضايا. كان التكفير والمروق سريعا بينما جاءت البراءة بطيئة وزاحفة بعد أن لم يلفت نظر أحد اصطفاف من لا يجب اصطفافهم حول رأى، بدا أن الجماعة الإخوانية مصممة أن تجعل من الأكذوبة قضية رأى عام.

هل يمكن أن ندعو الأستاذ الفاضل كرم جبر إلى أن يكون المجلس الأعلى للإعلام هو النافذة المطلة على الحقيقة ومواجهة الأكاذيب، من خلال جهاز بحثى إعلامى يقوم بمهمة فض الملاهى «الفيسبوكية» بشكل سريع وفورى يطل على الرأى العام بالحقائق. هنا فإن البحث توجد أدواته فى بنوك المعلومات والإحصاء المتعددة، كما أن استجلاء الأمر فى قضية تشغل الرأى العام من جهة مسؤولة يضيف إلى رصيد الثقة بالمؤسسات والشخصيات العامة. هل يمكن لمراكز البحوث الإعلامية والسياسية أن تقوم بهذه المهمة، وتمنع العبث السياسى الذى تقوم به وتستغله جهات لا تريد لمصر ولا لجبهتها الوطنية خيرا ولا وحدة. نحن لا ندعو هنا إلى إنشاء جهاز للمراقبة ولا التقييم الأخلاقى أو لإبداء الرأى، وإنما كما يقال التأكد من الحقيقة أو Fact Checker على ما يذكر من معلومات بسيطة ومجردة وإذاعتها على الجمهور المصرى. الموضوع ليس حادثة ما قاله الأستاذ إبراهيم عيسى، وإنما مواجهة ملهاة إساءة استعمال وسيلة تكنولوجية لامتهان وتجريس والإساءة لسمعة شخصية عامة أو قضية عامة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملهاة «الفيسبوكية» الملهاة «الفيسبوكية»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon