توقيت القاهرة المحلي 20:11:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التجربة السعودية

  مصر اليوم -

التجربة السعودية

بقلم - عبد المنعم سعيد

ما دفع كثيرًا إلى هذا المقال كان مشهد الوجود السعودى فى مهرجان كان «السينمائى»، حيث كان سعى المملكة لكى تحتل مجالًا مرموقًا فى الخريطة العالمية لفن من الفنون، التى لم يكن متصورًا أن تأتى لها الرياض بكل ما فيها من أضواء ولمعان وبريق.

ومع ذلك فالحقيقة هى أن السعودية آخذة فى تنمية تاريخ فى الفن السينمائى بكل أبعاده الإنتاجية والفنية، وخلال فترة قصيرة كانت متواجدة فى مهرجان «مالمو للسينما العربية» فى السويد، وأكثر من هذا فإن السعودية أقامت مهرجاناتها السينمائية الخاصة، ومع كل مناسبة بات ظاهرًا أن الرصيد السعودى فى ازدياد.

ولعله لم تكن هناك مصادفة بين التواتر على الصعيد السينمائى، والفنى فى عمومه، ووجود السعودية فى مؤتمر «دافوس» للمنتدى الاقتصادى العالمى بثقل كبير يعكس مكانتها ووجودها بين الدول العشرين الأولى اقتصاديًّا فى العالم.

والحقيقة أنه لم يعد هناك مجال عالمى يتعلق بشؤون البشر لا تتواجد فيه السعودية، سواء تعلق بالثورات الرقمية أو ما لحقها من ثورات تكنولوجية، أو بأشكال الاقتصاد المختلفة، بما فيها السياحة والترفيه بأشكاله المختلفة. تغير العمران السعودى، وبات شاملًا للمملكة شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وبينما كانت «نيوم» قصة، فإنه كانت هناك قصص طويلة قبلها وبعدها. قبل عشر سنوات، لم يكن مثل ذلك شائعًا.

كانت الرواية الشائعة فى الإعلام العالمى عن السعودية أنها البلاد التى لا تقود فيها النساء السيارات؛ وتوجد فيها شرطة خاصة تتعامل مع ممارسة الأخلاق العامة. الآن تغيرت السعودية كثيرًا، بعد أن حدث فيها إصلاح جذرى يقترب من مفهوم الثورة الاجتماعية والاقتصادية، التى حررت الرجل والمرأة بقدر ما حررت الاقتصاد من النفط، مُحقِّقة تزايدًا مُطَّردًا فى نسبة السلع غير البترولية فى الصادرات السعودية.

ولعل التزايد الكبير فى دور الشباب فى المناصب القيادية العليا فى الدولة، وفى قيادة الصحوة الفكرية فى علاقة الدين بالدولة والمجتمع، لفت الأنظار إلى «التجربة السعودية»، الفريدة من نوعها بحكم النقطة التى انطلقت منها إلى النقطة التى وصلت إليها الآن، والمتخيل الوصول إليها قبل نهاية العقد الجارى.

والحقيقة أنه قبل عقد من السنين، لم توجد دولة عربية قدمت معجزة من أى نوع خلال العصر الحديث، فلم توجد داخل العالم العربى اليابان، ولا كوريا الجنوبية، ولا أى من النمور أو الفهود الدولية التى نعرفها.

الدولة العربية الوحيدة التى اقتربت من هذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة، التى خلقت من نموذج دبى تجربة نجحت فى الاقتراب من نموذج سنغافورة، وأن تصبح محط أنظار دول أخرى قريبة وصغيرة مثل قطر التى تحاول الاقتراب منها.

الغالبية العظمى من الدول العربية صارت بعد الاستقلال دولًا ريعية تعتمد على ريع منتج واحد هو النفط والغاز، أو مثل مصر تعتمد على حزمة صغيرة من المنتجات مثل النفط والسياحة وتحويلات العاملين فى الخارج وقناة السويس.

كان الجميع يعتمدون على منتج واحد، أو حزمة صغيرة من المنتجات، وعلى أكتافها قام عقد اجتماعى يقوم على رعاية الدولة العربية لمواطنيها مقابل القبول بنظم سياسية مركزية فى يد فرد أو أسرة أو حزب. وكانت النتيجة توازنًا سياسيًّا واقتصاديًّا مستقرًّا عند الحدود الدنيا، فلا هو يؤدى إلى المجاعة التى عرفتها إفريقيا، ولا هو يؤدى إلى الانطلاق والتفوق الذى عرفته آسيا.

هذا التصور السلبى فى عمومه، والمتواضع فى حدوده، لم يعد عاكسًا للحالة فى العديد من الدول العربية التى بات الإصلاح واحدًا من أهم ردود الفعل للثورات التى قامت فيها، والفوضى التى حلت، والحروب الأهلية التى اندلعت، وجميعها مشاهد وُلدت مع مطلع العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين.

ولكن مع مطلع العقد الثالث فإن الاتجاه الإصلاحى أخذ يثبت أقدامه فى عدد من الدول العربية، ذكرنا منها فى مقال سابق «التجربة الإماراتية» (المصرى اليوم ٢٢ مايو ٢٠٢٢)، التى باتت أكبر وأعلى من النفط، ولديها من الحيوية التجارية والتكنولوجية ما يضعها بالفعل فى مكانة «سنغافورة» الشرق الأوسط، وربما ما هو أكثر.

وكما ذكرت فى هذا المقام من قبل (٢٨ أكتوبر ٢٠١٨) فإن الإصلاح هو حالة وسط ما بين الثورة والمحافظة على الأوضاع على ما هى عليه. ثلاثتها- الإصلاح والثورة والمحافظة- لها علاقة بتغيير المجتمع.

الثوريون يريدونها طفرة كبيرة أو ما سماها «ماوتسى تونج» قفزة كبرى إلى الأمام؛ والمحافظون يرونها مسيرة إلى المجهول وتفجيرًا لطاقات قد تهدم المجتمع، وربما الدولة أيضًا، وحتى تعطى الفرصة لتدخلات أجنبية.

الإصلاحيون- على عكس هؤلاء وأولئك- يريدون التغيير بشدة لأنه جوهر الأمور والطبيعة والتاريخ، ولكنهم يريدونه محسوبًا ومتدرجًا، ويمكن تحمل ما يأتى به من مفاجآت، وما يتمخض عنه من آلام.

وربما لم تكن هناك مصادفة فى أنه فى النصف الثانى من العقد تولدت مجموعة من «الرؤى» العربية التى أخذت من منتصف العقد الثانى حتى نهاية العقد الثالث أو منتصف العقد الرابع حتى يحدث تحول نوعى فى طبيعة ومكانة الدولة العربية.

ولعله من الضرورى هنا أن نُبقى فى الذهن أن هناك فارقًا بين «التاريخ» و«الرؤية» و«الاستراتيجية»؛ الأول هو حالة من آلاف إن لم يكن ملايين المتغيرات المادية والمعنوية التى لا يملك الإنسان التحكم فيها؛ والثانية هى جهد إنسانى لاستشراف المستقبل والسعى للوصول إليه؛ والثالثة هى خطة لاستخدام وسائط بشرية ومادية للوصول إلى أهداف بعينها فى ظل حساب للفرص والمخاطر.

وفى النصف الثانى من العقد بدأت عمليات الإصلاح فى أكثر من دولة عربية شملت مصر والمغرب وتونس والأردن والبحرين؛ أما فى المملكة العربية السعودية فقد كانت أكثر توجهات الإصلاح إثارة لأنها جاءت فى دولة عميقة المحافظة، سلفية ووهابية المذهب، وتقليدية المسلك فى السياسات الداخلية والخارجية.

أفلتت السعودية من الثورات والانقلابات التى جرَت فى المنطقة خلال الخمسينيات والستينيات، كما لم تُصِبْها عواصف «الربيع» العربى المزعوم، ولكن قضية التغيير لم يعد ممكنًا تجنبها، وقد دخلت الدنيا كلها إلى القرن الواحد والعشرين.

«التجربة السعودية»، التى بدأت فى نفس وقت التجربة المصرية فى عام ٢٠١٥، ومثلها وضعت «رؤية ٢٠١٥- ٢٠٣٠»، تستحق الالتفات والدراسة بعد سبع سنوات من نقطة البداية، التى لم يكن فيها التغيير سهلًا ولا بسيطًا، بعد أن واجهته معارك الإرهاب والعنف والتهديد، ولحقت بها «جائحة الكورونا»، ومن بعدها انقلب العالم مع الغزو الروسى لأوكرانيا فى أسوأ أزمة دولية منذ نهاية الحرب الباردة.

لم يكن القدَر رحيمًا، ومع ذلك فإن امتداد جذور الإصلاح إلى أعماق المجتمع والدولة جعل الصمود ممكنًا، وأكثر من ذلك جعل استدامة التغيير متاحة. المؤكد أن السعودية لم تعد كما كانت، ولم تعد أكثر اقترابًا من عصرها، كما أصبحت اليوم، والتجربة هكذا تستحق الكثير من النظر فى التفاصيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة السعودية التجربة السعودية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon