توقيت القاهرة المحلي 20:08:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاختبار القاسي للإصلاح؟!

  مصر اليوم -

الاختبار القاسي للإصلاح

بقلم - عبد المنعم سعيد

بدءاً من انتهاء الحرب الباردة حتى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين كانت المقالات والدراسات والكتب والمحاضرات عن الشرق الأوسط تتحدث عن «الاستثناء العربي» عما يجري من تيارات تعدُّ الأكثر إيجابيةً في التاريخ الإنساني والممثلة في العولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية المنتشرة وقتها في شرق أوروبا وأميركا الجنوبية وتسارعها في شرق آسيا. تفسيرات ذلك كانت كثيرة، لكنها كانت في العموم تعزو الأمر إلى فساد الدولة العربية وعجزها عن اللحاق بالعالم المعاصر وغياب الطموح الشعبي إلى الارتقاء إلى المستويات الجديدة التي أفرزتها الثورات التكنولوجية المعبرة عن المعارف الحديثة والطفرات الصناعية الجديدة. وعندما نشب «الربيع العربي» المزعوم مع ما لاقاه من ترحيب غربي فإن القول بالاستثناء سرعان ما بات أكثر ذيوعاً مع التحولات التي جرت إلى الفوضى والحروب الأهلية، والبزوغ السريع والوحشي للتنظيمات الإرهابية من «الإخوان المسلمين» وحتى تنظيم «داعش» عبوراً بتنظيمات وحركات وحكومات جميعها تنتمي إلى مذاهب الخوارج. هذا «الاستثناء» لم يشفع له ما عاشته أوروبا منذ القرن التاسع عشر عندما باتت «الفوضوية» من المذاهب السياسية المعتبرة وما لها من فلاسفة وتوجهات سياسية قادت إلى حربين عالميتين. العالم العربي في حقيقته جرت فيه التحولات التي مرت بها قارات أخرى ربما بفارق زمني قدره مائة عام نبتت فيها «النهضة العربية» في القرن التاسع عشر والتي امتدت صانعة استقلال الدول العربية، سواء من الإمبراطورية العثمانية أو من الدول الغربية الاستعمارية. ومؤخراً فإن «الربيع العربي» لم يسفر فقط عن الفوضى والتيارات الإسلامية المتطرفة، وإنما أدى إلى جهود إصلاحية كبيرة في عدد من الدول العربية المهمة تتمثل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومصر والأردن والمغرب؛ وهذه الدول الآن تواجه اختباراً كبيراً.

«الإصلاح» في أصوله الفكرية والفلسفية كان واحداً من ردود الفعل الأوروبية أيضاً في أعقاب الثورة الفرنسية والحروب النابليونية، ويقوم على إنضاج الدولة الوطنية وإخراجها من الآثار العنيفة للحروب التي تمخضت عن الانقسام الكاثوليكي والبروتستانتي في القرون السابقة. الآن فإن التجربة في العالم العربي على حداثتها أحرزت نجاحات غير قليلة رغم مواجهتها تحديات الإرهاب و«كورونا» ونتائج الواقع الدولي المحتدم نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية. الآن فإن تجارب الإصلاح العربي تتعرض لتحدٍ جديدٍ لا يتمثل فقط في حرب غزة الخامسة، وإنما أكثر من ذلك أنها باتت تحرم الإقليم العربي من الاستقرار اللازم للإصلاح، وفوق ذلك فإنها منذرة بحرب إقليمية واسعة تحمل في طياتها احتمالات الذهاب إلى حرب عالمية. هذه التطورات نابعة من ثلاثة مصادر: أولها أن هناك حرباً إسرائيلية - فلسطينية ممتدة منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن؛ وفي الوقت الحالي فإنها تتجسد في قطاع غزة والضفة الغربية. التناقض الفلسطيني - الإسرائيلي يقوم على الأرض (الجغرافيا) والزمن (التاريخ) والبشر (الديمغرافيا). وثانيها أن التناقض السابق يقع في الوسط تماماً بين المشرق والمغرب العربيين، وكلاهما لا يستطيع أن يظل بعيداً من هذا الصراع بخاصة أن أحد طرفيه (إسرائيل) هو نتاج للفترة الاستعمارية، ويتمتع بقدر هائل من التأييد الغربي والقدرات التسليحية التي تصل إلى السلاح النووي. وثالثها أن القضية الفلسطينية تمس قضايا مهمة للعالم الإسلامي وباقي إقليم الشرق الأوسط، حيث تكون للقدس أهمية خاصة تشعل الحروب بقدر ما تدعو إلى السلام.

الإصلاح العربي الجاري لا يمكنه تجاهل كل هذه التناقضات، وإنما حاول بطرق مختلفة خلال العقود الماضية ترويضها، نتج منها معاهدات سلام مع ست دول عربية وسعي ثلاث دول أخرى إلى السلام الشامل مقابل حل جوهري للقضية الفلسطينية وفق حل الدولتين ووضع الفلسطينيين على طريق الدولة استناداً إلى اتفاق أوسلو والاتفاقيات الأخرى ذات الصلة. الآن فإن هذه المسارات المختلفة مهددة بجهود إسرائيل للتهجير القسري للفلسطينيين إلى الدول المجاورة، بخاصة مصر والأردن؛ حيث لا توجد غرابة في إسرائيل لاتهام العرب بمحاولة إلقاء «اليهود» في البحر، بينما هي تعلن ذلك بإعلانات صريحة من مصادر إسرائيلية رسمية. ولكن التهديد للإصلاح العربي لا يأتي من إسرائيل وحدها، وإنما يأتي أيضاً من تحالف إيران وتوابعها - «الحشد الشعبي» في العراق، و«الحرس الثوري» في سوريا، و«حزب الله» في لبنان، و«أنصار الله» الحوثيين في اليمن. هذه الأخيرة أخذت خطوات واسعة في اتجاه توسيع نطاق الحرب لكي تشمل البحر الأحمر.

لم يكن ذلك هو التوسيع والتصعيد الوحيد للحرب، وإنما سبقه تعميق العنف داخل غزة، وعمليات اغتيال واشتباكات على الحدود الإسرائيلية مع لبنان وسوريا، وصدامات بين «الحشد الشعبي» في العراق وبين الولايات المتحدة في سوريا والعراق. النقطة المتفجرة الآن هي التصعيد الجاري في البحر الأحمر والمهدد للتجارة العالمية، ولأمن الإقليم العربي. البداية جاءت من جماعة «أنصار الله» الحوثية في اليمن بالاعتراض العسكري للملاحة الدولية كمشاركة منها في حرب غزة؛ وعندما قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بتكوين مجمع عسكري لحماية الملاحة دفاعياً أولاً بصد الهجمات الحوثية، ولكن بعد الإصرار الحوثي على الاستمرار لم يكن هناك بد من الضرب ثانياً لقواعد إطلاق الصواريخ والمسيّرات داخل اليمن. وهكذا وصلت الحرب إلى النقطة الحرجة للتصعيد طالما أن التصميم الحوثي قائم على الرد؛ وزيادة التوجه الغربي والإسرائيلي لضرب القوة الإقليمية القائدة لرباعي الميليشيات في إيران. مثل هذا الاختبار لا توجد دولة عربية واحدة سوف تكون قادرة على مواجهته، ولا يوجد من سبيل إلى ذلك إلا إذا ما قام تحالف عربي قادر على وضع الاستراتيجيات لإدارة صراع ليس بالضرورة حتمياً، وإنما احتمالاته لا يمكن الفرار منها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاختبار القاسي للإصلاح الاختبار القاسي للإصلاح



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 19:11 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon