بقلم - عبد المنعم سعيد
السرد السريع لتاريخ التنمية المصرية المعاصرة يبدأ مع ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، التى بعدها مباشرة بدأ المشروع الوطنى بعام تحقيق الاستقرار السياسى من خلال خريطة الطريق مع هزيمة تنظيم الإخوان، وتلتها مرحلة أخرى من ثورة تنموية قادتها رؤية تفصيلية، ممثلة فى «مصر ٢٠٣٠». وعلى مدى سبع سنوات، والسنة الثامنة الحالية، خاضت مصر من ناحية حربًا ضد الإرهاب، وسلاسل من الأزمات الإقليمية والعالمية تُوِّجت بأزمة «كوفيد- ١٩»، وحاليًا أُضيفت إليها أزمة دولية كبرى تمثلت فى الغزو الروسى لأوكرانيا وما تلاه من تبعات دولية وعالمية. جرَت التنمية المصرية تحت نار أزمات ترتبت عليها درجات كبيرة من عدم اليقين، واختُبرت فيها الإرادة المصرية وخرجت منها مرفوعة الرأس باقتحام مشكلات ومعضلات لم تُقتحم من قبل، وتحقيق معدلات نمو إيجابية، حتى فى وقت احتدام الأزمات، وفى كل الأحوال فإن التقدم المصرى بات مبشرًا أنه مع عام ٢٠٣٠ سوف تكون مصر دولة غير الدولة التى عرفتها الأجيال السابقة فى مصر. تفاصيل ذلك ليس مكانها هنا، ولكن مشاهده حاضرة وظاهرة فى كافة أركان المعمور المصرى متزايد الاتساع، وفى مجموعها تثبت قدرة مصرية على التعامل مع مواقف صعبة، ومنها تلك التى نواجهها الآن فى الأزمة الحالية النابعة من موقف دولى متأزم؛ والاستعداد المصرى لاتخاذ قرارات شجاعة مالية ونقدية واقتصادية فى العموم إذا ما حتّمتها أقدار لحظة عالمية لا توجد معظم خيوطها فى أيادينا.
كل ذلك يُحتِّم أولًا: التعلم من دروس المرحلة السابقة، التى يثبت فيها أنه لا يمكن مغالبة قوانين العرض والطلب أو الالتفاف حولها بإجراءات تكسب بعض الزمن، ولكنها لا تمنع لحظة المفاجأة الآتية مع أزمة دولية ليس لنا فيها ناقة ولا جمل. ثبات سعر الجنيه المصرى بالطريقة التى كان عليها قبل التصحيحات الأخيرة، التى عادت بالسوق إلى منابعها الاقتصادية الأصلية، لم يكن متطابقًا مع الواقع الاقتصادى، ولا متمتعًا بالمرونة التى تجعل السعر أكثر قدرة على التكيف والتغيير بمقادير تستطيع السوق الاقتصادية أن تستوعبها وتعتاد عليها. وثانيًا: أصبح باديًا ومُلِحًّا أنه بعد الثورات الكبرى فى إنشاء البنية الأساسية والمدن الجديدة وتحضير أقاليم مصر المختلفة؛ آن الأوان لتحقيق التراكم الرأسمالى للدولة من خلال استثمارات منتجة للدولار. وللحق، فإن لدينا بعض البشرى فيما حدث من قفزة فى الصادرات المصرية غير البترول والغاز، وارتفاع ثقة المصريين العاملين فى الخارج فى الاقتصاد المصرى، إلى درجة تحويل أكثر من ٣١ مليار دولار خلال العام الماضى؛ ولكن ذلك مع الظروف الدولية يُحتم تحقيق ما هو أكثر، ممثلًا فى الإسراع بتحقيق هدف ١٠٠ مليار دولار صادرات. مثل ذلك لا يتأتى إلا من خلال المزيد من المشروعات الاستثمارية، التى ترفع من سقف الاستفادة المثلى للمشروعات التى جرى إنشاؤها بالفعل، ولكنها تحتاج إلى خلق أسواق ورفع القدرة على التسويق، وكلاهما يفرض الاستعانة بالخبرة الدولية فى هذا المجال.
حجر الزاوية فى كل ما تقدم هو أن مصر لديها بالفعل ثروات طائلة يزيد من قيمتها ما تحقق من بنية أساسية كبيرة وواسعة وشاملة لكل أرجاء المعمور المصرى؛ وربما يكون أهم ثرواتها سوقها الواسعة، ممثلة فى ١٠٣ ملايين نسمة، فضلًا عن السوق الإقليمية، التى لا تقل اتساعًا، وخاصة فى دول الجوار القريب. لقد كان تخطيط الحدود البحرية بين مصر وكل من قبرص واليونان سببًا فى إنشاء قاعدة للتعاون الإقليمى، تمثل فيها مصر مركزًا للطاقة، وخاصة الغاز، وهذا أسهم فى تخفيف آثار الأزمة الراهنة بما نُصدره من غاز عبر أنابيب وعبر الموانئ المصرية بعد التسييل. ولكن نتائج تخطيط الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية لم تأتِ بعد فى إنشاء إطار للتعاون الإقليمى فى شمال البحر الأحمر مماثلًا لمنتدى شرق البحر المتوسط. توسيع الإطار الإقليمى لا يوسع السوق أمام المنتجات المصرية فقط، وإنما أكثر من ذلك يمكنه أن يحل معضلات قطاعات قوية فى الاقتصاد المصرى، ممثلة فى السياحة، التى ما إن تخرج من أزمة عالمية أو دولية حتى تقع فى أخرى. ورغم الحساسية الكبيرة لهذا القطاع للتطورات الدولية والإقليمية، فإنه من ناحية أخرى مُولِّد سريع للعملات الصعبة، التى ينفقها السائحون فور تقديم الخدمة السياحية. وباختصار، فإن الموقع «الجيو اقتصادى» لمصر يعطيها الكثير، فى إطار الإقليم والعالم أيضًا، خاصة بما فيها من شواطئ، وما جاءها من منح أجدادنا العظام بإطلالهم علينا من معابد ومقابر فى قلب القرن الواحد والعشرين.