توقيت القاهرة المحلي 22:17:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإصلاح الإقليمي؟!

  مصر اليوم -

الإصلاح الإقليمي

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

ذكرنا في مواضع شتى في هذا المقام أن ما عُرف بالربيع العربي في مطلع العقد الماضي أحدث زلزالاً كبيراً في منطقتنا العربية والشرق الأوسط بشكل عام، وشكل خللاً شاملاً في توازنات القوى أدى إلى زيادة جرعة الأطماع الإقليمية والدولية في المنطقة والتي تبدت أحياناً في الاحتلال المباشر أو إقامة المستوطنات أو الاعتداءات المتعددة على السيادات الوطنية للدول، أو بتشكيل ميليشيات عسكرية تضع نفسها بديلاً للدولة. وعلى مدى سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عاش العالم العربي بين ثلاثة توجهات تتراوح ما بين الفوضى المطلقة التي تناطحت فيها تيارات مذهبية وإثنية وعشائرية في اتجاهات إرهابية وحروب أهلية؛ وهيمنة تيارات دينية بعينها وصلت إلى كراسي الحكم في بلاد، وخلقت «داعش» في منطقة على الحدود السورية - العراقية؛ وتوجه إصلاحي انتشر في الدول الملكية التي نجت من جلجلة «الربيع» المزعوم، ولم يلبث أن تبنته دول عربية مهمة مثل مصر. هذا التوجه قائم على أعمدة الدولة الوطنية، والتحديث الشامل لإقليم الدولة سواء من خلال بنية أساسية قوية توطد التفاعلات بين أركان الوطن الواحد ببناء قواعد إنتاجية جديدة أو تجديد الفكر الديني حتى يتلازم مع العصر والتقدم.

وهكذا أصبح واقع الشرق الأوسط يتجسد في أمرين: الأول، أن الإقليم مقسم بين الإصلاحيين الذين يريدون السلام والاستقرار اللذين هما شرطان للتنمية، وهؤلاء الذين يعارضون السلام والاستقرار بسبب التاريخ أو الدين أو عدم الرغبة أو وجود المصلحة في التنمية. والثاني، أن هناك حرباً صريحة أو ضمنية تجري بين الطرفين اللذين بات عليهما التعامل مع العالم من منطلقات مختلفة. حروب غزة الخمس بما فيها الحرب الجارية الآن، والحروب المشابهة التي شاركت فيها الميليشيات المسلحة، جميعها جعلت العمل الأساسي الواجب في الشرق الأوسط يقوم على تشجيع الدول على أن تصل إلى السلام والاستقرار اعتماداً على نفسها مع حرمان القوى الراديكالية من إفساد هذا الجهد. مثل ذلك هو عمل من أعمال القوة الساعية لتحقيق الأمن الإقليمي بحيث تشجع، وتغري، وتضغط، وتواجه إذا كان ذلك ضرورياً، القوى المتعددة لعدم الاستقرار في المنطقة. ومن أمثلة هذه المنظومة قيام القوات المسلحة لدول التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية بوضع نهاية لحدوث الفوضى في البحرين عام 2011. وجاء مثال آخر عندما قامت السعودية ودولة الإمارات العربية والكويت والبحرين، بالإضافة إلى الأردن، بمساعدة مصر في المرحلة التي تلت ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. كذلك عملت مصر والسعودية والإمارات على حل أزمة غزة في يوليو (تموز) 2014، ومصر وقطر للتعامل مع نتائج حرب عام 2021. إن ما يحتاجه الشرق الأوسط الآن هو منظومة من القوى لا تأخذها أفكار براقة ولامعة، وإنما رؤية واقعية، وتفهم أن إقليماً فاشلاً ومفككاً سوف يكون أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وأكثر من ذلك خطراً على الدول التي أخذت طريق الإصلاح بكل ما يعنيه ذلك من ثمن.

«إصلاح الإقليم» هو عملية مكملة لإصلاح الدولة؛ لأنه من ناحية يقيها شر التفجيرات المتتالية الداخلية التي تأتي من دعاوى قائمة على المزايدة الدينية والتي تجعل من «القضية الفلسطينية» أساساً لتشكيل تنظيمات تجعل الأمن الإقليمي أداة طيعة لبعد واحد من أبعاد الأمن القومي العربي. ومن ناحية أخرى، فإنه يشكل فرصة لدعم التيار الإصلاحي في تجمع من الدول من حيث إنه أولاً يخلق لغة مشتركة تقدر المصالح القومية وتضع بناء الدولة وبقاءها في مقدمة هذه المصالح؛ وثانياً أنه يخلق سوقاً للأفكار والتنمية المعتمدة على العلم والمعاصرة جنباً إلى جنب مع سوق اقتصادية واعدة؛ وثالثاً يقيم أسساً للعلاقات مع تكتلات دولية مماثلة. وهنا إذا كان الاتحاد الأوروبي مثّل تجربة كبيرة من التعاون الوظيفي في سوق كبيرة ومؤسسات تتجه ليس فقط نحو التكامل وإنما الاندماج؛ فإن تجربة «آسيان» في جنوب شرقي آسيا تمثل نموذجاً مختلفاً نجح في تحييد الصراعات والتوترات التاريخية والتيارات الراديكالية مع تعاون مشترك في كل ما له علاقة بارتقاء الإنسان في هذه الدول. الحوار الذي جرى أخيراً بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة «آسيان» ربما يوفر خبرة غير قليلة لتجربة مماثلة في الإقليم العربي.

الهدف الذي نرنو إليه من كل ما سبق، وفي ظلال الأزمة الفلسطينية الراهنة، هو أنه آن الأوان لتشكيل تجمع عربي للدول التي تضع السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية وبناء القوة الصلبة والناعمة على رأس أولوياتها. في هذا التجمع توجد درجة من التناغم في وجهات النظر المشتركة إزاء التناقضات الإقليمية وكيفية التعامل معها، فضلاً عن أنها جميعاً مندرجة في عمليات إصلاحية عميقة تتناسب مع التطور والنضج السياسي المتاح. هذا التجمع سوف يكون لديه كلمة مسموعة في المحافل العالمية، وهو الذي يستطيع أن يقدم مصالح الشعب الفلسطيني من خلال دعم وتأييد «منظمة التحرير» الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. مشروعات التعاون الاقتصادي مثل منتدى شرق البحر المتوسط الذي يجمع كلاً من فلسطين وإسرائيل في مصالح الغاز المشتركة، يمكن أن يمتد إلى شمال البحر الأحمر منطقة للرخاء المشترك حيث تلتقي أهداف التنمية والمعاصرة المصرية والسعودية حول خليج العقبة. هذا التصور وتصورات أخرى مماثلة تفتح أبواباً اقتصادية وسياسية مغرية للتعاون بحيث تحيد توجهات الصدام والمواجهة النابعة من أصول آيديولوجية وتاريخية تنحو دورياً إلى الصراع والحرب. فكما هو الحال في الإصلاح الداخلي حيث تقوم الهوية المشتركة للشعب بالدفع في اتجاه الإصلاح والتباعد مع الراديكالية؛ فإن الهوية المشتركة للإقليم لا تنبع من خلال تاريخ وقيم، وربما من دين أو مذهب بالضرورة، وإنما من المنافع المشتركة التي فرضها الجوار الإقليمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإصلاح الإقليمي الإصلاح الإقليمي



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 19:11 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon