توقيت القاهرة المحلي 07:44:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانتخابات بين مصر وأميركا!

  مصر اليوم -

الانتخابات بين مصر وأميركا

بقلم - عبد المنعم سعيد

لا يمكن لمصرى خارج البلاد إلا أن يراقب كل ما يحدث في مصر، وخاصة أن بها حملات الانتخابات الرئاسية؛ وفى الوقت نفسه مراقبة ما يحدث في أمريكا، وقد جعلتها الانتخابات الرئاسية أشد إثارة. في الحالتين فإن هناك عرضًا من أعراض أزمة الديمقراطية المعاصرة، التي عندما يشتد فيها الحال على أحد المرشحين في السيطرة على مؤيديه، فإنه يدفع حالة من المظلومية، التي لا بأس فيها من التعريض بمؤسسات قانونية وقضائية باعتبارها منحازة للمنافسين. الحالة في أمريكا، وقد شاءت ظروف الدراسة والحياة متابعتها، تبدو واضحة وضوح شمس نهار صيف منذ أن دخل دونالد ترامب إلى الساحة والاختبارات السياسية. وللحق، فإن الرجل لم يتوقف أبدًا منذ إعلان ترشحه الأول عن اتهام الحزب الديمقراطى بالسيطرة على النظام السياسى الأمريكى، ومن ثَمَّ قدراته الفذة على تزوير الانتخابات وإجهاض تجربته في أن يجعل «أمريكا عظيمة مرة أخرى». مَن سمع خطب ترامب في ذلك الوقت سوف يتعجب عما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا، وهل من الممكن حدوث ذلك في قلعة الديمقراطية في العالم؟. ما حدث فعليًّا أنه رغم الفضائح الكثيرة لترامب، الشخصية والسياسية، أنه كسب الانتخابات وجاءته التهنئة من منافسته هيلارى كلينتون؛ ووقتها لم يراجع ما قاله من قبل حول نزاهة العملية الانتخابية. ما حدث أنه بعد الفوز خاض أكبر عملية هزلية في اختيار حكومته والعاملين معه، ومن بعدها توجه إلى التشكيك في المؤسسات الأمريكية العريقة من الكونجرس إلى القوات المسلحة إلى وكالة المخابرات المركزية؛ ولسوء حظه جاءه الاختبار الأعظم بوباء الكورونا، فكانت الولايات المتحدة بين الأسوأ والأكثر في الضحايا والمرضى بين دول العالم. كان طبيعيًّا بعد ذلك أن يخسر ترامب الانتخابات بعد فترة واحدة من رئاسته؛ ولكنه خسر بطريقته الخاصة، وهى رفض نتيجة الانتخابات، والتأكيد على عدم شرعيتها، والأكثر من ذلك تشجيع جماهير متعصبة على الهجوم على الكونجرس ساعة تصديق الكونجرس بقيادة نائبه «مايك بنس» على نتيجة الانتخابات.

بالطبع، فإن المشابهات التاريخية، وبين دولة وأخرى، لها مثالبها الكثيرة؛ ولكن المرء لا يستطيع من أجل التوضيح تجاهل الواقع الذي جرى في مصر من قبل في عهد الإخوان المسلمين عندما وقفوا في ساعة انتخاب الرئيس لكى يضعوا مصر كلها بين أن يكون رجلهم فائزًا أو الحريق الشامل والكاسح. كان الكلام صريحًا وقائمًا على التعبئة والتغرير والخلط بأن الاختيار قائم على حافة السكين، حتى وصل إلى الولايات المتحدة، فقام الرئيس باراك أوباما شخصيًّا بالتدخل لكى يفوز مرشح الإخوان حتى يمكن حماية البلاد. التفاصيل هنا كثيرة، ولكن اختيار إما الفوز في الانتخابات أو الاتهام بالتزوير هو عملية ابتزاز تاريخية شائعة، ويمكن إشعالها في الظروف الإعلامية الراهنة، حيث تدور أدوات التواصل الاجتماعى بسرعة كبيرة. لحسن الحظ أن الحالة لم تَطُلْ في مصر، فلم يكن سهلًا اختبار السلطة في الحكم، وكان الفشل الإخوانى في مصر كاسحًا، قاد إلى ثورة أخرى واختيار جديد نحو الإصلاح وبناء الدولة. ولكن المدهش أن ذلك حدث مرة أخرى في مصر بعد عشر سنوات من الاختبار الأخير، الذي أسفر عن أكبر عملية لبناء الدولة عرفته في تاريخها الحديث. وإذا بنا خلال تجربة الانتخابات الحالية نشهد نفس التوجه نحو الابتزاز، وإما أن ينجح المرشح أو أن في الأمر تزويرًا، وإما أن يحصل المرشح على التوكيلات أو أن تقدم له الدولة الدعم التوكيلى كما كان «الدعم» جاريًا في الطاقة والغذاء. في الطريق يجرى التشكيك في المؤسسات، التي سوف يحكم بها المرشح إذا ما قُدر له الفوز؛ وهو الذي يَعِد بأنه سوف يحكم بالدستور والقانون، وكأن كليهما لا يعمل بكفاءة إلا لحظة وجوده في الحكم.

هنا تحديدًا توجد عقدة الديمقراطية، حيث تسير العملية الانتخابية وسط أوضاع قامت على كتف تاريخ طويل وثقافة خاصة ومؤسسات عرفت خبرتها وقواعدها تراكمًا تاريخيًّا يكون في التجربة الأمريكية قائمًا على ثورة و٢٦ تعديلًا دستوريًّا وحرب أهلية ضروس. ترامب بعد كل ذلك لم يترك شاردة ولا واردة قام بها بايدن إلا نفاها وشكّك في نتيجتها، وأضاف إليها حزمة من الجرائم يقف في طليعتها السماح لستة ملايين من المهاجرين بالدخول. حصل الرجل على جائزته الأولى بالقضاء عمليًّا على سلامة الاختيار «الديمقراطى» داخل الحزب الجمهورى، بعد أن استخدم شعبويته في إجهاض المناظرات الانتخابية، وتأكيد انتخابه مرشحًا للحزب من خلال المزايدة والمناقصة حسبما يفسد العملية الديمقراطية. وجاءت جائزته الثانية بالتهديد بشل العمل الحكومى الفيدرالى عن طريق منع الكونجرس وأنصاره في مجلس النواب من الموافقة على تمويل الموازنة العامة.

التجربة المصرية تقوم على تجارب خديوية وملكية وجمهورية، ودساتير وخبرات متعددة، وكلها أجرت انتخابات، وجميعها أصدرت دساتير. حاولت النظم كلها بناء مصر من جديد، فخرجت من الحالة العثمانية، وعندما حلت في القرن العشرين امتد نضالها ضد الاستعمار إلى النضال ضد العالم، وباتت المقارنة فيها قائمة حول أي من النظم المختلفة أشد كفاءة في إدارة الفقر؛ والتعامل مع مؤامرات كونية. في كل ذلك لم يكن العالم ساكنًا، وجرى التغيير فيه بسرعات غير مسبوقة؛ وحينما جاءت الانتخابات الرئاسية مثلت فرصة عظمى للتداول حول كيف يمكن لمصر أن تتفوق في السباق، ولكن المرشحين لم تكن لديهم إلا قائمة قنوات الإخوان التلفزيونية، التي تنكر كل شىء وكأنه لم يكن هناك سبعة ملايين مصرى شهود على البناء، ولا بات فيها انتقال تاريخى من وادى النيل الضيق إلى أودية جديدة على بحار الله وخلجانها الواسعة. تغيرت علاقة الجغرافيا المصرية مع ديمغرافيتها، مقبلة على فرص عظمى للتقدم، فإذا بالشكوى أن «الطرق والكبارى» و«الخرسانة» تُحدث بناء، ولكنها لا تحرز تقدمًا. باتت للمصريين صفات خاصة في الحديث السياسى، فلا يتقدم المرء فيها إذا انتقل من العشوائيات إلى «الأسمرات»؛ ولا يعرف تكنولوجيات جديدة وعلومًا حديثة إذا ما تلقى العلم من عشرات الجامعات التي لديها توأمة مع جامعات عالمية؛ ولا تتعزز فيها حالة الطبقة الوسطى عندما تنتقل من قلب المدن الإقليمية القديمة والعتيقة إلى براح المنصورة الجديدة وأمثالها في المنيا وأسوان والإسماعيلية. مضاعفة الدخل القومى الإجمالى، مع إزالة المرض العضال لفيروس «سى»، ومواجهة الكورونا، لم يعد تقدمًا، وإنما هو فشل ذريع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات بين مصر وأميركا الانتخابات بين مصر وأميركا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon