توقيت القاهرة المحلي 14:48:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عملية البحث عن الخضرة والتراث

  مصر اليوم -

عملية البحث عن الخضرة والتراث

بقلم - عبد المنعم سعيد

الأزمات الاقتصادية دائما مغرية للقوى السياسية أن تكون فاتحة لعملية إصلاح عميقة، أو أن تكون فرصة لتغيير شامل، أو على أقل تقدير أن تكون وسيلة للمشاركة في اتخاذ القرار لكى يكون ما سيأتى أفضل مما راح. الليبراليون المصريون الذين افتتحوا التغيرات الكبرى التي جرت في ٢٥ يناير ٢٠١١، وذابوا بعدها في أحضان الثورة التي انتهت إلى حكم الإخوان، وعندما جد الجد لتغيير الحال في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، كان الهروب وسيلة التعامل مع لحظات حاسمة حول هوية الدولة وبقائها.

وعلى مدى عشر سنوات بعد التغيير السياسى فإن الأحزاب السياسية الليبرالية سرعان ما تعرضت لعمليات التآكل الداخلى، أو الخمول العام، أو الانسحاب من الساحة، اللهم إلا من كلمات إثبات الوجود ساعة المواجهة مع الإرهاب، أو الصمود في وجه الكورونا؛ والآن مع الأزمة الاقتصادية واشتداد الهجمات على الإدارة المصرية، فإنها تأخذ جانبا تستعير فيه «فقه الأولويات» وإبداء الملاحظات على مسار التنمية المصرية خلال السنوات الثمانى المصرية السابقة. الملاحظة على كل ما يجرى هو أنه لا منطق له، وهو لا يزيد على أهواء لحظية تقرر المشروعات، وتطبقها وتنفذها، فيما لا طائل وراءه؛ ولكن ما يوجع حقا هو أن فيها عداء للخضرة والأشجار، والأخطر من ذلك تعريض المدن المصرية لخطر التخلص من تراثها، وقيمها التاريخية.

والحقيقة هي أنه لا يوجد بأس من إبداء ملاحظات من وقت لآخر على ما يجرى ربما للتنبيه لخطر غياب الذوق الذي يتناسب مع النفوس الفنية المرهفة. ولكن الخطر يأتى عندما يكون المقصود من الملاحظة الإضافة إلى ركام ما يقوم به آخرون من ادعاءات على مدار الساعة. والأخطر عندما لا يتكلف أحد مشقة النظر حوله للتعرف على ما إذا كانت الخضرة قائمة أو تقوم، وعلى ما إذا كان الحفاظ على التراث غير قائم وأنه فعلا لا يجد مثلا أعلى إلا في عمارة دبى!.

بالنسبة لى فإننى كنت ممن طالبوا في هذا المقام أو غيره ببناء مدينتين مثل دبى، واحدة منهما في «العلمين» على البحر الأبيض والأخرى في سفاجا على البحر الأحمر؛ وطالما أن المصريين يذهبون إلى دبى أو ما يمثلها من مدن هي في حقيقتها ترجمة عربية لسنغافورة في المحيط الهندى، فلماذا لا نعطيهم العمارة والبحر والرطوبة في حزمة واحدة وهنا في مصر ودون سفر وراء البحار. ما جرى في العلمين فيه بعض من عمارة دبى، ولكن لا يزال بينها وبين المدينة العربية فارق كبير في التشغيل والعمل. سفاجا لا تزال بخيرها، ولكن باقى المدن الجديدة لم تأخذ من دبى شيئا ومعظمها مثل المنصورة الجديدة والإسماعيلية الجديدة وهكذا مدن شقيقة لها طابع عائلى مستمد من المدينة الأصلية. «العاصمة الإدارية» رغم اتهامها بأنها أيضا بنيت على أساس من ثقافة دبى التي باتت تعد من أهم مدن العالم المعاصر الآن، فإنها معماريا مستمدة من التراث الفرعونى في مبانيها الرسمية، وأما في الأبراج فإنها استمدت من التراث ذاته ارتفاعاته وتوسعاته وخطوطه الفنية.

ومن ناحيتى أيضا فقد كنت متخوفا مع العاصمة الإدارية أن تضيع معها القاهرة «التراثية»، ولكن ما حدث فعليا هو أنه لم يحدث في تاريخ مصر منذ بناء الخديو إسماعيل «القاهرة الخديوية» أن جرى تطوير التراث في القاهرة الفاطمية والأيوبية والفرعونية، مع مضاعفة أعداد المتاحف في نفس الوقت كما حدث خلال الفترة الأخيرة. القول من وقت لآخر بغياب الخضرة وقيام الغشوم بقطع الشجر فيه بعض الصحة عندما تقتضى المشروعات ذلك، على أمل أن تعود مرة أخرى، وهو ما يجب الإصرار عليه؛ ولكن ذلك عليه ألا يغفل حقيقة امتداد الخضرة في مصر وليس قصورها. ما نحتاجه هو نظرة على مصر كما تظهرها خريطة طقس «ياهو»، حيث نجد الدلتا وقد امتدت مروحتها لكى تتمدد الخضرة بين فرع دمياط وقناة السويس شرقا، وفرع رشيد والزحف الأخضر غربا.

طريق مصر إسكندرية الصحراوى لم يعد صحراويا وإنما امتدت الخضرة بعمق ٢٠كم شرقا وغربا. القاهرة والجيزة وإن عانت بعض أشجارهما، فإن منطقة الفسطاط فضلا عن متحفها، أعادت خلق حى كامل حديث يتطلب بعضا من الصبر على الانتهاء من حديقة «الفسطاط» العملاقة. بعض الخضرة امتد إلى شوارع في القاهرة لم تعرفها من قبل، ومناطق رُفعت عنها لعنة العشوائية، أو بعض منها لم يتيسر أيضا من قبل. الخاتمة هي أنه رغم كل ذلك فليست كل الأمور تمام؛ ولكن قول «إضاءة شمعة وسط الظلام أفضل من لعنته» صائب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملية البحث عن الخضرة والتراث عملية البحث عن الخضرة والتراث



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon