توقيت القاهرة المحلي 22:13:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاصفة بلا نهاية

  مصر اليوم -

عاصفة بلا نهاية

بقلم - عبد المنعم سعيد

الأصل في الولايات المتحدة هو ضرورة الاستقرار السياسى لتكون الدولة متقدمة وقوة عظمى، وفيها ما يحلم به بقية البشر من اختراق للفضاء، والجامعات التي تنتج بشرًا من نوع خاص، وهوليوود والفنون الأخرى تخلق خيالات لا تكف تلح على الإنسان في أركان المعمورة أن يكون له من كل ذلك نصيب وحظ. الحسبة الأمريكية بسيطة، وعندما تضيف الرأسمالية إلى الليبرالية إلى الديمقراطية فإن كل ما يحتاجه أو يحلم به بنو آدم يمكن الحصول عليه بسبب المنافسة التي تعطى الأعلى جودة والأقل سعرًا، والحرية التي تُخرج من الإنسان عبقريته، وقاعدة الأغلبية والأقلية التي تمنع كل أنواع المشاحنات والصراعات والنزاعات، فمَن كان مع الأغلبية فاز، ومَن كان مع الأقلية فعليه أن ينتظر المرة القادمة حتى يكون أغلبية.

كل أمر مُدبَّر ومُحكَم، وهناك الدستور الذي توجد به كل الحدود والنهايات، التي إذا ما جرى الالتزام بها من قِبَل جماعة بشرية فإنها سوف تكون في أحسن الأحوال. هذه الثقة الكبيرة في الأطروحة الكونية الأمريكية شجعتها في أن تكون المرجعية التي يُقاس عليها، وكم من البشر يقولون من وقت وآخر إن ذلك أو ذاك يحدث في أمريكا. وللحق، فإنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فإن أمريكا لم تطل على العالم مسلحة بأنها القوة التي لديها السلاح النووى والقادرة على استخدامه، وإنما هلّت بقدر هائل من الجاذبية والذكاء والإبهار.

والمدهش في هذا الأمر أن الولايات المتحدة أنهت القرن العشرين وهى قوة عالمية وكونية، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى ومعه التجربة الاشتراكية فإنها باتت تتطلع إلى أن يكون القرن الواحد والعشرون قرنًا أمريكيًّا.

.. كان ذلك ما قاله ونشره مَن عُرفوا بالمحافظين الجدد، الذين دخلوا إلى البيت الأبيض مع الرئيس جورج بوش الابن.

هذا الدخول ربما كان أولى علامات التراجع الأمريكى عندما بات هناك خلاف دستورى عمّن كسب الانتخابات الأمريكية، وعما إذا كان آل جور، نائب الرئيس السابق، وهو الذي حصل على الأغلبية الشعبية يستحقها وليس الأغلبية المستندة إلى أصوات أغلبية الولايات. مرت هذه الواقعة بسرعة، فلم يكن أحد مستعدًّا لوضع الدستور الأمريكى موضع المساءلة في قضية حرجة بهذا القدر، ولكن الحقيقة باتت أن الانتخابات التي أتت بجورج بوش الأب إلى السلطة، ولفترة واحدة، ثم انتخاب بيل كلينتون، هي الانتخابات التي جرت وفق الأحلام القديمة. الرئيس الذي جاء في القرن الجديد سرعان ما كان عليه مواجهة أحداث ١١ سبتمبر، ومن بعدها الحروب في أفغانستان والعراق لكى تصير كلها «حروبًا أبدية» لا يوجد فيها خاسر وفائز، ولا ظلام الهزيمة ولا بريق النصر. «المحافظون الجدد» باتوا أول مَن أخذ من خلال الأيديولوجيا الليبرالية بداية نزع الشرعية عن قيادات أخرى في العالم بما فيها أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة. انتخاب باراك أوباما بدا كما لو أنه يشكل «الخلاص» الأخلاقى للدولة بانتخاب أمريكى من أصول إفريقية لكى يكون رئيسًا للدولة، ومخلصًا لها من توسعاتها الدولية التي ظهر أنها تشكل خسائر فادحة. ولكن ما حدث في السياسة الأمريكية هو أن لون الرئيس بات قضية كان أول أبعادها ما إذا كان الرئيس قد وُلد في الولايات المتحدة أم لا، وهل جرى تزوير شهاداته الجامعية أم لا. أصبحت شرعية أوباما موضع المساءلة التي كان وراءها ليس مؤاخذة إدارية، وإما نظرة عنصرية سوف يكون لها ما بعدها عندما فاز دونالد ترامب على «هيلارى كلينتون» التي حصلت أيضًا على الأغلبية الشعبية، وخسرت أغلبية الولايات، بعد معركة انتخابية طاحنة تجاوزت فيها النخبة الأمريكية كل الأعراف الأخلاقية المتعلقة بسلوكيات الرئيس السابقة، وكل الأعراف والتقاليد مثل قيام المرشح بنشر أوراقه الضرائبية.

كان دونالد ترامب قنبلة مسمومة داخل النظام الأمريكى وهى التي بدأت بالتشكيك في الكونجرس ووزارات الدفاع والمخابرات والخارجية والاقتصاد. لم يجد الرجل غضاضة في إقامة علاقات مشبوهة مع دولة أخرى خصم هي روسيا، وثبت أنها لعبت دورًا في انتخابه من خلال التلاعب بأهواء الناخبين في الولايات الحرجة لنتيجة الانتخابات. كان ذلك هو مجرد البداية، فقد كان الرجل يعتقد أن المؤسسات الأمريكية باعت نفسها لنخبة أمريكية ليبرالية تابعة للحزب الديمقراطى؛ وهى نخبة لا تتمتع بأى قدر من الكفاءة، فقد خسرت كل الحروب التي تلت الحرب العالمية الثانية؛ ولم تفلح المخابرات في التنبؤ بأزمات مهمة. كانت طريقته في المناظرات داخل وخارج الحزب الجمهورى قائمة على البلطجة اللغوية، والتمتع بكسر كل التقاليد الرئاسية، ومعاداة الصحافة والإعلام، والسخرية من قادة الدول الأخرى. ولا أدرى ما إذا كان ذلك لحسن الحظ أم لا، أن ترامب تعرض لاختبارات كبيرة في سياساته تجسدت كلها في «جائحة الكورونا» ففشل في إدارتها، ومعها خسر الانتخابات الرئاسية للديمقراطى جوزيف بايدن.

ومن يوم إعلان نتيجة الانتخابات بهزيمة الساكن في البيت الأبيض فإن ترامب لم يترك جهدًا إلا وفعله من أجل ليس فقط العودة مرة أخرى إلى البيت الأبيض وإنما تدمير النظام السياسى الأمريكى كله بكسر قواعده الواحدة تلو الأخرى. البداية كانت بالتشكيك في نتيجة الانتخابات والحديث بيقين عن تزويرها؛ وعندما بدأت عمليات فرز الأصوات في الولايات فإنه لم يجدد غضاضة في الضغط على المسؤولين عن فحص الأصوات وإعلان النتيجة، في سابقة تضع النظام الانتخابى كله موضع المساءلة عما إذا كان مناسبًا وعادلًا وأن معاييره متطابقة في كل الولايات. هذه النقطة رغم أنها لم تؤدِّ إلى تغيير النتيجة فإنها أبقت رواسب سوداء عما إذا كان المؤسِّسون الأوائل للدولة الأمريكية قد أحكموا الأمور، أم أن الأمر فيه ثقوب كثيرة. بعد فشل ترامب في تغيير نتيجة الانتخابات، فإنه تحول إلى التدخل في طرق التصديق على النتيجة التي جاءت من الولايات ثم التصديق النهائى في الكونجرس الأمريكى الذي أدى إلى ما بات معروفًا بأحداث ٦ يناير، وهو الذي كان متوقعًا أن يقوده «مايك بنس»، نائبه، صَفِيّه، باعتباره نائب الرئيس المنوط به رئاسة مجلس الشيوخ، والصوت المرجح في حالة تعادل الأصوات في المجلس. كان ترامب قد أعد للأمر عدته، وهو أن يقوم نائبه برفض التصديق، وبعدها يطلب ترامب عرض الموضوع على المحكمة الدستورية العليا، وهناك كان الرئيس قد دبر اختيار قضاة المحكمة، بحيث يضمن أغلبية من أصواتها تناصره وتناصر مبادئه السياسية والاجتماعية. رفض «بنس» القيام بهذا الدور جعل ترامب يلقى بأوراقه الأخيرة، وهى حث الجماهير المحافظة التي تدفقت على واشنطن لكى تهاجم الكونجرس.

ما حدث بعد ذلك سوف يحتاج مقالًا مستقلًّا، الأسبوع المقبل، ولكن الخاتمة هنا أن النظام الأمريكى تعرض للكثير من الاختبارات منذ بداية القرن، وأن الدور الذي قام به الرئيس ترامب منذ ترشح للرئاسة عام ٢٠١٥، وخلال وجوده في البيت الأبيض، أدى إلى الكثير من الهدم لنظام ظن صانعوه أنه ليس قابلًا للكسر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاصفة بلا نهاية عاصفة بلا نهاية



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 21:27 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

محمد صلاح خارج سباق المنافسة على جائزة أفضل لاعب أفريقي
  مصر اليوم - محمد صلاح خارج سباق المنافسة على جائزة أفضل لاعب أفريقي

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon