توقيت القاهرة المحلي 22:17:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر التى فى خاطرى أيضًا!

  مصر اليوم -

مصر التى فى خاطرى أيضًا

بقلم - عبد المنعم سعيد

ألح علىَّ هذا العنوان «مصر التي في خاطرى» من المقال الذي نشره صديقى العزيز د. حسام بدراوى في هذا المقام، قبل أسبوع. كلانا على أي الأحوال استعار العنوان من أغنية أم كلثوم الشهيرة، بكلمات أحمد رامى، وتلحين الموسيقار رياض السنباطى. الأغنية وطنية من الطراز الأول، حيث تمتزج فيها الكلمات مع اللحن والأداء الفريد لكى تلهب المشاعر الوطنية بالحب والاستعداد للفداء. الأغنية فيها الكثير من الفخر بشعب مصر الكريم، ونيلها المعطاء، وظلها الظليل بين المروج الخضر والنخيل، وهكذا أوصاف فيها الكثير من العواطف التي تستحقها مصر. الكلام ربما كان جزءًا من الزخم الوطنى الملتهب في ذلك الوقت من عام ١٩٥٢ بالرغبة في التخلص من المستعمر، واستمرار مصر كريمة ومستقلة. مضى على ذلك سبعون عامًا هي عمر الطبيب الماهر، وباتت القضية هي كيف تكون مصر جزءًا من عصرها؛ وما يطرحه على تلاميذه وحوارييه هو التحدى القادم من عالم يسير بسرعة شديدة تكنولوجيًّا وفكريًّا، وما يترتب عليها من نتائج يتحول فيها العالم، وربما الكون، من حال إلى آخر. نقطة البداية التي يطرحها هي الإجابات التي تأتى من الاعتزاز بمجد مصر التليد من الفراعنة حتى العصر الحديث مع مولد الدولة المصرية الحديثة؛ أو ما كان من قوة ناعمة استندت إلى عمالقة الغناء والموسيقى ومفكرين وكُتاب تتلمذ على أيديهم جيلنا، ولكن حصيلة أفكارهم ونغماتهم وأشعارهم كانت وليدة الأربعينيات من القرن الماضى؛ أو ما كان من اعتقاد الكثيرين من الكرامة والشموخ الأخلاقى. أما داخل الأسرة المصرية فإن هناك صورة رومانسية عن العلاقات داخلها بين الكبير والصغير، وتقاليد الجماعة، التي تعتمد على بعضها البعض بإيثار وانتباه لا يقطعه موبايل ولا يعبث به كمبيوتر. في العموم كان الماضى المصرى مثاليًّا، أو هكذا يسود ظن لا كان فيه العمر قصيرًا، ولا كانت فيه الأمراض المعدية متواترة، ولا كانت فيه الأمية كاسحة.

المعضلة التي تقف بين الماضى والحاضر والمستقبل هي أننا لا نعرف كثيرًا كيف انتقلنا من الأول إلى الثانى، وما إمكانياتنا الراهنة التي تحملنا إلى الثالث: المستقبل. أذكر أنه جمعنى، قبل عقود، جمع مع أصدقاء وآخرين، كان منهم الكاتب القصاص يحيى الطاهر عبدالله، صاحب «الطوق والإسورة» وقصص وروايات عظيمة. كان صامتًا في معظم الليلة تقريبًا، حتى نطق كمَن جاء من جوف الحكمة قائلًا: مادام هذا الرجل يعيش بيننا، فإنه لا أمل لنا. كان كمَن ألقى بقنبلة في الجمع، أو أتى بثعبان ورماه في وسط الخلق. لم يكن يقصد رئيسًا، ولا زعيمًا، وحسبما جاء ممن عرفوه، فقد كان يتحدث عن نجيب محفوظ. كان الروائى الكبير لا يقف حاجزًا فقط بقدراته الفذة، وإنما بما يعتقد أنه قد بلغ منتهى الرواية والصناعة الأدبية. مَن جاءوا بعده كان دائمًا محض تفاصيل، هلّت على البلاد من قبيل ملء الوقت حتى يأتى نجيب محفوظ آخر. زكى نجيب محمود في الفلسفة، وأحمد شوقى في الشعر، والسنباطى وأم كلثوم في الشعر والغناء، ومحمد حسنين هيكل في الصحافة، وسعد زغلول وعبدالناصر في الزعامة، وباقى المسلسل الكبير، ومن بعده لا مجال لأحد آخر. كل مَن وُلدوا في النصف الأول من القرن العشرين، وما تكوّن أثناءه من تقاليد دولة حديثة نسبيًّا، ظلوا ساكنين على القلوب، ولا مجال ليحيى الطاهر عبدالله، ولا أحد آخر. مَن وُلدوا في النصف الثانى من ذات القرن لم يعد لهم نصيب ولا حظ ولا اعتبار. الحقيقة هي أن مصر كانت، كما يُقال، ولّادة؛ أتت من الوِلد الكثير في كافة الفنون والآداب والعلوم والتطبيقات التكنولوجية؛ وكما عرفت الأجيال السابقة السيارة وطرقها، والقطارات وخطوطها، والتليفون ورنينه، والمذياع وصوته، فإن الأجيال الجديدة عرفت من التليفزيون إلى الكمبيوتر وبرامجه، ومن السيارات اليدوية إلى تلك الآلية، حتى وصلت إلى الطائرات النفاثة. وبينما توقف بناء المدن عند قناة السويس، فإن المدن الجديدة عرفتها مصر منذ ثمانينيات القرن الماضى، وحتى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين. كان بناء السد العالى في أسوان نقلة تكنولوجية فذة، وكذلك إنشاء خطوط «المترو»، وحفر ستة أنفاق أسفل قناة السويس. خلال السنوات العشر الأخيرة، دخل سوق العمل عالى المحتوى التكنولوجى ستة ملايين من المصريين؛ جميعهم يعرفون أشكالًا من الحداثة، و«بيوت الراحة» والماء النظيف والكهرباء، التي لم يعرفها مصريون قبلهم. وكما هو الحال دائمًا وُلد أدباء ومفكرون وعلماء. في الثانى من إبريل ٢٠١٨، تُوفى أحمد خالد توفيق، المولود بمدينة طنطا في ١٠ يونيو ١٩٦٢، وعندما مرت جنازته فوجئت النخبة الفكرية المصرية بالمدى الذي وصل إليه ازدحام الجنازة. الرجل كان طبيبًا، ولكنه كان أيضًا روائيًّا من طراز رفيع، هجر سبل الكلاسيكيات المصرية إلى مجالات وآفاق رحبة وواسعة. جرى اكتشاف العظيم الروائى مرة أخرى من جانب كثيرين، كان منهم كاتب هذه السطور. وقتها كان المشاركون في جماعات القراءة المصرية قد تسابقوا على رواياته ومناقشتها. ولم يكن ذلك هو الاكتشاف الوحيد، وإنما تسارعت بعدها موجات للتعرف على جيل كامل من الكُتاب والروائيين. في نفس الوقت كان جيل على الحجار ومحمد منير وعمرو دياب وعشرات غيرهم قد غزوا بمواهبهم أشكالًا جديدة من الموسيقى والكلمة والشعر، وهذه كان لها نجومها التي بدأت بالأبنودى وأحمد فؤاد نجم ومَن جاءوا بعدهما.

في مجالات العلوم الاجتماعية والسياسية جاء سيد ياسين وسعد الدين إبراهيم وعلى الدين هلال، وتولد عن كل واحد منهم طابور طويل من الدارسين والباحثين، الذين بالكم والكيف فتحوا أبواب المعرفة عن مصر والعالم العربى والإقليم الشرق أوسطى، بريادة نابعة من الأرض المصرية كما فعل آباؤهم وأجدادهم من قبلهم. وفى الصحافة لم يكن محمد حسنين هيكل هو نهاية الطريق، فقد كان هناك من الكبار أيضًا ودون ترتيب صلاح منتصر ومحمد سلماوى ومصطفى الفقى وصلاح عيسى وأحمد الجمال وعبدالله عبدالسلام وإبراهيم عيسى، الذي كتب الصحافة وسطر الروايات وظهر في التلفزيون. المقال على وشك النهاية، ولكن ما يحتاجه تلاميذ صديقى حسام بدراوى هو معرفة حالة مصر الآن لمؤلفيها وكُتابها وشعرائها وأدبائها؛ وما لا يقل أهمية عن ذلك كيف وصلت مصر إلى ما فيه الآن، بلا تهويل ولا تهوين. مَن الذي أدخل إليها الكمبيوتر، وبنى المدن والجامعات الجديدة، ومَن الذي يبحث في الذكاء الاصطناعى، ولماذا تصدر مصر الحديد والصلب إلى الولايات المتحدة وألمانيا، وتُنشئ نهرًا صناعيًّا، وتزرع دلتا جديدة، وما معنى الرى المحورى، ولماذا تأخر كثيرًا؟. مصر لن تخترق طريقها إلى المستقبل فقط بالتعرف على التكنولوجيات العالمية الجديدة، ولا باكتساب خاصية السباق مع الأمم الأخرى؛ وإنما الذي لا يقل أهمية معرفة المدى الذي وصلت إليه البلاد، دون أسى أو بكاء على أطلال مَن سبقوا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر التى فى خاطرى أيضًا مصر التى فى خاطرى أيضًا



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 19:11 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon